هل يمكن للولايات المتحدة أن تطلق خطة مارشال خضراء؟

إذا كان هناك حكومة ما تخطط لإطلاق مبادرة دولية كبرى تجمع بين التقدم الاقتصادي والمصالح الاستراتيجية، مع التأكيد على الجانب الأخلاقي فلدي فكرة: لم لا تطلق خطة مارشال؟

إنها المبادرة الأمريكية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والتي حملت اسم جورج مارشال وزير خارجية الرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان. وقامت تلك الخطة على إنفاق حوالي 5 % من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لتعزيز اقتصادات أوروبا الغربية في مواجهة التهديد السوفييتي. وتبدو التحديات المزدوجة التي تواجهها الولايات المتحدة، ممثلة في التغير المناخي والنفوذ الجيوسياسي الصيني، مكافئة تقريباً من حيث طبيعتها.

وقد جاء أحدث عرض في هذا السياق من بريان ديس، المدير السابق للمجلس الاقتصادي الوطني في إدارة بايدن، والذي اقترح خطة شاملة تشمل نقل التكنولوجيا والتمويل والتجارة إلى العالم النامي. الفكرة صائبة، لكن خلافاً لخطة ترومان الأصلية، تفتقر الولايات المتحدة في وقتنا الحاضر إلى قدرات في عدة نواحٍ مهمة تساعدها على تحقيق هذا الطموح.

ووفق اعتراف ديس ذاته، فإن استدعاء الخطة الأصلية يمكن أن يكون سهلاً. ويعد أفضل من استخدم هذا التكتيك، أو لنقل مارشال هذه الحملة، هو غوردون براون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي دعا إلى خمس خطط مارشال على الأقل على مدى 15 عاماً، وهي، على الترتيب، خطة للدعم بصفة عامة في 2001، وخطة لدعم أفريقيا في 2005، وخطة لمكافحة التغير المناخي في 2007، ثم واحدة أخرى لتوسيع اللوائح التنظيمية المالية العالمية في 2010، وربما مد الخط على استقامته ودعا إلى خطة لمساعدة اللاجئين السوريين في 2016.

إن مقدار الدعم المقدم بموجب خطة مارشال، التي انطلقت شرارتها في 1948، لم يكن حاسماً في حد ذاته. لكن الخطة كانت راسخة في عقيدة المساعدة العسكرية والاستراتيجية في الحرب الباردة الناشئة حينها، وقد تضمنت تقديم تكامل مالي وتكنولوجي، والأكثر أهمية، تجاري.

وكانت الولايات المتحدة راعية بالفعل في عام 1944 لتكوين نظام «بريتون وودز» للحوكمة المالية العالمية، والذي شمل تشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وواصل دعم تنمية أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن عالم اليوم مختلف، فالولايات المتحدة ليست لها اليد العليا سواء في التكنولوجيا الخضراء أو تمويل التنمية، خلافاً للصين. علاوة على ذلك، فإن البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ليست مضطرة إلى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين كما فعلت الدول الأوروبية، بشكل أو بآخر، إبان الحرب الباردة.

إن الولايات المتحدة لم تقطع سوى خطوات متأخرة في تطوير التكنولوجيات الخضراء. وفي بعض من المنتجات الضرورية، مثل الألواح الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية حالياً، فإن التكنولوجيا التي تمتلكها تتسم بكونها أعلى تكلفة وكثيراً ما تكون أقل كفاءة من نظيرتها الصينية، ويعود ذلك لأسباب ترتبط جزئياً بالإعانات الصينية الضخمة.

وقد أظهرت كندا مؤخراً أن ثمن الانضمام إلى المعسكر الأمريكي أعلى بكثير مما كان عليه بالنسبة لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فرضوخاً لضغوط دبلوماسية من جانب واشنطن، أعلنت أوتاوا في الأسبوع الماضي تقليد الولايات المتحدة في فرضها تعريفات جمركية بنسبة 100 % على المركبات الكهربائية و25 % على الصلب.

