أكد سلطان أحمد بن سليّم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»، في حديث حصري مع «البيان»، أن «إجمالي القيمة الاستثمارية لمشاريع المجموعة حول العالم، بلغت نحو 65 مليار دولار (239 مليار درهم) في نهاية العام الماضي، وذلك في إطار سعيها المستمر لتشكيل مستقبل أفضل للتجارة العالمية. كما قامت باستثمار أكثر من 20 مليار دولار أمريكي (73.5 مليار درهم)، على مدى العقد الماضي، في مجالات الموانئ والمحطات والأعمال اللوجستية والمناطق الحرة، والخدمات البحرية والحلول التجارية القائمة على التكنولوجيا».
وكشف سلطان بن سليّم عن هذه الأرقام التي تنشر رسمياً للمرة الأولى، مع تأكيده أن استشراف المستقبل وتوقُّع التغيير، سيضمن تحقيق أثر إيجابي ومستدام على الاقتصادات والمجتمعات حول العالم، في ضوء التحولات المتسارعة التي تطال حركة التجارة، وتلقي بثقلها على اتجاهات العولمة لصالح الأقلمة، ما يستوجب تقصير سلاسل التوريد، وبناء قدر أكبر من المرونة، لتعزيز انسيابية تدفق حركة البضائع حول العالم.
وتوقع أن تواصل محفظة موانئ دبي العالمية تحقيق النمو خلال عام 2023، الذي كانت بدايته مشجّعة، مع سعيها إلى ترسيخ استخدام أحدث الأساليب التكنولوجية بشكل أكبر، من أجل إحداث التطوير الجذري في التجارة العالمية، عبر توفير الحلول الأكثر ذكاءً وابتكاراً وكفاءة، وفي ما يلي نص الحوار:
تحولات كبيرة
كيف تقيّمون أداء قطاع التجارة العالمية بشكل عام، ونمو أعمال موانئ دبي العالمية بشكل خاص خلال العام الماضي؟
على وقع اضطرابات سلاسل التوريد التي اشتدت حدتها خلال فترة الجائحة، وبرزت انعكاساتها على المشهد الكلي للتجارة العالمية في فترة التعافي، طرأت تحوّلات كبيرة في العولمة، مع توجه متسارع للشركات نحو نقل مرافق التصنيع الخاصة بها لتجاور أسواق مستهلكيها، بهدف حماية أعمالها، في وقت أدت السياسات الحمائية المتزايدة إلى تقسيم العالم إلى تكتلات تجارية.
لقد شهد عام 2022 مساراً متأرجحاً، نتيجة حدة اختناقات سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية، إلا أن ذلك لم يحد من اندفاعة «دي بي ورلد» في مواصلة توسيع محفظة أعمالها العالمية، والتي انعكست في زيادة نمو حجم المناولة في محطات الحاويات التي تديرها المجموعة، مع التركيز على زيادة الربحية وإدارة الإنفاق الرأسمالي.
وأشارت دراسة بحثية لتقرير «التجارة في مرحلة انتقالية»، التي أجريت بتكليف من «دي بي ورلد»، وبالشراكة مع «إيكونوميست إمباكت»، إلى أن 96 % من الشركات المشاركة في الدراسة، أكدت أنها تجري تغييرات في سلاسل التوريد الخاصة بها، نتيجة الأحداث الجيوسياسية. وأن الاستجابة لهذا التغيير كانت سريعة، حيث اتجهت الشركات إلى تقصير سلاسل التوريد، من خلال نقل مرافق التصنيع والمورّدين لديها، إما إلى أسواقها المحلية أو المناطق القريبة، لزيادة مرونة أعمالها وتخفيض التكاليف، وتقليل مخاطر الاضطرابات.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين التي اتسمت بها البيئة الاقتصادية العالمية المفعمة بالتحديات، بفعل ضغوط التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة والتوترات الجيوسياسية على اختلافها، ما زالت موانئ دبي العالمية تتمتع بوضع جيد، لتقديم نتائج محسَّنة مستمرة، ومن المتوقع أن تواصل محفظتها تحقيق النمو خلال عام 2023، الذي كانت بدايته مشجّعة، مع سعيها إلى ترسيخ استخدام أحدث الأساليب التكنولوجية بشكل أكبر، من أجل إحداث التطوير الجذري في التجارة العالمية، عبر توفير الحلول الأكثر ذكاءً وابتكاراً وكفاءة.
