شاشة تعرض حديث جيروم باول في بورصة نيويورك - أرشيفية

كيف يفكر «الاحتياطي الأمريكي» بعد رسالة الأسواق العاصفة؟

بعثت الأسواق برسالة «عاصفة» صبت فيها غضبها حيال تأخر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة، وسط مخاوف متصاعدة من سيناريو ركود الاقتصاد الأمريكي عززتها بيانات الوظائف «الضعيفة» عن شهر يوليو، ما حرك موجة بيع قوية طالت الأسواق العالمية، بدءاً من الأسواق الآسيوية ووصولاً إلى وول ستريت التي شهدت انخفاضات حادة، قبل أن ترتد الأسواق وتعوض جزءاً من خسائرها.

تدخل طارئ

عمليات البيع المكثفة تلك أدت إلى دعوات واسعة النطاق لتدخل الفيدرالي لخفض الفائدة بشكل طارئ، في خطوة نادراً ما يلجأ إليها البنك خارج الاجتماعات المجدولة سابقاً.

كما دفعت تلك الانهيارات بمزيدٍ من التساؤلات حول سياسة الفيدرالي في الاعتماد على البيانات كعامل أساسي موجهاً للسياسة النقدية، وعما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد ارتكب خطأ في الانتظار لأكثر من 28 شهراً منذ أول زيادة في أسعار الفائدة لتخفيف السياسة النقدية، مع حث البعض محافظي البنوك المركزية على اتخاذ تدابير جذرية في الأسابيع المقبلة.

وفي الأسبوع الماضي، أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة الرئيسي بين 5.25 و5.5 %، لكنه بعث بإشارات واضحة حول أن أي خفض لدورته التشديدية قد يأتي في وقت مبكر من سبتمبر.

وأمام سيل المخاوف والانتقادات الموجهة للفيدرالي، سعى مسؤولون بالفيدرالي إلى تهدئة الاضطرابات في السوق يوم الاثنين بعدما تسببت عمليات البيع العالمية في الأسهم في إثارة توقعات بأن البنك المركزي الأمريكي سوف يضطر إلى التدخل بشكل أكثر قوة لخفض أسعار الفائدة، من بينهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، أوستن جولسبي.

والذي كشف في تصريحات له عن أن البنك سيتحرك «لإصلاح» أي تدهور في الاقتصاد الأمريكي، مضيفاً «إن الاقتصاد لا يبدو في حالة ركود».

كذلك ذكرت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، خلال فعالية في هاواي، أن المسؤولين «سيفعلون ما يلزم» لتحقيق أهداف البنك المتعلقة باستقرار الأسعار والتوظيف، لكنها قالت:«نحن ننظر إلى مجمل المعلومات قبل أن نتصرف».

الحذر المدفوع بالبيانات

في تصريحات خاصة لـ «البيان»، يقول المؤسس وكبير الباحثين في The Problem Lab بجامعة واترلو الكندية، لاري سميث: «لا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ارتكب خطأً بعدم خفض أسعار الفائدة بالفعل؛ فقد خفت الضغوط التضخمية (ولكنها لم تتبخر بعد أو تصل إلى المستوى المستهدف عند 2 %)..

وهم يتوخون الحذر فيما يتصل بالتضخم، كما ينبغي لهم»، مشدداً على أن الفيدرالي يتحرك وفقاً للبيانات، وهذا هو نموذج أغلب محافظي البنوك المركزية في العالم (الحذر مدفوعاً بالبيانات الفعلية).

فيما يميل محللو أسواق الأسهم إلى انتقاد بنك الاحتياطي الفيدرالي في أي وقت يخسرون فيه أموالاً، وفق سميث، الذي يرى أن محافظي البنوك المركزية يستهدفون التضخم الاستهلاكي (أو معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي)، وليس أسعار الأصول، ولا يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي صراحة إلى أسعار الأصول.

يشير سميث إلى الاعتقاد السائد بأن الأمر يتطلب «رفع حالة الطوارئ» حتى يأخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي في الاعتبار أسعار الأصول، لكنه لا يعتقد أنه تم الوصول إلى هذه المرحلة بعد.

