الوصول إلى الخزان الجوفي المريخي يشكل تحدياً خارقاً إذ يعتقد وقوعه على عمق يتراوح بين 12 و20 كيلومتراً تحت سطح الكوكب. وضعت قطعة أخرى من لغز المريخ في مكانها الصحيح، فمنذ فترة طويلة كان ينظر إلى الأخاديد والقنوات التي تزين سطح الكوكب الأحمر على أنها هدايا تذكارية من ماضٍ مائي قديم. أما الآن فهناك دليل على أن الكوكب الجار، المعروف بوجود جليد في قطبيه، يحوي ماء تحت سطحه.

وكشف باحثون بالولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي أنهم شاهدوا إشارات زلزالية تشير إلى وجود خزان مياه جوفية يقع عميقاً تحت القشرة الأرضية للكوكب. ومن حيث الحجم، فهو ليس مجرد بركة، وإنما حوض لا نهائي يكفي لتغطية كامل سطح الكوكب بمحيط لا يقل عمقه عن كيلومتر واحد.

وبالنظر إلى أن المياه السائلة شرط أساسي لوجود الحياة كما نعرفها، فالخزان الجوفي، الذي ربما يقع على عمق يصل إلى 20 كيلومتراً تحت سطح الكوكب، سيكون وجهة واضحة للبحث عن حياة. وستعطي هذه الاكتشافات الجديدة زخماً جديداً للمهمات المأهولة إلى المريخ، الأمر الذي تأمل «ناسا» في تحقيقه بحلول العقد المقبل.

إن هذا الاحتمال يتضمن جانبين متضادين؛ إذ يقع علينا واجب أخلاقي بالبحث عما إذا كانت هناك حياة في الجوار، لكن اكتشافها سيجلب أيضاً التزاماً بحمايتها من أسوأ غرائز القرصنة لدى الجنس البشري.وجمعت مركبة «إنسايت» التابعة لوكالة «ناسا» البيانات، التي هبطت على سطح المريخ في 2018.

وعلى مدار الأعوام الأربعة التالية، سجل مقياس الزلازل في المركبة اهتزازات الكوكب والاهتزازات الداخلية، التي أطلق عليها اسم «الزلازل المريخية»، كما التقط أيضاً إشارات ارتطام النيازك به.وحلل فريق بقيادة فاشان رايت، في معهد «سكريبس» لعلوم المحيطات في سان دييغو، الإشارات بواسطة نوع من النماذج الرياضية المستخدمة في رسم خرائط الخزانات الجوفية والحقول النفطية.

وتحتوي الورقة البحثية الوجيزة، المنشورة يوم الاثنين في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، على استنتاج مذهل، مفاده أن «وجود قشرة وسطى تتخللها صخور نارية متشققة ومتشبعة بالماء السائل هو أفضل تفسير للبيانات المتاحة».

ويرى إيان كرافورد، عالم الكواكب في كلية بيركبيك بجامعة لندن، الذي لم يشارك في البحث، أن تأكيد وجود خزان جوفي للمياه تحت سطح الكوكب سيتطلب على الأرجح إرسال مهمة جديدة مجهزة بأدوات جيوفيزيائية خاصة.ولطالما كانت مسألة وجود الماء في المريخ لغزاً، بالنظر لوفرة أدلة طبيعية منحوتة على صفحة الكوكب، فهناك جليد في القطبين وآثار لبخار الماء في الغلاف الجوي.

لكن هذا لا يعد كافياً للدلالة على ما كان يتدفق سابقاً. وتذهب نظرية إلى اختفاء الماء السائل عندما فقد المريخ غلافه الجوي قبل 3 مليارات عام.وتشير الاكتشافات الأخيرة إلى تسرب بعض الماء إلى قشرة المريخ، وليس من المستبعد تخيل وجود مملكة مائية تحت سطحه مليئة بالتصدعات والتجاويف وتستضيف شكلاً من أشكال الحياة المكروبية شبيهة بالكائنات المحبة للظروف القاسية على الأرض.

وتزدهر أشكال هذه الكائنات الحية شديدة التحمل في أماكن غير متوقعة على الأرض، من أكثر الصحاري جفافاً إلى فوهات البراكين تحت سطح البحر، وهي مناطق شديدة الحموضة والحرارة وذات ضغط مرتفع.وقال مايكل مانغا، أحد أعضاء الفريق الذي قام بكتابة الورقة البحثية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: «لا أرى سبباً، لمَ لا يعتبر الخزان الجوفي بيئة صالحة للحياة؟!

فالمناجم شديدة العمق داخل الأرض تحوي حياة، وتوجد حياة أيضاً في أعمق أعماق المحيط. لم نجد أي دليل على الحياة على المريخ، لكننا على الأقل حددنا مكاناً قد يكون قادراً على الحفاظ على استدامة الحياة من حيث المبدأ».

وبرهن كيميائيون في جامعة تافتس بولاية ماساتشوستس من قبل على أن البكتيريا، ومن بينها الإي كولاي، يمكن أن تنمو في تربة المريخ، في حالة وجود مياه.لكن الوصول إلى الخزان الجوفي المريخي يشكل تحدياً خارقاً للعادة، إذ يعتقد وقوعه على عمق يتراوح بين 12 و20 كيلومتراً تحت سطح الكوكب.

وهذا يحول البحث عن حياة خارج كوكب الأرض إلى معضلة هندسية؛ لأن روسيا والصين قوتان فضائيتان ذواتا نزعة للتفاخر بالقدرات الفنية، ولهما اليد العليا في هذا الصدد.

فقد حفرت روسيا بالفعل حفرة عمودية لأكثر من 12 كيلومتراً داخل الأرض، ما أدى لإنشاء بئر كولا العميقة شمالي غرب البلاد. وتعمل الصين حالياً على حفر بئر بطول 11 كيلومتراً في حوض تاريم في شينجيانغ. وتُدعى البئر «شينديتاكي 1»، ومن المقرر استخدامها للتنقيب عن النفط والغاز ودراسة تطور الأرض.

من المؤكد أن إيلون ماسك سيود لو يحفر في كوكب المريخ. ستكون احتمالية وجود مصدر للماء مشجعة لأمثاله من الطائشين من عمالقة التكنولوجيا الذين يحلمون باستيطان الكوكب الأحمر والسيطرة عليه دون قيد، لكن قواعد اللعبة تغيرت، بالنظر إلى ازدياد احتمالات وجود حياة على المريخ، حتى وإن كانت بدائية.

ويتطلب ذلك روحاً للاستكشاف وليس الاستغلال، ويعني هذا مواصلة البحث عن حياة خارج كوكبنا على أن تكون خطانا حذرة كلما مضينا قدماً.

كاتبة بريطانية متخصصة في الشؤون العلمية