في أوقات عدم اليقين، تلجأ البنوك المركزية عادةً إلى ما يُعرف بـ«مبدأ برينارد للتحفظ». وهذا المبدأ، الذي صاغه الخبير الاقتصادي ويليام برينارد في عام 1967، ينص على أنه إذا كانت الجهات المسؤولة عن السياسة النقدية غير متأكدة من التأثير المحتمل لتعديلات أسعار الفائدة، فمن الأفضل لها أن تتخذ خطوات أقل حدة مما كانت ستفعله في ظل ظروف أكثر وضوحاً.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن هذا المبدأ نفسه يقدم حلاً واضحاً للمعضلة التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ورئيسه جيروم باول، حيث يتداول مسؤولو البنك المركزي ما إذا كان ينبغي عليهم بدء دورة التيسير النقدي بخفض 25 أو 50 نقطة أساس خلال اجتماعهم.

والحذر لا يكون ذا أهمية كبيرة، عند غياب التوازن عن ميزان المخاطر على التفويض المزدوج للفيدرالي، المتمثل في تحقيق تضخم قدره 2% ودعم التوظيف، وربما هذه هي الحال حالياً. فقد أظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أغسطس تراجع النمو السنوي للأسعار إلى 2.5% فقط، بما يتماشى ومقياس التضخم المُفضّل عند الفيدرالي: مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي.

ومع ذلك، تتباطأ سوق العمل على نحو سريع. وخضعت قراءات الوظائف غير الزراعية إلى تعديل بالخفض على مدى أشهر الصيف، وعاد معدل الوظائف المتاحة إلى مستويات ما قبل الجائحة، كما انحسرت خطط الشركات الصغيرة للتوظيف.

ولتبسيط الأمور، يبدو خطر المبالغة في تقييد سوق الوظائف الأمريكية أكبر من عودة الضغوط التضخمية إلى الانتعاش من جديد. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع الفائدة يقلل من الطلب، لكن بينما لم تشهد الولايات المتحدة بعد معدلات كبيرة للتسريح، لكنها غالباً ما تتفاقم مع بدء نشوئها، وذلك لأن البطالة المتزايدة تميل إلى الارتفاع من تلقاء نفسها.

لذا، من المعقول حماية الاقتصاد من مثل هذا الأمر، ويكون ذلك بإقرار خفض كبير للفائدة، لا سيما بالنظر إلى المرونة التي يتمتع به الفيدرالي على صعيد التضخم. وبكل تأكيد، وحتى مع انخفاض الفائدة، قد تجد بعض الأسر والشركات التي استفادت من معدلات الفائدة المنخفضة خلال فترة الجائحة، أمام ظروف أكثر تشدداً عند إعادة التمويل.

ويذهب مناصرو خفض الفائدة 25 نقطة أساس فقط إلى أن المعركة ضد التضخم لم تنته بعد. ورغم أن تضخم الخدمات يظل مرتفعاً، لكن ينبع قدر كبير من هذا من تكاليف السكن، التي تشتمل على مكونات تتخطى الأسعار الفعلية بالسوق. لكن مؤشر أسعار المستهلكين يسجل مستويات دون 2% عند استبعاد بند المأوى. وبالنسبة لنمو الأجور، وهو مصدر مهم لضغوط الأسعار، فهو يتسم أيضاً بالاعتدال.

وعلى النقيض من ذلك، فإن ارتفاع نمو الأجور في المملكة المتحدة يعد أحد الأسباب وراء احتمالية إحجام بنك إنجلترا عن تحريك الفائدة في اجتماع الخميس المقبل، وهو الذي أقر أول تخفيض للفائدة بالفعل في الشهر الماضي.

وقد عززت التحوّلات الأخيرة في تسعير العقود الآجلة احتمالية إقرار خفض أكبر. وتوقع المستثمرون، طيلة عدة أسابيع، خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر، لكن رهانات السوق على خفض أكبر قدره 50 نقطة أساس ارتفعت يوم الجمعة، وذلك في أعقاب ما نشرته «فاينانشال تايمز» من تصريحات عن مسؤولين سابقين في الفيدرالي.

وقلل هذا من خطر مفاجأة السوق الأربعاء، وأسفر عن بيع كثيف محموم. وقد أظهر المتداولون طوال أشهر الصيف قلقهم من أقل الانحرافات عن توقعاتهم. وإذا ما لم تنحسر التوقعات بخفض أكبر للفائدة بصورة ملحوظة، فسيكون تقليص الفائدة 50 نقطة أساس أسهل في التفسير. وعلى أية حال، سيكون الفيدرالي بحاجة إلى تبني لهجة واضحة ومهدئة للسوق.

وستقع على كاهل باول مسؤولية إيضاح الخطط المستقبلية للمركزي، في حال قرر التحرك بحذر بخفض الفائدة 25 نقطة أساس. أما تبنيه لهجة حذرة، تشدِد على الحاجة إلى خفض الفائدة في الربع الأخير من العام، وتسلّط الضوء على المسار من بعد ذلك، وتشير إلى استعداد الفيدرالي لإقرار تخفيضات أكبر إذا اقتضت الضرورة، فمن شأنه أن يبعث بالرسائل الصحيحة للأسواق.

لكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تجري قبل يوم من الاجتماع التالي للفيدرالي في نوفمبر، تضفي قدراً من الغموض على التوقعات الاقتصادية. ولا يمكن لرئيس الاحتياطي الفيدرالي سوى التحرك وفق ما يعرفه، وهو محق في تجاهل الأمور السياسية، بما في ذلك التهديدات التي يمثلها دونالد ترامب لاستقلالية الفيدرالي.

إن المصارف المركزية لا تعمل وفق مسارات مُحددة. ويبرر عدم اليقين تبني الحذر بكل تأكيد، لكن ذلك يعني أيضاً اتخاذ الاحتياطات الملائمة وقتماً أمكن. وسيكون خفض الفائدة 50 نقطة أساس هذا الأسبوع بمثابة حماية من الإفراط في تقييد الاقتصاد وردود الأفعال السلبية من جانب السوق تجاه أي بيانات ضعيفة قبل الاجتماع التالي. وسيكون التذرع بمبدأ برينارد هذه المرة غير مُبرر، طالما أن المستثمرين ظلوا منفتحين على التخفيض الأكبر.