ناهز مجموع الميزانيات المالية الاتحادية لدولة الإمارات ما يربو على تريليون و210 مليارات درهم خلال 48 عاماً، حيث تضاعفت أكثر من 307 مرات، من 200 مليون درهم إلى 61.35 مليار درهم عام 2019.

وفي الوقت الذي تشهد فيه الميزانية الاتحادية، قفزات متتالية كبرى عاماً تلو الآخر، كان القاسم المشترك بين الميزانيات السبع والأربعين التركيز المتواصل على تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين، حيث أولت اهتماماً كبيراً بالقطاعات ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين وخدماتهم، كما عملت على توجيه الموارد المالية لتحقيق أعلى درجات الرخاء والرفاهية من خلال الاهتمام بتوفير السكن الملائم والرعاية الصحية والتعليم والعيش الكريم كركائز أساسية لتنمية المجتمع.

ويرتكز الهدف الدائم من التطور المستمر في الميزانيات الاتحادية وزيادة الاعتمادات المالية، على تنفيذ خطط ومبادرات تطوير البنية التحتية والارتقاء بمستوى التعليم والخدمات الصحية، وتعزيز أداء كافة القطاعات التي تمس حاجة المواطن والمقيم، إذ طالما منحت الأولوية للمنافع والتنمية الاجتماعية.

قوة الاقتصاد

وجاءت الموازنة المعتمدة للعام المقبل 2020، كأكبر موازنة اتحادية منذ تأسيس الدولة عام 1971، في مؤشر على قوة الاقتصاد الوطني ووفرة واستدامة الموارد لتمويل المشروعات التنموية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، حيث تضاعفت مئات المرات منذ أول ميزانية اتحادية، وسجلت دون عجز للعام الثالث على التوالي، مما يؤكد استمرار النهج المتبع بتحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات، كما تركز خلال العام المقبل على خطط ومشروعات طموحة تستشرف آفاقاً جديدة نحو المستقبل.

وتترجم الميزانية الاتحادية للعام الجديد 2020 بكل خططها وبرامجها توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين في دولة الإمارات، وصولاً لتحقيق رؤية الإمارات 2021 وأهداف مئوية الإمارات 2071، وأن دولة الإمارات ماضية في تحقيق تطلعاتها وطموحها وتوفير أرقى سبل العيش والرفاهية لسكانها ومواطنيها، من خلال خدمات ومبادرات نوعية وذات قيمة مضافة في مختلف القطاعات، بهدف إحداث تأثير إيجابي وحقيقي في الحياة اليومية للمواطن.

وتعد الميزانية البرنامج المالي للحكومة الاتحادية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال التوزيع الأمثل والاستخدام الكفء للموارد في إطار الاستراتيجية الاتحادية على المصروفات المتوقع إنفاقها بواسطة الجهات الاتحادية خلال سنة مالية مقبلة على أن يراعى توازنها إيراداً ومصروفاً.

تطور متواصل

وعلى مدار تاريخها، شهدت الميزانيات الاتحادية تطوراً متواصلاً في الأداء والإعداد بشكل منهجي لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الدولة، وبما يرتقي بالأداء المالي للجهات والهيئات الاتحادية وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، حيث نجحت في تقديم ترجمة واضحة لاستراتيجية وخطة الدولة الطموح الرامية إلى التطوير والتحديث على مختلف الصعد.

ودائماً ما تؤكد الميزانية الاتحادية مضي الدولة قدماً في خططها الاستراتيجية لتعزيز بيئة الاستثمار بما يؤكد قوة الوضع المالي والاقتصادي للدولة ويعزز مكانتها كأحد أهم المقاصد الإقليمية والعالمية للتجارة والاستثمار والأعمال الاقتصادية، وكذلك تعزيز الثقة في الاقتصاد المحلي، ما يساعد على استقطاب مزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين والمقيمين والمساهمة في دفع مسيرة التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق الرفاه والازدهار لأفراد المجتمع في شتى مجالات الحياة.

ميزانية البنود

وكانت البداية في مطلع السبعينات من القرن الماضي وتحديداً في عام 1972 مع تطبيق ما عرف بـ«ميزانية البنود» التي يتم من خلالها تحديد أنواع وأحجام النفقات لتقابلها اعتمادات لكل بند من بنود الميزانية دون ربطها بالأهداف المطلوب تحقيقها.

