هل يمكن لألعاب الفيديو المساعدة في اجتياز الأزمات؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ظهر أحد أيام الجمعة من شهر مايو، الماضي انضم مسؤولون تنفيذيون من أكبر الشركات في العالم إلى مكالمة فيديو فريدة من نوعها.

ففي غضون دقائق، تم إعادتهم بالزمن إلى دورة أولمبياد أتلانتا في يوليو 1996، حيث انطلقت الألعاب دون عقبات لمدة أسبوع قبل أن تغرق في حالة من الفوضى بسبب هجوم مميت بقنبلة أنبوبية. فهل يجدر استئناف الحدث؟

كان هذا هو السؤال الذي طرحه إدوارد جيتاز، وهو مدرب للمهارات القيادية، والذي عمل سابقاً أيضاً كمنتج سينمائي، على المسؤولين التنفيذيين.

فخلال محاكاة استمرت لعدة ساعات، استمع المشاركون إلى تسجيلات صوتية وشاهدوا مقاطع فيديو لصناع القرار آنذاك، بداية من مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى اللجنة الأولمبية الدولية، بهدف معرفة مسار العمل الصحيح خلال اللحظات الحرجة من الأزمة.

ثم انقسم المشاركون إلى مجموعات للنقاش فيما بينهم واختبار فرضياتهم وتلقي التعليقات. وتوفر شركة «إنسايد ريسك»، التي يديرها جيتاز، مثل هذه الدورات التدريبية «المكثفة» على المهارات القيادية للمسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى، مثل إيرباص، وريشمونت وإتش إس بي سي، وهي مصممة لتحفيز ردود عاطفية حقيقية للأزمات التي قد تعصف بأي شركة.

ولأن قادة الشركات تعاملوا مع هجمة من التحديات، مثل الوباء والصدمات الاقتصادية والجيوسياسية وتعطل سلاسل التوريد، أصبحت تقنيات التدريب العملية والمكثفة أكثر شعبية.

وتدرك الشركات أن إدارة السمعة والقدرة على التعامل بفعالية مع الأزمات عاملان حاسمان، نظراً للتدقيق التنظيمي والمعايير الصارمة لسلوك الشركات، والشفافية، وسرعة انتشار الدعاية السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول جيتاز إن «إدارة الأزمات والتدريب على مهارات القيادة يتقاربان» حالياً، مضيفاً أن التعلم التجريبي، المتجذر في العلوم العصبية والاقتصاد السلوكي، أصبح ضرورياً في بيئة العمل اليوم، خاصة مع «عدم فعالية» الأساليب التقليدية في التدريس والتدريب. والهدف من هذا التدريب الواقعي هو تحقيق «اختراقات معرفية».

ويأمل جيتاز في إنهاء عصر التدريب من خلال عروض «باور بوينت»، التي تركز على النظريات الأكاديمية ومبادئ إدارة العمل بدلاً من السيناريوهات الحياة الواقعية.

والفكرة هي أن المواقف الواقعية والمواقف المليئة بالضغوط تساعد المديرين التنفيذيين على تطوير استراتيجيات عملية لحل المشكلات وتجعلهم صناع قرار أفضل في أوقات الضغط. ويقول: إن تعليم المشاركين بأساليب نشطة يؤدي إلى الاحتفاظ بالمعرفة بشكل أفضل. وتساعد التعليقات الفورية المديرين التنفيذيين على التعلم بسرعة أكبر وتعديل نهجهم وفقاً لذلك. كما يجعل التدريب في بيئات المحاكاة أكثر متعة من خلال محاكاة الأدوار والواقع الافتراضي.

ويضيف جيتاز قائلاً: إن «الأمر يتعلق بإدراك أن أفضل المواهب وأصحاب القدرات المميزة بحاجة إلى القدرة على مواجهة أي موقف، وهذا تحول كبير في نمط التفكير المتعلق بكيفية إعداد كبار المسؤولين التنفيذيين». وتابع «لقد كان هدفي أن يكتسب الناس الخبرة من آخرين اضطروا لمواجهة مواقف عالية المخاطر».

وتتطور أساليب التعلم الجديدة في وقت يواجه فيه ماجستير إدارة الأعمال التقليدي (إم بي إيه) انتقادات.

ولطالما كان ينظر إلى برامج الماجستير في إدارة الأعمال على أنها برامج شاملة تتناول الجوانب الأساسية للعمل، بما في ذلك الجوانب المالية، والتسويق، والمحاسبة، والاستراتيجية والسلوك التنظيمي. وتوفر هذه البرامج فرصا قوية للتواصل والتدريب والتي غالباً ما تؤدي إلى التوظيف.