إن كندا لا تحتاج بكل وضوح إلى تمويل إنمائي رسمي من الولايات المتحدة. وفي حين أنها عضوة بحلف الناتو، لكنها لا تواجه تهديداً وشيكاً. و

تتمثل المكافأة الاقتصادية التي ستعود على مستهلكيها بفضل تجنّب المركبات الكهربائية الصينية الرخيصة والفعالة في الأساس في أنها ستواصل المشاركة في شبكة إنتاج المركبات الكهربائية في أمريكا الشمالية غير المتطورة التي تنتج في الوقت الحالي سيارات مكلّفة نسبياً وغير مثيرة للإعجاب بالمرة. ومن المُحتمل أيضاً أن الحفاظ على الاتفاق التجاري الذي يربط الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، الذي حل محل «نافتا»، له دور في ذلك.

ويمكن للولايات المتحدة ادعاء ريادتها العالمية في أشكال أخرى من التكنولوجيا، مثل الطاقة الحرارية الجوفية. لكن ما زال يمكن للحكومات الأخرى أن تختار.

وقد أصاب ديس في إشارته إلى فرض مجموعة من الدول، البرازيل وتايلاند وتركيا، تعريفات جمركية على البضائع الصينية على مدى العام الماضي، وانتهى إلى أن هذه البلدان مُهيأة للانضمام إلى تحالف دولي للطاقة النظيفة بقيادة الولايات المتحدة.

لكن في واقع الأمر، لم تقم هذه الحكومات سوى بحماية قطاعات بعينها، وعادة ما تكون سلعاً صناعية أساسية مثل الصلب، من الصادرات الصينية الرخيصة، بينما لا تزال ترحب بصفة عامة بالاستثمارات الصينية، بما في ذلك المركبات الكهربائية.

وهناك أيضاً اختلاف مهم آخر، يتمثل في درجة الإجماع السياسي داخل الولايات المتحدة. فقد كانت هناك بكل تأكيد عناصر انعزالية داخل الكونغرس بعد الحرب العالمية الثانية، وغالباً ما كانت بقيادة روبرت تافت، عضو مجلس الشيوخ القوي من ولاية أوهايو.

لكن على الرغم من عرقلة الكونغرس لتأسيس منظمة التجارة العالمية، وكانت نظيراً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فقد توصّل العالم إلى سلسلة من اتفاقيات تحرير التجارة الدولية بحلول عام 1947. وواصل خلف ترومان، دوايت أيزنهاور، نهجه الأممي، وبذلك كانت الانعزالية الأمريكية في حالة تقهقر.

وهذه الأيام، تتراجع الولايات المتحدة بالفعل بمنظمة التجارة العالمية. كما أنها تفرض تعريفات جمركية. كذلك يمكن للمنافع التي ستتأتى من خطة مارشال أمريكية خضراء أن تُنتزع سريعاً في حال انتخاب دونالد ترامب رئيساً، أو سيقلل منها كونغرس يهيمن عليه الجمهوريون. على الجانب الآخر وبالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، فبإمكانك أن تكون متيقناً تماماً من أنه سيظل شاغلاً لسدة الحكم على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.

إن أفكار ديس صحيحة، لكن الولايات المتحدة التي نعرفها اليوم لا تضاهي هيمنة تلك القديمة في عام 1948، ولا حتى أوضاعها السياسية الحالية مناسبة لاستخدام القدرات التي تمتلكها. ولا تُعد خطة مارشال في الوقت الراهن مقارنة مناسبة لطموحات الولايات المتحدة إلى أن تكون رائدة عالمية في التكنولوجيا الخضراء. سيكون الصراع على النفوذ مع بكين أكثر تعقيداً في الوقت الراهن مقارنة بالصراع على النفوذ مع موسكو في تلك الأيام.

الأكثر مشاركة