وانتقلت وزارة المالية في إعداد الميزانية الاتحادية إلى «ميزانية البرامج والأداء» سنة 2001 مروراً بـ«الميزانية متوسطة المدى لـ 3 سنوات» بدءاً من 2008 إلى الميزانية الصفرية متوسطة المدى في عامي 2011/‏‏‏‏ 2013 وفقاً لمبادئ «الميزانية الصفرية» التي تحدد الأنشطة والخدمات مقابل تكلفة كل منها، ما يعني أفضل توظيف للموارد والنفقات، وصولاً لتحقيق أفضل النتائج إلى التصنيف الوظيفي والنظام الآلي سنة 2014، وصولاً إلى الميزانية الصفرية الخمسية 2017/‏‏‏‏ 2021.

وجاء الهدف الأساسي من تطوير عملية إعداد مشروع الميزانية في شكل خطط دورية كل خمس سنوات في تطوير مستوى الخدمات الاجتماعية والتركيز على رفع مستوى الخدمات الحكومية الذكية وزيادة نسبة رضا المتعاملين تجاه جهود الحكومة الاتحادية في توفير الرفاهية والرخاء والسعادة والأمن.

5 مراحل

ويمر إعداد الميزانية بـ 5 مراحل هي التخطيط والإعداد ثم المراجعة والاعتماد ومن ثم التنفيذ استناداً إلى القوانين والأنظمة والتعاميم والأدلة الخاصة، حيث يصدر وزير المالية في شهر مارس سنوياً تعميماً يحدد فيه الخطوط اللازمة لإعداد مشروع ميزانية للسنة التالية يشتمل على سقف الميزانية والأهداف الاستراتيجية المعتمدة والمؤشرات والتوقعات الخاصة بالإيرادات والموعد المحدد لتقديم مشروع الميزانية للوزارة، كما يُصدر تعميماً آخر بإقفال الحسابات وإعداد الحساب الختامي عن السنة المالية المنتهية.

وتحدد كل جهة اتحادية برامجها وخططها ومؤشرات أدائها الرئيسية استناداً للخطة الاستراتيجية المعتمدة من مجلس الوزراء، وفي حدود سقف الميزانية، كما تعد جميع هذه الجهات التقديرات المبدئية لإيراداتها ومصروفاتها موزعة على الأبواب والبنود والبرامج والأنشطة المتفق عليها متضمنة مقاييس الأداء ومؤشرات الكفاءة وفقاً للتعميم الذي يصدره وزير المالية ويحدد فيه موعد تقديمها.

6 خطوات

ويتم إصدار قانون الميزانية من خلال 6 خطوات، فتتولى وزارة المالية إعداد مشروع القانون السنوي لربط الميزانية، وإعداد مشروع قرار الخطة متوسطة المدى، ثم عرض المشروعين على مجلس الوزراء لمناقشتهما وإعدادهما بالصيغة النهائية التي يوافق عليها، وعرض مشروع قانون ربط الميزانية العامة والميزانيات المستقلة على المجلس الوطني قبل بدء السنة المــالية بشهرين لمناقشته وإبداء ملاحظاته بشأنه، ثم يتم رفع مشروع القانون إلى المجلس الأعلى للاتحاد مصحوباً بهذه الملاحظات، وتخطر وزارة المالية الجهات الاتحادية كافة فور صدور قانون ربط الميزانية وتبلغها بالاعتمادات المخصصة لكل منها.

موازنة خمسية

بدأت الحكومة تنتهج سياسة الموازنة الخمسية وفقاً لأعلى المعايير الدولية المعتمدة من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث تم اعتماد خطة الميزانية الاتحادية الخماسية خلال الفترة من 2017-2021 من قبل مجلس الوزراء بحجم 247.3 مليار درهم، وقد أعدت وفقاً لمبادئ الميزانية الصفرية التي تعتمدها الإمارات، وجاءت منسجمة مع المشاريع المعتمدة في استراتيجية الحكومة الاتحادية.

