كيف يمكن للمستثمرين الاستفادة من تغير الأعمال؟

غالباً ما تتطور الشركات عن طريق إعادة الهيكلة. وبالنسبة لنا كمستثمرين يجب أن نكون على علم بالتفاصيل.

توفي السيد فليتشر قبل أعوام، وانتهى ذكر السادة شيبرد وكوبر وتاتشر تقريباً، لكن ما زال بإمكان السيد بيكر الصمود في وجه الزمن.

غالباً ما تعكس الألقاب كيف كانت الأمور فيما سبق، وتذكرنا بكيفية تغير الأزمان.

سئلت مراراً، حينما كنت أرتاد المدرسة، عما أظن أني سأكون عليه عندما أكبر. كنت أنوي أن أكون جاسوساً عندما كنت في العاشرة، إذ شكلت أفلام جيمس بوند أهمية كبيرة في طفولتي، أو كاهناً، ولا أعلم لماذا؟! شغلني التمثيل حينما كنت في المدرسة الثانوية، فخضت اختباراً للكفاءة المهنية وجاءتني هذه التوصية: «العمل في مجال الصيرفة أو المحاسبة يليق بك يا فتى». وهكذا، تحطمت أحلامي بالصعود إلى خشبة أحد مسارح «ويست إند».

يمكن للعالم أن يتغير سريعاً، ويبدو أنه يتغير بسرعة أكبر من أي وقت مضى. وعادة ما يكون الأمر مدفوعاً بالتكنولوجيا. جاءت السيارات، فلم تعد هناك حاجة إلى السرّاجين (صناع السروج)، وفعلت الآلات الزراعية الأمر نفسه بالعاملين في الزراعة. وبالنسبة للخدمات المالية الرقمية، فقد أزاحت كثيراً من الوظائف المصرفية التي وجهني إليها مرشدي المهني.

وإذا كانت الوظائف تتغير، فبالطبع ستمر الشركات بالأمر نفسه. لننظر إلى الشركات الأصلية التي شكلت مؤشر «FT 30» عام 1935، سنجدها تشمل منجم «بولسوفر كولييري»، وخمسة مصنعين للسيارات، هم «أوستن» و«بريتيش ليلاند» و«بريتيش موتور كوربوريشن» و«وولسلي» و«موريس»، وعدة شركات للخيوط والغزل والنسيج، و«وولوورثس»، التي ابتكرت نموذج البيع بالتجزئة الحديث الذي تتبعه المتاجر في جميع أنحاء العالم اليوم. وها هي الدلائل أمامك على قلة الأسهم التي كان يمكن شراؤها والاحتفاظ بها إلى الأبد.

الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لي هو كيف تطور بعض الناجين. بدأت «دبليو بي بي» كشركة «لمنتجات الأسلاك والبلاستيك»، حتى اشتراها مارتن سوريل عام 1985 وأصبحت مجموعة للإعلانات. وعملت «سميثس» عام 1935 في تصنيع الساعات، لكنها تصنع اليوم معدات الفحص في المطارات، بين أشياء أخرى.

يمكن أن تتطور الشركات بطرق عديدة، وغالباً عن طريق إعادة الهيكلة. ومن الشائع أن تشكل الشركات الكبيرة تكتلات عملاقة تتكون من أقسام. وبعضها يتوسع، والبعض الآخر يعاني مشكلات. وكمستثمرين نبحث عن وضع أموالنا خلف صناعات صاعدة، يجب علينا أن نحاول فهم التفاصيل، لأن تقييم العناصر المتباينة هو المفتاح لتحديد قيمة السهم، إلا أن الأمر ليس سهلاً.

ستروّج لك الشركات أفضل ما لديها، وقد ينتهي بك الأمر إلى دفع مقابل السهم بشكل مبالغ فيه إذا لم تضع في اعتبارك التأثير السلبي الناجم عن مواطن المشكلات. من ناحية أخرى، من الممكن أن تصبح السوق شديدة الهوس بالمشكلات والأمور الرتيبة إلى درجة إغفال الإمكانات.

على سبيل المثال، تضم محفظتي أسهماً في «سترايكر»، شركة الرعاية الصحية الأمريكية. وأنا أعتقد أن قسم الجراحة الروبوتية في الشركة يتمتع بإمكانية تحقيق مكرر ربحية مرتفع للغاية إذا تم التداول عليه بمفرده، لكن القسم الذي يصنع أسرة المستشفيات، وهو الأكثر شهرة، يخفض التقييم العام للشركة وبشدة.

