يعتزم دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية المقبلة في حال فوزه بها، إجراء العديد من التغييرات في العديد من الملفات المهمة، لكن يبدو أكثرها جموحاً رغبته في تخفيض قيمة الدولار، وذلك بالرغم من تشكيك عدد من الخبراء في قدرته على تحقيق هدفه أو جدواه من الأساس.

واعتبر ترامب في تصريحات سابقة له أن الدولار القوي يشكل "عبئاً هائلاً" على الشركات الأميركية التي تحاول بيع سلعها في الخارج، مؤكداً أنه "قد يظن البعض أنني سأكون سعيدا بقوة دولارنا، لكنني لست كذلك!".

ودفع الجدل المثار حالياً حول خطة ترامب تخفيض قيمة الدولار إذا ما تم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، الكثيرين لمحاولة فهم ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك وماهية انعكاساته، ليس على معيشة المواطن الأمريكي فحسب، وإنما على مواطني الدول التي تربط عملتها بالدولار.

هل لخفض قيمة الدولار فوائد ملموسة؟

نظرياً، يؤدي خفض قيمة الدولار إلى خفض أسعار المنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية، مما يعزز الطلب على الصادرات وهو ما يساعد بدوره في تقليل العجز التجاري وتحفيز النمو الاقتصادي.

ووفقاً لمكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، ارتفع العجز التجاري في شهر مايو الماضي إلى 75.1 مليار دولار من 74.3 مليار دولار في أبريل، وذلك بسبب زيادة الواردات عن الصادرات، حيث ارتفع العجز السلعي إلى 100.2 مليار دولار، وهو الأكبر في عامين.

كما تجعل قيمة الدولار المنخفضة الشركات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة في السوق العالمية، حيث ترتفع جاذبية منتجاتها وخدماتها من حيث السعر مقارنة بالشركات الأجنبية.

ويؤدي خفض قيمة الدولار إلى جعل الولايات المتحدة وجهة سياحية أكثر جاذبية للسياح الأجانب، حيث تصبح تكلفة السفر والإقامة أرخص بالنسبة لهم، مما يؤدي إلى إيرادات قطاع السياحة.

وبالرغم من أن الولايات المتحدة تتصدر مؤشر تنمية السفر والسياحة 2024، فإنها تسعى بكل قوة للعودة إلى عوائد ما قبل جائحة كورونا، والتي تسببت في انهيار عوائد القطاع في 2020، قبل أن ينطلق في رحلة التعافي عام 2021، ويقترب حاليا من مستويات 2019.

وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية، فإن خفض قيمة الدولار قد يؤدي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة في الولايات المتحدة، حيث يمكن للمستثمرين الأجانب الحصول على مزيد من الأصول والأسهم بالقيمة ذاتها من عملاتهم المحلية.

ومع ذلك، فإن هناك الكثير من المخاطر المحتملة المرتبطة بخفض قيمة الدولار، إذ قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات، مما يساهم في زيادة التضخم، ومن ثم يزيد من الأعباء على المستهلكين ويقلل من قدرتهم الشرائية.

ومن المؤكد أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى انخفاض القوة الشرائية للأمريكيين في الخارج، مما يجعل السفر والشراء من الخارج أكثر تكلفة، وسيقلص من جاذبية السياحة الخارجية والإنفاق الخارجي بشكل عام من قبل الأمريكان (وإن كان هذا يبدو أحد أهداف ترامب من الخفض).

كما أن التلاعب بقيمة العملة، سواء بالخفض أو الرفع، عادة ما يكون له انعكاسات سلبية على ثقة المستثمرين الأجانب، وقد يدفعهم لتجنب الاحتفاظ بالدولار أو الاستثمار في الأصول والأسهم الأمريكية، حيث سيعني ذلك تراجع قيمة استثماراتهم مع كل خفض للدولار.

تجدر الإشارة إلى أن المحاولة الأخيرة لخفض قيمة الدولار كانت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان عام 1985، وذلك من خلال اتفاق بلازا بين حكومات القوة الاقتصادية العظمى وقتها فرنسا وألمانيا الغربية آنذاك واليابان والمملكة المتحدة، إضافة للولايات المتحدة، واستهدف خفض قيمة الدولار أمام عملات الدول الموقعة على الاتفاق.

لكن مع تغير موازين القوى الاقتصادية في 2024، تبدو خطة ترامب بشأن خفض قيمة الدولار أقرب لأن تكون مجرد فكرة جامحة نظرياً، صعبة التحقق على أرض الواقع.