استدامة التجارة
كيف يمكن العمل على تطوير قطاع التجارة العالمي، بحيث يكون أكثر استدامة؟
هناك ضرورة ملحّة لمواصلة العمل على تطوير قطاع تجارة عالمي أكثر أماناً واستدامةً، بما يرتقي بأدائه وسلامته وتنافسيته، حيث تتمتع مجموعة «دي بي ورلد» بحضور قوي وهام على خريطة التجارة والخدمات اللوجستية العالمية، من خلال حلولها المتكاملة والمبتكرة، وخبراتها المتميزة في الشحن، لدعم المتعاملين الرئيسين أمام التحديات التي تواجه عمليات سلاسل التوريد، والتخفيف من عملياتها الممتدة.
يتطلب قطاع التجارة عملية تحديث مستمرة للتشريعات، وتطوير البنى التحتية، وفق أعلى المعايير العالمية، لذلك تركّز مجموعة «دي بي ورلد» على الاستثمار في توسيع قدراتها اللوجستية، لتقديم مجموعة حلول متكاملة أكثر شمولية لخدمة أصحاب البضائع، عبر مختلف القطاعات، وفي العديد من المناطق والبلدان، لا سيما في الأسواق النامية.
ونتطلع دائماً إلى الأسواق الناشئة ذات النمو المرتفع، وبناء مسارات تجارية جديدة، لتعزيز الربط ومستوى الخدمات التي تلبي احتياجات وتوقعات المتعاملين، ما يمنحهم آفاقاً أوسع للنمو. ومواكبة لذلك، لا نزال متفائلين بشأن أداء القطاع على المدى المتوسط والطويل، وقدرتنا على الاستمرار في تحقيق عائدات مستدامة، بفعل الزخم القوي لمحفظة أعمالنا المتنوعة.
القدرات المؤسسية
ما أبرز ملامح التوسّع لموانئ دبي العالمية خلال الفترة المقبلة؟
رغم استمرار الظروف غير الاعتيادية، والتغيّر الحاصل في منظومة التجارة العالمية، إلا أننا نحرص على إقامة شراكات متعددة الأبعاد، بهدف تعزيز الروابط التجارية حول العالم، وبناء القدرات المؤسسية التي تتيح للبلدان والمجتمعات إمكانية التحكّم في مستقبلها. لذا، نتوجه دائماً من خلال استراتيجيتنا إلى تعزيز أعمالنا عبر سلسلة القيمة، بما في ذلك الموانئ والمحطات والمناطق الاقتصادية والخدمات اللوجستية، حيث ننظر إلى هذه الشراكات كحاجة ملّحة لمعالجة الثغرات.
وبالتالي، سيكون الاستثمار في خطط التوسّع مطلوباً لإحداث التحوّل في الاقتصادات العالمية. وهناك رغبة كبيرة لدى شركات الشحن العالمية في توسيع عملياتها، ما يدل على النمو الهائل الذي يشهده قطاع الموانئ والخدمات البحرية، بهدف تلبية الاحتياجات الآنية والمستقبلية لحركة التجارة.
وعملت «دي بي ورلد» خلال 2022، بشكل جماعي مع شركات الشحن، على إضافة طرق تجارية جديدة، تمتد لأكثر من 23 ألف ميل بحري، لتعزيز الربط بين أسواق الهند والشرق الأوسط وأفريقيا، وطرق أخرى تصل ما بين أمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا، فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة «يونيفيدر» التابعة للمجموعة، خدمة مباشرة تربط بين موانئ مومباسا في كينيا، ومابوتو، وجبل علي بدبي، وموندرا في الهند. ويكمن الهدف الرئيس من هذا التوسّع في إيجاد طرق تجارية أفضل وأكثر استدامة وفعالية لنقل البضائع للمتعاملين، وفتح المجال لمزيد من الفرص الجديدة لأصحاب البضائع.
