أجمع مشاركون وممثلون دوليون عن مجتمع الأعمال من القطاعين العام والخاص لكبريات الشركات العالمية على أن إمارة دبي تقود الثورة الرقمية على مستوى دول المنطقة بابتكارها نماذج ومعايير جديدة عالمية في المدن الذكية المستقبلية، مشيرين إلى دورها الريادي المتمثل في المبادرات الذكية العديدة للاستفادة من إنترنت الأشياء وحرصها على الربط التقني لجميع القطاعات الرسمية العاملة بالإنترنت، في سبيل تحقيق السهولة والسعادة في جميع مجالات الحياة العصرية الحديثة.
جاء ذلك خلال مؤتمر إطلاق «تقرير التنمية في العالم 2016» الذي نظمه مجلس دبي الاقتصادي بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي أول من أمس بدبي، بحضور عدد كبير من ممثلي مجتمع الأعمال من كبريات الشركات العالمية العاملة في مجال التقنية الرقمية، إلى جانب عدد كبير من الأكاديميين والإعلاميين المختصين في المجال من مختلف دول العالم.
خطة استراتيجية
وأوضح عبد الرزاق الفارس، الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في مجلس دبي الاقتصادي، خلال كلمة الترحيب التي ألقاها بالنيابة عن الأمين العام للمجلس، أن إطلاق التقرير من إمارة دبي يدلل على تبني دولة الإمارات ودبي خطة استراتيجية لترسيخ الابتكار في الاقتصاد والمجتمع ضمن سعيها الدائم للتحول إلى اقتصاد المعرفة، مؤكداً تطابق «العوائد الرقمية» للتقرير مع مبادرة الحكومة الذكية والمدينة الذكية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بهدف تحسين الحياة عبر تسخير التكنولوجيا لصنع حياة مختلفة ونموذج جديد في التنمية.
وأضاف أن البيئة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن لا تسمح باستمرارية «الاقتصادات التقليدية» التي تعتمد على الأعمال البعيدة كل البعد عن التقنيات المستجدة والتطبيقات الذكية في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وذكر أنه على الرغم من الانتشار الهائل للتقنيات الحديثة لاسيما في مجال الاتصالات، إلا أن الفجوة بين مناطق العالم المختلفة لا تزال قائمة، لافتاً إلى أن التقرير يبين أن قرابة 60% من سكان العالم محرومون من الاتصال بشبكة الإنترنت، الأمر الذي يحول دون مشاركتهم في الاقتصاد الرقمي بطريقة مجدية.
ورأى أن التقرير يتجاوز البيانات والأشكال والرسوم البيانية ليتمثل في استيحاء الدروس من التجربة العالمية في مجال توظيف التقنية الحديثة لمصلحة التنمية في جميع شرائح المجتمع، وإجراء مقارنة موضوعية بين ما أنجزته دول المنطقة في مجال الاقتصاد أو التنمية الرقمية مع المناطق الأخرى من العالم المتقدمة، والنامية، والناشئة، مشدداً على ضرورة البدء بالتخطيط لمستقبل الأجيال القادمة من خلال توسيع نطاق الاستفادة من التقنيات المستجدة من أجل غد أفضل.
تقنيات ذكية
وأضاف الفارس: «إن الإمارات تبرز في مقدمة دول المنطقة استخداماً للتقنيات الذكية في مختلف المجالات لاسيما أتمتة الخدمات العامة وفق ما كشفته التقارير الدولية المعنية بالمجال خاصة في التغطية بشبكة الهاتف المحمول، موصياً بضرورة تغيير قواعد التنمية والتكيف مع واقع علمي ودولي جديد، قوامه التقانة الحديثة، وهدفه رفاه الإنسان وسعادته».
مستوى الإنتاجية
ومن جهته، عبر ديباك ميشرا، المدير المشترك لتقرير التنمية في العالم 2016 لدى البنك الدولي عن اعتزازه بالتعاون مع مجلس دبي الاقتصادي في إطلاق التقرير نظراً لمكانته كأحد أهم مراكز الفكر الداعمة في صناعة القرار الاقتصادي بدبي، موضحاً أن التقرير الحالي يركز على الآثار التي تركتها التقنيات الرقمية كالإنترنت والهواتف المحمولة وغيرها على مدار العقدين الماضيين على التنمية العالمية، خاصة فيما يتعلق بمستوى الإنتاجية، وإتاحة فرص العمل والخدمات للطبقة المتوسطة، والحوكمة، وغيرها.
وأشار إلى أن التقرير يسلط الضوء على أهم التحديات التي تواجه العالم النامي في تحويل الاستثمارات الرقمية إلى عوائد.
استخدام واسع
وأفاد ميشرا بأن البنك الدولي دأب على مساعدة مختلف الدول النامية على توسيع استخدام التقنية الرقمية في مختلف القطاعات، من خلال أنظمة التعليم والتدريب وبرامج التوعية، معدداً بعض قصص النجاح التي تحققت في الدول النامية فيما يتعلق باستخدام التقانة الرقمية في التنمية، مثل إقبال البالغين في شرق أفريقيا على تسديد فواتير المرافق العامة باستخدام الهاتف المحمول، واستخدام العمالة النسوية في الصين منصة التجارة الالكترونية لتصدير السلع إلى 120 بلداً.