ولكن الوتيرة السريعة للابتكار التكنولوجي واختلال نماذج التجارة التقليدية يجعلان بعض مناهج الماجستير في إدارة الأعمال قديمة حتى قبل دخول الطلاب إلى سوق العمل، حسبما أفاد المسؤولون التنفيذيون. إضافة إلى ذلك، فإن إجراءات القبول معقدة والدورات الدراسية مكلفة والبرامج تستغرق وقتاً طويلاً.

ويميل أصحاب العمل إلى اعتبار الخبرة العملية التي تتعلق مباشرة بوظيفة معينة أكثر قيمة من المعرفة النظرية. بالتالي، زادت شعبية الدورات التدريبية عبر الإنترنت والشهادات المختصة وبرامج التدريب المكثفة، لقدرتها على توفير تعليم أكثر تخصصاً ومرونة وبتكلفة أقل، التي غالباً ما يتحملها أصحاب العمل.

ويمكن أن تكون هذه البدائل مفيدة خاصة للمسؤولين التنفيذيين ممن هم في مراحل متقدمة من حياتهم المهنية، ويتعين عليهم اتخاذ قرارات شديدة الخطورة.

ويمكن للشركات التأكد من أن الدورات مصممة لتناسب احتياجاتها الخاصة، وتركز على المهارات اللازمة لمختلف مستويات القيادة.

ويقول ديفيد نوفاك، الذي شغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة «يام براندز»، في كتابه الجديد «كيف يتعلم القادة؟»، إنه «عندما نتعلم بالممارسة نكتشف رؤى تنبثق مما قمنا به». وأوضح لصحيفة فايننشال تايمز أن «أساليب التعليم في الفصول الدراسية لا تقدم الوعي الذاتي حول ما يعوق نمونا وانفتاحنا على الأفكار والخبرات، وهي أكبر عقبة يواجهها أي منا، خاصة عندما نواجه الكثير من المتغيرات».

كان بريت هود، العميل الخاص المتقاعد من مكتب التحقيقات الفيدرالي والخبير في الجرائم المالية، والذي يعمل الآن كمستشار قيادي، من بين المشاركين في ورشة «إنسايد ريسك». وأشار إلى أن «أفضل شيء في التعلم التجريبي هو أن الانغماس فيه غالباً ما يقودك إلى اتخاذ قرارات لم تكن تتوقعها..

وكان على إعادة النظر في موضوعيتي ومعاييري الأخلاقية بشكل مختلف تماماً، ورغم اعتقادي أني لن أخالف القانون بتاتاً أو سأتخذ دائماً القرار الصحيح، إلا أن هذه التجارب المنغمسة علمتني أن المواقف والضغوط وحتى الأشياء البسيطة، مثل الإعجاب، يمكن أن تغير عملية اتخاذ قراراتي بطرق واعية وغير واعية على حد سواء».

كما سلط بريت هود الضوء على الجوانب السلبية، ويقول إن «التصالح مع الذات المثالية والذات الفعلية قد يكون صادماً لبعض الناس، ويمكن لهذه المواقف أن تجردنا من الصور الذهنية الحمائية التي لدينا عن أنفسنا، وهو ما قد يكون مزعجاً للغاية».

ويشير أكاديميون من كلية إدارة الأعمال بجامعة سيدني وكلية جادج لإدارة الأعمال بجامعة كامبريدج إلى أن الضرر الأكبر الذي يلحق بسمعة الشركة غالباً ما ينبع من سلسلة أحداث، وليس حدثاً فردياً ظهر في سيناريو تدريبي على «لعبة حربية». ويستشهدون بشركة بوينغ، التي واجهت سلسلة من الانتكاسات في الإنتاج والسلامة بعد تحطم طائراتها من طراز 737 ماكس.

وبدأت بعض الشركات في تنفيذ التدريب التجريبي في عملياتها الداخلية. ففي قطاع الخدمات المالية بالمملكة المتحدة، يطلب بنك إنجلترا من مجالس الإدارة إجراء تدريبات «التأهب للحرائق» بانتظام.

ويوضح جو غارنر، الرئيس السابق لقسم التجزئة لدى بنك «إتش إس بي سي» في المملكة المتحدة ولدى «أوبن ريتش» ذراع البنية التحتية لمجموعة بريتيش تيليكوم، ويعمل الآن مدرباً للمسؤولين التنفيذيين، أن «الشركة المدارة بشكل جيد ستختبر بانتظام عمليات إدارة الحوادث من خلال محاكاة للأزمات مثل أعطال النظام وتلف البيانات والهجمات السيبرانية».

وقال إن أفضل عمليات المحاكاة تكون واقعية جداً، وتتضمن عدة جوانب، مثل المقابلات الوهمية مع الرئيس التنفيذي. ومن خلال خبرتي، يمكن أن تكون هذه التدريبات واقعية جداً، لقد تعلمت العديد من الأشياء عبر هذه التدريبات.

كلمات دالة:
  • FT
Email