الخطط التوسعية
كيف تعمل «دي بي ورلد» على تنفيذ خطتها التوسعية وسط المنافسة العالمية؟
نسعى إلى الابتكار بشكل دائم، من خلال توظيف التقنيات المتطورة، من أجل خلق أنماط جديدة لنقل البضائع إلى الأسواق التي لا يوجد لها طرق تجارية سلسة. ونعتزم أيضاً توسيع نطاق خدماتنا، لتشمل مالكي البضائع في المناطق الجغرافية الحالية والجديدة، حيث نواصل الاستثمار في بناء قدراتنا اللوجستية، وتقييم ما هو مطلوب، لإعطاء قوة دفع جديدة لأعمالنا حول العالم. وستكون مرونة الأعمال ووضوح العمليات وقدرات سلاسل التوريد المتكاملة، من العوامل الرئيسة لضمان خلق بيئة أعمال مبتكرة وأكثر كفاءة.
لقد نجحت «دي بي ورلد» في تطوير مسيرة أعمالها، لتتحول من مجرد مشغّل موانئ محلي في دبي، إلى مزوّد عالمي رائد للحلول اللوجستية الذكية المتكاملة، ما يعني أننا نقدّم البنى التحتية المتقدمة، والخدمات الشاملة التي ستمكّن أصحاب البضائع من نقل السلع بسلاسة في أنحاء العالم، من أرض المصنع إلى باب العميل.
إننا نعمل في مواقع الموانئ والمحطات الرئيسة التي تركّز على بلدان المنشأ والمقصد، لتعزيز عروضنا لأصحاب البضائع ومتعاملينا من مشغّلي خطوط الشحن حول العالم، بفعل استراتيجيتنا التي تدعم أعمالنا المتنوعة، سعياً لتوفير أفضل حلول سلاسل التوريد المتكاملة في كل من الأسواق الناشئة والنامية، لتلبية الطلب المتزايد على نقل البضائع بكفاءة وموثوقية.
ما حجم استثمارات المجموعة؟
في إطار سعي «دي بي ورلد» المستمر لاستشراف مستقبل التجارة العالمية، استثمرت المجموعة أكثر من 20 مليار دولار أمريكي على مدى العقد الماضي في مجالات الموانئ والمحطات، والأعمال اللوجستية، والمناطق الحرة، والخدمات البحرية، من أجل تمكين التدفق التجاري حول العالم.
وبلغ إجمالي القيمة الاستثمارية لمشاريع المجموعة حول العالم، نحو 65 مليار دولار في نهاية العام الماضي، وتمتلك الشركة حالياً أكثر من 350 وحدة أعمال عبر 6 قارات، تغطي شبكتها العالمية المترابطة، جميع نقاط الربط لسلسلة التوريد المتكاملة، بدءاً من المحطات البحرية والبرية، وصولاً إلى الخدمات البحرية والمجمعات الصناعية، إضافة إلى الحلول التجارية القائمة على التكنولوجيا.
الفرص الاقتصادية
ما أهم الأسواق التي تتطلعون إلى تعزيز حضوركم فيها؟ وما القطاعات الأكثر تفضيلاً للاستثمار بمحفظتكم؟
تواصل مجموعة «دي بي ورلد» الاستثمار في الأسواق الناشئة ذات الإمكانات الكبيرة، وتتجه حالياً إلى البحث عن بعض الأسواق الرئيسة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والهند، التي تمتلك فرصاً اقتصادية غير مستغلة، من أجل تحقيق معدلات نمو أعلى.
لقد عملنا على تركيز استثماراتنا في بناء القدرات اللوجستية للمجموعة، مع مواصلة توسيع محفظتنا العالمية من الموانئ والمحطات، كذلك تسخير التكنولوجيا المتقدمة التي نطمح من خلالها لجعل حركة التجارة أكثر ذكاءً، وتسهيل تدفقها حول العالم بشكل أكثر وضوحاً، وتقليل الاضطرابات، ما يعتبر النمط المثالي لبناء شبكات تجارية عالمية تواكب المستقبل.
