قناة بنما.. الجفاف يجبر سفن الغاز والحبوب على تغيير مسارها

تواجه قناة بنما صعوبة في استقطاب تجار الغاز المسال والسلع الغذائية مثل الحبوب، للعودة إلى الممر التجاري مرة أخرى، بعد أن أجبرهم جفاف تاريخي العام الماضي على البحث عن بدائل.واضطرت القناة التي يبلغ عمرها 110 أعوام، التي مرت عبرها ولعقود طويلة بضائع تتراوح من الغاز المسال الأمريكي إلى محاصيل أمريكا اللاتينية إلى بقية العالم، إلى وضع حد أقصى للعبور في يوليو الماضي بسبب نقص الأمطار اللازمة.

وتأمل القناة أن تعود إلى مستوى قريب من طاقتها الاستيعابية في سبتمبر المقبل، بعد أشهر من هطول الأمطار الغزيرة.وخلال الشهر الفائت، شهدت القناة مرور 13 سفينة فقط لنقل الغاز المسال، أي أقل من نصف عدد السفن في يوليو 2022، وفقاً لمجموعة تحليل النقل البحري «مارين ترافيك»، كما انخفض عبور سفن البضائع الجافة بنسبة 35 % لتصل إلى 129 خلال المدة نفسها.

وقد تجاهل المسؤولون في بنما الآثار المترتبة، مؤكدين أن أنواعاً أخرى من السفن، مثل سفن الحاويات، واصلت استخدام الممر المائي كالمعتاد، وزادت إيرادات القناة بفضل العطاءات المكثفة على عدد محدود من عمليات العبور.

لكن هذه التطورات تسلط الضوء على كيف أن الاضطرابات المتزايدة في سلاسل التوريد، وخاصة المرتبطة بتغير المناخ، تهدد بإعادة تشكيل التجارة العالمية وزيادة تكاليفها.ويأتي ذلك وسط حالة من عدم اليقين حيال مستقبل القناة، وهي مصدر مهم للدخل للدولة الواقعة في أمريكا الوسطى وتتعامل مع نحو 5 % من التجارة البحرية العالمية، ويسعى المسؤولون جاهدين للتغلب على انخفاض هطول الأمطار والمطالب المحلية لحماية إمدادات مياه الشرب.

وتم إرجاع الجفاف في الصيف الماضي إلى ظاهرة النينيو المناخية، لكن يتوقع أن تواصل درجات الحرارة المرتفعة تأثيرها على إمدادات المياه.وقال رور أدلاند، رئيس قسم الأبحاث لدى شركة سمسرة النقل البحري «إس إس واي»، إن القناة باتت «خياراً أقل جاذبية من ذي قبل» للسلع ذات القيمة المنخفضة، رغم أنها كافحت لتقديم المزايا نفسها من حيث التكلفة والوقت كما كان الحال في السابق.

وأضاف «منذ الجفاف، أجبرت القناة جميع العملاء على الحجز المسبق للعبور، ما أدى إلى تحمل الشركات تكاليف إضافية والافتقار إلى المرونة مقارنة بالماضي عندما كان بإمكانك ببساطة الوصول والانتظار في الطابور».

وتابع «قد يعني هذا انخفاضاً في عمليات عبور البضائع منخفضة القيمة وغير الحساسة للوقت والتي تنقلها عادة سفن البضائع الجافة». وفي ذروتها، سمحت القناة بعبور ما يزيد على 36 سفينة يومياً، لكن قلة هطول الأمطار فرضت قيوداً أدت إلى تقليص العدد إلى 20 في يناير الماضي.

وأفادت القناة خلال شهر نوفمبر الماضي أن تكاليف العبور ارتفعت، حيث دفعت إحدى شركات الشحن اليابانية نحو 4 ملايين دولار لتجاوز طابور الانتظار، بالتالي، ورغم الجفاف، نمت إيرادات القناة بنسبة 15 % للعام المنتهي في سبتمبر 2023، مع توقع نمو الإيرادات بنسبة 3 % للسنة المالية المقبلة.