وتعكس الميزانية الاتحادية للسنوات الثلاث المقبلة الثقة المالية والاقتصادية التي تتمتع بها الدولة، ورسوخ أقدامها، وحرصها على المضي قدماً في تنفيذ برامجها التنموية المستدامة الموضوعة مسبقاً، وفق خطة استراتيجية طويلة المدى حتى العام 2030 في شتى المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها.

ورغم ضخامة موازنة الحكومة الاتحادية مقارنة بمثيلتها السابقة، إلا أنها وحدها لا تعكس كلياً متانة وقوة اقتصاد الدولة، لا سيما وأن هناك موازنات خاصة بالإمارات المحلية، وخصوصاً موازنتي دبي وأبوظبي، وهي جميعاً تقدم مؤشرات عامة ومهمة عن الأوضاع المالية وكفاءة الإنفاق الحكومي للدولة.

تنمية اجتماعية

وتم اعتماد الميزانية لعام 2020 بقيمة 61.354 مليار درهم، حيث توزعت اعتمادات الميزانية العامة للاتحاد للسنة المالية على القطاعات المختلفة، وحظيت القطاعات ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين وخدماتهم بالنصيب الأكثر، فقد تم تخصيص 31% من الميزانية لقطاع التنمية الاجتماعية، و14% لقطاع البنية التحتية والموارد الاقتصادية، 6.5% للمنافع الاجتماعية، 32.6% للشؤون الحكومية.

وبلغت تقديرات البرامج المخصصة للتنمية الاجتماعية والمنافع الاجتماعية 26.7 مليار درهم بنسبة 38% من إجمالي الميزانية العامة، وبلغت الاعتمادات المخصصة لبرامج التعليم العام والعالي والجامعي 10.4 مليارات درهم بنسبة 14.8% من إجمالي الميزانية، متضمنة تقديرات تكاليف برامج التعليم العام 6.7 مليارات درهم بنسبة 9.5% من إجمالي الميزانية العامة، في حين بلغت تقديرات التعليم العالي والجامعي 3.7 مليارات درهم بنسبة 5.3% من إجمالي الميزانية العامة.

ووصلت اعتمادات الرعاية الصحية ووقاية المجتمع 4.9 مليارات درهم، بنسبة 6.9% من إجمالي الميزانية العامة، لتقديم أرقى مستويات خدمات الرعاية الطبية المقدمة للمواطنين، وتحقيق رؤية القيادة لتقديم خدمات ذات جودة عالية.

برنامج الشيخ زايد

وبلغت اعتمادات برامج ضمان الحقوق الاجتماعية وتفعيل الدمج المجتمعي في وزارة تنمية المجتمع إلى 3.5 مليارات درهم، بنسبة 5% من إجمالي الميزانية العامة لتأكيد رعاية الدولة للفئات التي تستحق الدعم، وتقديم الإعانات إلى الفئات الخاصة التي تحتاج إلى الرعاية، كما خصص مبلغ 1.8 مليار درهم لبرنامج الشيخ زايد للإسكان، أي ما نسبته 2.5%من إجمالي الميزانية العامة، وذلك من أجل تقديم الدعم لتوفير السكن الملائم لمواطني الدولة.

ووصلت اعتمادات برامج المنافع الاجتماعية - المعاشات 4.6 مليارات درهم، بنسبة 6.5% من إجمالي الميزانية العامة، وذلك تنفيذاً لتوجيهات القيادة الرشيدة بتوفير الحياة الكريمة للعاملين المتقاعدين من المدنيين والعسكريين، في حين بلغت الخدمات الأخرى مبلغ 1.6 مليار درهم.

كما خصص للشؤون الحكومية العامة اعتمادات مالية بقيمة 23 مليار درهم، أي ما نسبته 32.6% من إجمالي الميزانية لإدارة الشؤون الحكومية، وخصص مبلغ 9.9 مليارات درهم للبنية التحتية والاقتصادية بنسبة 14% من إجمالي الميزانية، وتم تخصيص مبلغ 21.9 مليار درهم لبرامج التنمية الاجتماعية ما نسبته 31.1% من إجمالي الميزانية.

وخصص مبلغ 4.6 مليارات درهم للمنافع الاجتماعية، وبنسبة 6.5% من إجمالي الميزانية، ومبلغ 7.8 مليارات درهم لمصاريف اتحادية أخرى، وبنسبة 11.1% من إجمالي الميزانية.