وبخصوص موجة البيع العاصفة التي شهدتها الأسواق يوم الاثنين وربطاً بموقف الفيدرالي والمخاوف المتزايدة جراء الركود الاقتصادي، يشير المؤسس وكبير الباحثين في The Problem Lab بجامعة واترلو الكندية، في معرض حديثه مع «البيان» إلى أنه كان من المتوقع أن تشهد سوق الأسهم تصحيحاً، بالنظر إلى أنها كانت مقيمة على أساس افتراضات قريبة من الكمال:

(عدم حدوث ركود اقتصادي، عدم وجود حروب تجارية، تضخم منخفض ومستقر، أرباح الشركات في ارتفاع، أرباح مضمونة من الذكاء الاصطناعي، وبيئة سياسية مستقرة في أمريكا والعالم).. وبالتالي: لقد حان الوقت أن يدرك سوق الأسهم الواقع.

تراجعات حادة

ويشار إلى أنه في يوم واحد، هبط مؤشر داو جونز بأكثر من ألف نقطة، كما سجل ستاندرد آند بورز 500 أسوأ أداء يومي في عامين.

كذلك عانت الأسواق الأوروبية من الضغوط البيعية وانخفض المؤشر الأوروبي «ستوكس 600» بنحو 2 % في أول جلسة بالأسبوع، سبقهم مؤشر نيكاي الياباني الذي سجل أسوأ يوم له منذ انهيار العام 1987.

كما انتقلت حمى البيع إلى أصول المخاطرة، وعلى رأسها العملات المشفرة بقيادة بتكوين التي هوت من مستوى الـ 62 ألف دولار يوم الجمعة إلى مستويات الـ 50 ألفاً خلال تعاملات الاثنين.

وجاء التراجع العالمي الحاد بعد صدور تقرير الوظائف الأضعف من المتوقع في الولايات المتحدة يوم الجمعة. فقد بلغ عدد الوظائف غير الزراعية 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، وهو ما يقل كثيراً عن الرقم المتوقع البالغ 185 ألف وظيفة، وأقل كثيراً من الرقم المسجل في الشهر السابق. كما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 %.

خطأ الفيدرالي!

على الجانب الآخر، فإن أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز الأمريكية، كينيث ن. كوتنر، يقول في تصريحات خاصة لـ«البيان»: بناءً على ما نعرفه الآن، فربما كان من الواجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع يوليو، وليس لأن الاقتصاد في حالة سيئة، بل إن الأساسيات لا تزال تبدو قوية إلى حد كبير.

«وفي كل الأحوال، فإن الاقتصاد ليس هشاً إلى الحد الذي كان سيجعل خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يوليو بدلاً من سبتمبر ليخلف تأثيراً كافياً على الإنفاق لتجنب الركود»، وفق كوتنر.

ويعتقد أن «خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب كان ليساعد في بناء الثقة وطمأنة المستثمرين بشأن أنه (الفيدرالي) سوف يتصرف بشكل استباقي»، مردفاً:

«وأنا أشك في أنهم سوف يفعلون ذلك (ويرجع هذا جزئياً إلى انتخابات نوفمبر)، ولكن لن تكون فكرة سيئة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر، ولو لمجرد إرسال رسالة مفادها أنه مستعد للتحرك بسرعة إذا ضعف الاقتصاد.

وبحسب خبراء الاقتصاد في غولدمان ساكس: «نتوقع الآن تخفيضات أسرع لأن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية يبدو مرتفعاً بشكل غير مناسب بشكل أكثر وضوحاً»، مما رفع احتمالات الركود القادم إلى 25 %.

ويشار في هذه الأثناء، إلى البيانات الأولية للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي التي عكست نمواً اقتصادياً بنسبة 2.8 % في الربع الثاني، وفقاً للأرقام الصادرة الشهر الماضي.

