شبّه جان بابتيست كولبير، وزير مالية لويس الرابع عشر، الضرائب ذات يوم بنتف ريش الأوزة، بهدف الحصول على أكبر قدر من الريش بأقل قدر من الضجيج.وبعد أربعة قرون لا يزال هذا التشبيه مناسباً، فالحكومات في الدول المتقدمة تبحث عن الريش لنتفه، بعد أن تسبب الوباء في تضخم الدين العام، وأصبحت مدفوعات الفوائد تلتهم خطط الإنفاق، في حين يتزايد الطلب على الخدمات العامة، ولن يكون النمو الاقتصادي وحده كافياً لتوفير الإيرادات الضريبية الإضافية، التي تحتاج إليها الحكومات.

لقد كان الأثرياء والمتهربون من الضرائب والشركات متعددة الجنسيات أهدافاً رئيسية لعملية «نتف الريش». وفي أوائل أغسطس ضاعفت إيطاليا ضريبتها على الدخل الأجنبي للمغتربين فاحشي الثراء، وتسعى وزيرة الخزانة البريطانية، راشيل ريفز إلو، إلى جمع الأموال جزئياً من خلال إلغاء نظام «غير المقيمين» الضريبي في البلاد، وزيادة الضرائب على قطاع الأسهم الخاصة، والحد من التهرب الضريبي. كما أصبحت فكرة فرض الضرائب على الثروات تحظى بترحيب من السياسيين في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.

إن التركيز على الأثرياء وكبرى الشركات له جاذبية سياسية واضحة، ولكن في سوق عالمية حرة مع استقطاب أماكن عالمية أخرى للأثرياء الأجانب بمعدلات ضريبية منخفضة، على سبيل المثال، فإن الخطر يكمن في أن صيحات الألم من نتف الريش قد تدفع إلى هجرة جماعية.

ووفقاً لبنك يو بي إس من المتوقع أن تفقد بريطانيا أكبر عدد من أصحاب الملايين من أي دولة أخرى بحلول عام 2028، لذا يجب معايرة الضرائب المفروضة على الأثرياء والشركات الكبرى، وإلا قد تنكمش القاعدة الضريبية مع ارتفاع معدلات الضرائب.

رغم ذلك أمام القادة الذين يعانون نقص السيولة طرقاً أخرى لاستكشافها، ولسد «الفجوة الضريبية» فإن الفرق بين الضريبة المستحقة للحكومة والمحصلة فعلياً هو مكان جيد يمكن البدء منه، فقد قدرت هذه الفجوة في بريطانيا بنحو 39.8 مليار جنيه استرليني للسنة المالية 2022-2023.

بعبارة أخرى كان هناك عجز في خزانة المملكة المتحدة بنحو 5% من الضرائب المستحقة، وقدرت مصلحة الضرائب الأسترالية الفجوة بنسبة 7 % للسنة المالية 2020-2021، في حين بلغت الفجوة في إيطاليا قرابة 11 %، أو 14.6 مليار يورو من عائدات ضريبة القيمة المضافة في عام 2021.

ويتحمل المتهربون من الضرائب جزءاً من اللوم. وفي حين أن الحكومات تضيق الخناق على المتهربين من الضرائب فإن استئصال قضايا التهرب المعقد عبر الولايات القضائية الدولية ليس أمراً سهلاً، وهذا يعني أن القبض على المتهربين ليس مصدراً موثوقاً لتعزيز الإيرادات، إلا أن هناك أجزاء أخرى في «الفجوة الضريبية» يمكن للحكومات استردادها بسهولة.

ففي المملكة المتحدة يرجع 25 % فقط من «الفجوة الضريبية» إلى سلوك غير قانوني، في حين أن 45 % ينجم عن أخطاء في تقديم وحساب الإقرارات الضريبية. وفي الولايات المتحدة شكلت حالات عدم الإبلاغ وحدها 542 مليار دولار، أي قرابة 80% من الضريبة غير المحصلة للسنة المالية 2021.

الأسباب وراء الإهمال في إدارة الضرائب عديدة، وتختلف من بلد إلى آخر، لكن هناك خطوات بسيطة يمكن للجميع اتخاذها. أولاً، تحتاج إدارات تحصيل الضرائب والامتثال إلى توظيف واستثمار كافيين، فخلال عامي 2022-2023 أمضى المتصلون بخطوط المساعدة التابعة لهيئة الإيرادات والجمارك البريطانية ما يقرب من 7 ملايين ساعة في الانتظار على الهاتف.

فتعزيز الموارد المخصصة للخدمات الضريبية سيزيد الدعم المقدم للراغبين في دفع الضرائب، ويساعد في القبض على المتهربين، كما قد يسهم الذكاء الاصطناعي في تحديد حالات عدم الامتثال، وتوفير الدعم المخصص لدافعي الضرائب.

ثانياً، يعد تبسيط النظام الضريبي أمراً حاسماً، فمع مرور الوقت بدأت القواعد الضريبية تتراكم الواحدة تلو الأخرى، ما أضاف مزيداً من التعقيدات. ومن خلال التوجيهات الأكثر وضوحاً، وتبسيط العديد من الأعباء والحدود القصوى والإعفاءات، وتحسين عمليات تقديم الإقرارات الرقمية، يمكن إحداث فارق.

الحد من تعقيدات النظام الضريبي وسيلة فعالة لزيادة الإيرادات، كما أنه أقل عرضة لإثارة الجدل مقارنة بتعديل معدلات الضرائب، ويمكن أن يوفر مقدار الوقت، الذي تقضيه الأسر والشركات في الامتثال. وربما لا تزال هناك حاجة إلى نتف الريش، إلا أن الحكومات قادرة على استرداد إيرادات هائلة، وتعزيز الإنتاجية، فور تحسين إدارات الضرائب، وجعل تأثير الضرائب أخف وطأة.