وتواصل «دي بي ورلد» توسيع نطاق عروضها من خدمات السفن متوسطة الحجم لشحن الحاويات، والنقل البحري للمسافات القصيرة والمتوسطة إلى مناطق وبلدان عديدة حول العالم، عبر شركة «يونيفيدر» التابعة لنا، حيث تمثل ميزة مهمة تضاف إلى محفظة أعمالنا المتنامية. وسنستمر في تقييم ما هو مطلوب لدفع أعمالنا إلى آفاق أرحب من العوائد المستدامة.
كيف تعملون على تمويل خططكم للتوسّع؟ هل هناك توجه لطرح سندات أو صكوك؟
طوّرت «دي بي ورلد» شراكات قوية مع العديد من المستثمرين الماليين العالميين، من أجل إتاحة الوصول إلى رأس المال، ومن بين شركائها المجموعة الاستثمارية العالمية «كيس دي ديبو إي بلاسمان دو كيبك» في كندا، وشركة «حصانة الاستثمارية» - المدير الاستثماري للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية، والمؤسسة البريطانية الدولية للاستثمار، والصندوق الوطني الهندي للاستثمار والبنية التحتية.
وتمثل هذه الاستثمارات بيع حصص أقلية استراتيجية من أسهم 3 من أصول «دي بي ورلد» الرئيسة في الإمارات، وهي ميناء جبل علي، والمنطقة الحرة لجبل علي، ومجمع الصناعات الوطنية. تشكّل هذه الأصول معاً مجموعة من البنى التحتية الأفضل في فئتها، مع سجّل نمو قوي على المدى الطويل، مقدمة منظومة متكاملة بمستوى عالمي لسلاسل التوريد والخدمات اللوجستية، حيث تخدم أكثر من 3.5 مليارات مستهلك عالمياً. وتمتلك المجموعة شبكة قوية من مجموعات التمويل المتعددة، التي تساعد في إصدار السندات والصكوك والطروحات الخاصة والقروض المصرفية.
مرونة الإمدادات
كيف تقيّمون الحركة التجارية عبر الموانئ والمحطات التابعة للمجموعة حالياً، مقارنة بفترة ما قبل الجائحة؟
تمكّنت مجموعة «دي بي ورلد» خلال فترة الجائحة، وفي مرحلة التعافي، من إظهار قدرتها الكبيرة على التكيّف بسهولة مع التغييرات الطارئة على قطاع سلاسل التوريد، ومواصلة العمل مع المتعاملين والشركاء لإيجاد حلول أكثر كفاءة، بهدف تحسين مرونة وفعالية توافر الإمدادات في القطاعات الرئيسة وغيرها.
ونجحت المجموعة خلال الربع الأول من العام الجاري، في مناولة 19.5 مليون حاوية نمطية قياس 20 قدماً، على مستوى محفظتها العالمية، من محطات الحاويات في الربع الأول من 2023، بزيادة 1.4 % على أساس سنوي مُعلن، وبزيادة 3.7 % على أساس المقارنة المثلية.
وجاء النمو الإجمالي لحجم المناولة في الربع الأول من عام 2023، مدفوعاً بشكل أساسي بالأداء القوي لمحطات الحاويات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والهند، والذي قابله أداء أقل جزئياً في أوروبا والأمريكتين. وفي ميناء «جبل علي»، تمت مناولة 3.5 ملايين حاوية نمطية قياس 20 قدماً، بارتفاع 2.3 % على أساس سنوي. وعلى المستوى الموحّد، قامت محطات الحاويات بمناولة 11.4 مليون حاوية نمطية قياس 20 قدماً، بزيادة 0.7 % على أساس سنوي مُعلن، خلال الربع الأول 2023، وانخفاض 1.3 % على أساس المقارنة المثلية.