وقال ريكاردو فاسكيز، مدير هيئة قناة بنما، إنه رغم عدم قدرة المسؤولين على التحكم في هطول الأمطار، إلا أن القناة تصب تركيزها على الموثوقية وتخطط الهيئة لمراجعة الأسعار الشهر المقبل. وأوضح أن «الاستمرار في رفع الأسعار إلى أجل غير مسمى لن يؤدي إلى إحراز أي تقدم، ونحن حريصون للغاية على بقاء قناة بنما نقطة عبور مهمة للعالم بأسره».

وصرّح فاسكيز مؤخراً بأن القناة سمحت بالحجز المسبق المبكر، لمساعدة عملاء الغاز المسال الذي يستخدمون عادة السفن الأكبر حجماً من نوع «نيوباناماكس» وأضاف «لديهم أوقات وجداول دقيقة، وقد عالجنا ذلك عبر عملية الحجز برمتها».

وقال فاسكيز إن أنماط شحن الغاز المسال قد تغيرت أيضاً بغض النظر عن الجفاف، حيث تم توجيه حصة أكبر من الغاز المسال الأمريكي إلى المستوردين الأوروبيين الذين يسعون لاستبدال إمدادات الغاز الروسي، بدلاً من التوجه إلى آسيا عبر القناة.وأشار سماسرة النقل البحري، وهم حلقة وصل بين التجار وأصحاب السفن، إلى أن السفن ستعود تدريجياً إلى القناة في ظل تكيف سلاسل التوريد مع ارتفاع مستويات المياه.

رغم ذلك، لاحظوا أن تجار الغاز المسال اعتادوا بشكل أكبر على استخدام الطريق الذي يلتف حول أفريقيا بين الساحل الشرقي للولايات المتحدة وآسيا، وهو أطول بكثير، فرغم طول المسافة إلا أنه بات مؤخراً أكثر موثوقية من القناة.

وقال جيريمي كاتز، وسيط للغاز المسال لدى شركة سمسرة النقل البحري برايمر، «لقد قررت الشركات أنه من الأفضل لهم أن يأخذوا في الاعتبار الرحلة الطويلة وتجنب القناة إذا كانوا يستطيعون تحمل التكاليف». وأضاف أن أحد العملاء اضطر مؤخراً للبحث عن طريق بديل بعد فشله في حجز فترة النقل المطلوبة.

وقد تنشأ مشاكل أكبر في المستقبل، فتغير المناخ يزيد احتمالات تفاقم حالات الجفاف، مع توقع نمو الطلب العالمي على السلع الاستهلاكية والحاجة إلى الشحن.وفي الوقت نفسه، من المقرر دخول المزيد من مشاريع الغاز المسال حيز التنفيذ في الولايات المتحدة، مدفوعة بالطلب من البلدان النامية في آسيا وكذلك أوروبا. ما قد يساهم في فرض طلبات على القناة تتعذر إدارتها.

وقال أليكس فرولي، محلل سوق الغاز المسال لدى شركة الاستشارات آي سي آي إس، «ستظل قناة بنما ممراً مهماً، لكن من المرجح أن تواصل العديد من السفن في استخدام طرق بديلة».وقال: «يمكن أن يزداد الوضع سوءاً بطريقة ما.. لدينا الكثير من السفن والحمولات الضخمة القادمة، وقد ينذر ذلك بوقوع كارثة».

ووفقاً لوزير شؤون القناة خوسيه رامون إيكازا، تعمل الحكومة الجديدة في بنما، التي تولت السلطة منذ يوليو، على إيجاد حل طويل الأمد لأزمة المياه.وصرح مسؤولون أن خزان ريو إنديو الجديد سيوفر ما يكفي من المياه للقناة والمستهلكين خلال السنوات الخمسين المقبلة، لكن إقناع السكان المحليين بالموافقة على المشروع الضخم في خضم الاضطرابات السياسية المحلية سيكون مهمة صعبة.

وذكر إيكازا أنه من المرجح أن تتعرض القناة لمزيد من الجفاف خلال مرحلة البناء التي تستغرق من 5 إلى 6 سنوات. وأكد أن «جميع دول العالم تعاني من تغير المناخ، لكن الأهم هو توجيه رسالة لعملائنا في كل مكان مفادها أننا نعمل على إيجاد حل».