وذكر أن الكثير من المشكلات المحلية في الدول النامية تحل باستخدام حلول محلية، في حين أن الإنترنت يقدم حلولاً سهلة وتواصلاً أكفء بين الأطراف المعنية كافة، لافتاً إلى أن هناك أخلاقيات عمل ينبغي أن تلتزم بها الشركات التي تتعامل مع التقنية الرقمية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، الأمر الذي يعني تقليل كل من المخاطر والتهديدات والتكلفة على حدٍ سواء.
مجتمع الطب
وفي سؤال حول كيفية تقبل مجتمع الطب التقنيات الحديثة، أجاب عامر شريف، الرئيس التنفيذي لقطاع التعليم بسلطة مدينة دبي الطبية، أن هناك تقدماً كبيراً في التحول الرقمي في عالم الطب مضيفاً أن دولة الإمارات تتولى الريادة في تبني هذه التقنيات، منوهاً بأن أهم معالم استراتيجية دبي الطبية هي ارتباطها الوثيق بالبيانات التكنولوجية، حيث يوجد حالياً 35 ألف مختص طبي مرتبطين في نظام «شريان» لدراسة الطلبات بمعدل يومي يبلغ 150 طلباً، موصياً بضرورة تطوير المناهج الطبية من أجل إعداد الخريجين القادرين على تطبيق التقنية الرقمية والانخراط في العصر الرقمي الحديث.
ثورة رقمية
وأشار زكي خوري، المدير الإقليمي، للمنظمات الدولية في الشرق الأوسط وأفريقيا، والقطاع الحكومي بشركة مايكروسوفت إلى أن الوقت الراهن يشهد ثورة رقمية غير مسبوقة، مؤكداً أن دورة التكنولوجيا تراجعت من 3 سنوات إلى سنة واحدة، الأمر الذي يبرهن الحاجة إلى مهارات جديدة للتعامل مع التقنية كل 6 أشهر.
وأضاف: «توجد الآن شركات بدون مستودعات بفضل تعاملها مع التقنية الرقمية بصورة متقدمة»، موضحاً أن معظم الأعمال في منطقة الخليج العربي تعتمد على التقنية الرقمية إلا أن انعكاس هذا الأمر على الإنتاجية يتطلب المزيد من الوقت.
ريادة إماراتية
وذكر خوري أن مدينة دبي تتبوأ مرتبة الريادة في تبني التقنيات الذكية، مشيراً إلى أن استراتيجية الحكومة الذكية، إلى جانب المدينة الذكية ستضع الإمارة في مقدمة اقتصادات العالم.
وفي نفس السياق، لفتت ليزا نيمان، رئيس الاستراتيجية وابتكار الأعمال بشركة إريكسون إلى أن هناك 4 مليارات نسمة في العالم ليس لديهم إنترنت، متسائلةً عن ماهية الإجراءات التي تجسر هذه الفجوة، مشددةً ضرورة السعي نحو التغلب على هذا التحدي من خلال التواصل والتعاون مع مختلف الأطراف ذات الصلة، من القطاعين العام والخاص، خاصة من خلال التعليم والتدريب، وتعزيز توسيع نطاق تغطية الاتصالات لتطال المناطق النائية من الدول النامية باستخدام وسائل مبتكرة مثل طائرات الهليكوبتر وأعمدة اتصال جيدة، مع التأكيد على أهمية تقليل التكلفة بما يضمن التغطية لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع.
ومن ناحيته، أوضح إبراهيم البدوي، مدير الاقتصاد الكلي والتوقعات بمجلس دبي الاقتصادي أن التقرير يعقد أهمية كبيرة على العوائد الرقمية والتواصل الرقمي بين مختلف شرائح المجتمع، مشيراً إلى أن العالم يشهد ثورة رقمية ناجمة عن التطور الهائل الذي طرأ على التقنية الرقمية واتساع استخداماتها في العديد من القطاعات، منوهاً بأهمية التواصل من أجل بلوغ التنمية المستدامة.
وأشاد بالتطور الكبير في استخدام التقنية الرقمية في الدولة ودبي، لافتاً إلى أن مبادرة الحكومة الذكية سوف تعزز من مكاسب التنمية، بما يبرهن أهمية تعزيز القدرات والخبرات والمحتوى الرقمي.
وتطرق إلى أن هناك تطوراً ملموساً في «التنمية الرقمية» على مستوى منطقة الخليج العربي، حيث أن التقديرات الرسمية تشير إلى أن التواصل الرقمي سيحقق 300 مليار دولار (ما يعادل 1.1 تريليون درهم) كدخل إضافي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منها نحو 40 مليار دولار (حوالي 147 مليار درهم) للدول الخليجية.
منع الاحتكار
دعا عدد من المشاركين إلى إصدار تشريعات وأنظمة لمنع احتكار التقنية الرقمية في بعض الدول ما يجعل تكلفة الحصول عليها عالية مطالبين بضرورة توفير منظومة من الحوافز للمجتمع لتساعدهم على التحول، مما يبرز أهمية دور التواصل الرقمي من خلال خلق مجتمع المعرفة الذي يضم المدرسين والأطباء والباحثين والعلماء وغيرهم من فئات المجتمع المدني الحديث.