إقبال كبير من المتسوقين على شراء الأجهزة المنزلية خلال «الجمعة السوداء» | أرشيفية

«الجمعة السوداء».. من أزمة اقتصادية إلى ظاهرة عالمية للبيع بالتجزئة

تعد «الجمعة السوداء»، أو ما نطلق عليها في منطقتنا «الجمعة البيضاء»، حدثاً بارزاً في عالم البيع بالتجزئة، حيث يحتفل بها سنوياً في الولايات المتحدة، وتكون في نوفمبر في غالبية دول العالم.

ويمثل هذا اليوم انطلاقة موسم التسوق الاحتفالي، ويشتهر بعروضه الترويجية الضخمة التي تجذب أعداداً كبيرة من المتسوقين، سواء في المتاجر الفعلية أو عبر المنصات الإلكترونية، ما يجعله أكثر أيام العام ازدحاماً من حيث الحركة الشرائية. وتسبق «الجمعة السوداء» أشهر من التخطيط الدقيق لدى تجار التجزئة، حيث يسعون لتجهيز مخزونهم وحملاتهم التسويقية وعملياتهم اللوجستية لاستيعاب الطلب المتزايد. ومع تطور سلوك المستهلك وتحول مشهد التسوق نحو الرقمية، بات التركيز منصباً على المبيعات عبر الإنترنت بجانب التسوق التقليدي.

وأصبحت التجارة الإلكترونية ركيزة أساسية في فعاليات «الجمعة السوداء»، حيث يفضل العديد من المتسوقين راحة التسوق عبر الإنترنت وتجنب الزحام في المتاجر التقليدية.

وتتبع جذور مصطلح «الجمعة السوداء» إلى واحدة من أبرز الأزمات المالية التي شهدتها الولايات المتحدة في عام 1869. ففي الرابع والعشرين من سبتمبر من ذلك العام، وفي قلب صرح المال والأعمال، وول ستريت، نسج اثنان من كبار المضاربين، جاي جولد وجيمس فيسك، مؤامرة طموحة ستخلد في ذاكرة التاريخ.

فقد تمثلت خطتهما الجريئة في السيطرة على سوق الذهب في بورصة نيويورك من خلال شراء كميات هائلة منه، ومن ثم التلاعب بأسعاره لترتفع بشكل جنوني، متوهمين تحقيق أرباح طائلة. إلا أن طموحاتهما البعيدة ذهبت أدراج الرياح في يوم جمعة مشؤوم، عندما تدخلت الحكومة الفيدرالية وأفشلت مخططهما، مما أدى إلى انهيار مفاجئ للسوق وإفلاس العديد من المستثمرين الأثرياء. ومنذ ذلك الحين، ارتبط مصطلح «الجمعة السوداء» ارتباطاً وثيقاً بالكوارث المالية، ليصبح رمزاً للانهيارات الاقتصادية المدوية.

وفي الحقيقة، لم يكتسب مصطلح «الجمعة السوداء» دلالته التسويقية الحالية إلا في منتصف القرن العشرين، وذلك بفضل تضافر جهود قوات شرطة فيلادلفيا وتجار التجزئة في المدينة. فمن جهة، استخدمت الشرطة المصطلح لوصف الفوضى التي كانت تنتشر في المدينة عقب عيد الشكر، وذلك بسبب تدفق الزوار من الضواحي لحضور مباراة كرة القدم السنوية.

ومن جهة أخرى، استغل تجار التجزئة هذه الفوضى واعتبروا اليوم التالي لعيد الشكر يومًا حافلاً بالتسوق، فاستخدموا نفس المصطلح للإشارة إلى الزحام الشديد والطلب المتزايد على البضائع.

ورغم أن التجار حاولوا في البداية تغيير الاسم إلى «الجمعة الكبيرة» لتجنب الدلالات السلبية المرتبطة باللون الأسود، إلا أن مصطلح «الجمعة السوداء» كان قد ترسخ بالفعل في أذهان الناس. لذلك، قرر التجار تحويل هذه الدلالة السلبية إلى إيجابية، فربطوا المصطلح بمفهوم الربح المالي، وهو ما يعكس الزيادة الهائلة في المبيعات خلال هذا اليوم.

ومع مرور الوقت، تحولت «الجمعة السوداء»، التي كانت يوماً واحداً من التخفيضات المجنونة، إلى ظاهرة عالمية تستمر لعدة أيام. ولم تعد مجرد حدث تجاري عابر، بل أصبحت موسماً تسويقياً حافلاً بالصفقات والعروض التي تمتد لأسابيع، ويعكس هذا التحول تطوراً ملحوظاً في سلوك المستهلك وعادات الشراء.

سلوك المستهلك

وتعد «الجمعة السوداء» منصة فريدة تكشف عن أحدث صيحات الاستهلاك وتسليط الضوء على المنتجات الأكثر طلباً. ففي هذا اليوم، تشهد الإلكترونيات، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، إقبالاً كبيراً من قبل المتسوقين. كما تزداد شعبية الأجهزة المنزلية والملابس ومنتجات التجميل والألعاب وأجهزة الألعاب، مما يجعلها خيارات مثالية للمستهلكين.

 

الأكثر مشاركة