وعندما تعتقد أن هناك فجوة مثيرة للدهشة في التقييم، سترغب في معرفة ما ستفعله الإدارة لاستغلال تلك القيمة المخفية. والمديرون ليسوا أغبياء. إنهم يعلمون تماماً أي خطوط الأعمال هي التي تحقق ربحاً، وأيها مجرد تشتيت لا داعي له. وغالباً ما يكون السبب في عدم رؤية المستثمرين لإمكانات الشركة هو وجود كثير من الخردة في الطريق. ويمكن أن يساعد تخلص الشركات من الأعمال غير الضرورية في التركيز على أعمالها الأساسية، وهو ما سيكون مفيداً للجميع، لكن لا يشترط أن يكون الطفل المشاغب المعروض للتبني هو المشكلة. على سبيل المثال، قررت «سيمنس» بيع وحدتها للإضاءة، «أوسرام ليشت» عام 2013، بعد قرابة قرن في تصنيع المصابيح.

ساعد هذا التخلص «أوسرام ليشت» بدوره على زيادة تركيزها، فقررت الشركة بيع أعمالها لصناعة المصابيح التقليدية للتركيز على سوق المنتجات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ومكون يستخدم في الهواتف الذكية لمسح قزحية العين. ويمكن لهذه الشركات المنفصلة أن تكون استثمارات جذابة في حد ذاتها، غير أن الأمر يستغرق وقتاً. وارتفعت أسهم «أوسرام» من 24 يورو إلى أكثر من 70 يورو خلال أربعة أعوام فقط، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين.

مرت «سيمنس» بكثير من عمليات التخلص من الأعمال في الأعوام القليلة الماضية، فلم تعد الشركة تصنع هواتف ولا معينات السمع ولا الأفران. وفي مارس عام 2017، قررت الشركة فصل أعمال الرعاية الصحية، فصارت «سيمنس هيلثينيرز»، لكن ما زالت «سيمنس» تحتفظ بحصة تبلغ 75% من الشركة. يبدو هذا مثالاً جيداً إضافياً على السماح لشركة تابعة لا تحظى بالتقدير الكافي من السوق بالانفصال عن الشركة الأم والتركيز حصراً على خططها الخاصة. وفي الاكتتاب العام الأولي، سجل سعر السهم 29 يورو، وقفز بعد سبعة أعوام بنسبة 70% ويقترب من 50 يورو. هذا ليس بعائد سيئ، إذا ما وضعنا في اعتبارنا توزيعات الأرباح. وتجدر الإشارة إلى تضاعف قيمة سهم «سيمنس» خلال الفترة نفسها.

وحينما تنظر في أمر شركة منفصلة عند طرحها في البورصة، يجب عليك أن تنتبه بشكل خاص إلى الميزانية العمومية للشركة عند الطرح، فقد تقرر الشركة بيع أو فصل وحدة مثقلة بالديون لتخفف الأعباء عن كاهل ميزانيتها العمومية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى فصل «جلاكسو» لشركتها الخاصة بأعمال الصحة، «هاليون»، عام 2022، لكنها كانت مثقلة بديون قدرها 10.7 مليارات جنيه إسترليني.

وتبيع «هاليون» العلامات التجارية بطيئة النمو للمساعدة في تسديد ديونها، وتخلت هذا العام عن أعمال مرطب الشفاه والعلاج ببدائل النيكوتين. ورغم استمرار استقرار علاماتها التجارية الأساسية، مثل «سنسوداين» و«بانادول»، بما يكفي، لكن ما زالت ميزانيتها العمومية تبدو متوترة بصورة غير طبيعية بالنسبة لي.

وبشكل عام، أصيبت الأسواق خلال الأعوام العشرة الماضية بخيبة أمل بسبب غياب فاعلية الشركات في إعادة الهيكلة. قد تكون هناك إرادة من الإدارة، لكن بدون وجود طريقة. قد يكون خفض التكاليف في القطاعات الخاسرة مكلفاً، على غرار ما تشهده «فولكسفاجن» في ألمانيا، لأن الاتفاق مع النقابات العمالية يجعل عملية تقليص الوظائف وإغلاق المصانع أمراً صعباً. وغالباً ما يتطلب الأمر وجود فريق إداري جديد يتحلى بالشجاعة والدعم لتغيير نصاب الأمور، كما يمكن لتغيير المدير أن يكون إيجابياً للأعمال، لكن غالباً ما يكون التريث هو أفضل قرار قبل شراء الأسهم. قد تقرر الإدارة الجديدة خفض قيمة الأصول، مثلما فعلت «فيلبس» العام الماضي.

وتحاول الإدارة الجديدة التخلص من كافة الأخبار السلبية سريعاً، لكن قد يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة في سعر السهم. قد يكون هذا أفضل وقت تشتري فيه الأسهم، لكنها لحظات محفوفة بالمخاطر، فقد لا تفلح إعادة الهيكلة، لكنك قد تحظى بفوائد هائلة إذا نجحت.

الأكثر مشاركة