الخفض العاجل

وفي حديثه مع «البيان»، يقول الباحث البارز في قسم التمويل في جامعة فلوريدا، الرئيس السابق لجمعية الإدارة المالية، جاي آر.ريتر، إن ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة أدى إلى زيادة احتمالات قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة «عاجلاً وليس آجلاً».

كما أن الانخفاض العالمي في أسواق الأسهم يوم الاثنين (في أول جلسة هذا الأسبوع بعد بيانات الوظائف الأمريكية) يزيد من احتمالات ذلك، بحسب ريتر، الذي يشدد على أنه «يجب أن نتذكر أن أسواق الأسهم العالمية لا تزال مرتفعة خلال العام عموماً».

ويضيف: لقد أدى ارتفاع قيمة الأسهم الأمريكية بنسبة 20 % في الأشهر الستة الأولى من هذا العام إلى تثبيط بنك الاحتياطي الفيدرالي عن خفض أسعار الفائدة، بسبب القلق من أن يؤدي خفض الأسعار إلى تضخم فقاعة أسعار الأصول.

وقد أدى انخفاض سوق الأسهم الأمريكية الشهر الماضي إلى تقليل هذا السبب لتأجيل خفض أسعار الفائدة. والأمر المهم هو أن معدل التضخم في الولايات المتحدة انخفض، مما يسمح لبنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة الاسمية.

ما حدود تأثير سوق الأسهم على الفيدرالي؟

وفي سياق متصل بردة فعل الأسواق وتسعيرها للمخاطر القائمة ومدى تأثيرها في تفكير الفيدرالي وقراراته، يقول رئيس قسم التمويل في مؤسسة غاري دي. كوهن في كلية كوغود لإدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية ،جيفري هاريس، في تصريحات خاصة لـ«البيان»، إن المستثمرين ينبغي عليهم استخدام الأسواق المالية للاستثمار على المدى الطويل، بحيث لا تؤثر التقلبات قصيرة الأجل بشكل كبير.

ويضيف هاريس، الذي شغل سابقاً منصب كبير الاقتصاديين ومدير قسم التحليل الاقتصادي وإدارة المخاطر في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية: «لن أقول إن الاحتياطي الفيدرالي قد ارتكب خطأ بتأجيل خفض أسعار الفائدة.. هم ليسوا في مجال تسهيل مكاسب سوق الأسهم (ولا ينبغي أن يكونوا كذلك)، بل يركزون على الظروف الاقتصادية العامة التي يمكنهم قياسها - مثل التضخم والبطالة».

ويشدد على أن الظروف الاقتصادية العامة ترتبط أيضاً بسوق الأسهم، لذا فإن إجراءات الاحتياطي الفيدرالي قد تؤثر هناك، لكن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى الحذر من استخدام سوق الأسهم كمدخل في قراراتهم. كما تمت الإشارة، يمكن أن تتفاوت أسواق الأسهم بشكل كبير من يوم لآخر وغالباً ما تكون هذه التقلبات ضوضاء عامة، وليست مرتبطة بالأساسيات الاقتصادية.

ويختتم تصريحاته لـ «البيان» بقوله: آمل أن يتجاهل الاحتياطي الفيدرالي إلى حد كبير تقلبات هذا الأسبوع ويركز على الاقتصاد بشكل عام. لا ينبغي عليهم النظر إلى الضوضاء في الأسهم وربما تفسيرها بشكل خاطئ كإشارة حقيقية.

لاري سميث:

* الفيدرالي يتحرك وفقاً للبيانات

* هناك توقعات سابقة بموجة تصحيح في سوق الأسهم

كينيث ن. كوتنر:

* الأساسيات لا تزال تبدو قوية إلى حد كبير

* خفض 50 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر

جاي آر.ريتر:

* أسواق الأسهم العالمية لا تزال مرتفعة خلال العام عموماً

* تضخم فقاعة أسعار الأصول أحد أسباب تأجيل الخفض

جيفري هاريس:

* التركيز على الظروف الاقتصادية مثل التضخم والبطالة

* ينبغي على المستثمرين استخدام الأسواق المالية للاستثمار على المدى الطويل

 

الأكثر مشاركة