«الخيل من خيالها» هو مثل إماراتي قديم يعني: استقامة الخيل في السير وطواعيتها إذا عرف الخيال أو الفارس كيف يعاملها ويسيرها حسبما يريد، فهو الفارس والقائد، والخيل تبقى خيلاً، وهي أنواع وسلالات كثيرة، فعالم الفروسية مليء بالدروس الإنسانية والعبر وعلم في حد ذاته، وقد ألهم الكثير من الشعراء من عرب وغيرهم في الشعر والأدب.
والخيل العربية الأصيلة مرغوبة، ليس لجمالها فقط، بل لكونها في أمر صاحبها وتحت طواعيته، حتى في أصعب اللحظات والظروف ومواقف الاختبار. ولذلك عندما ذهب أبو الطيب المتنبي مع نفر من أصحابه على خيولهم العربية الأصيلة الجائعة إلى واد جميل في بلاد فارس، شديد الاخضرار ومليء بالأشجار والزرع، خاف من ردة فعل الخيول فهي جائعة والعشب يملأ المكان الكبير، فيا له من اختبار لهذه الخيول، فوصف المتنبي اختبار أصالة خيوله الجائعة وخشيته من (الحران) وهو هروب الخيل الأصيل الجائعة للأكل، وترك صاحبها في هذه الأبيات:
طبت فرساننا والخيل حتى خشيت
وان كرمن من الحران
ملاعب جنـــــة لو ســـــار فيهـــا
سليمان لسار بترجمان
والحران سلوك قل ما تقوم به الخيل الأصيل، فهي لا تتخلى عن صاحبها حتى في خضم أشد المعارك ولا تترك خيالها وإن كانت جائعة، فهي أفضل من الخيل المهجنة وغير الأصيلة، فسلوك الخيل المهجنة أقل ولاء ومن «خيالها» أي تتبع فارسها إن حسن حسنت وإن ساء ساءت، وتترك باقي السلوك للظروف وشدتها وحسن معدنها، ومن هذا المنطلق جاء المثل الإماراتي «الخيل من خيالها».
إدارياً، أدرك الأميركيون هذه الحقيقة، فعبروا عنها بأسلوبهم واصفين ما يحدث في بعض المؤسسات لديهم وقالوا «ليس هناك موظف سيئ، لكن هناك مدير سيئ»، في إشارة إلى نفس المعنى للمثل العربي القديم «الخيل من خيالها» فطريقة تعامل القائد تلعب دوراً كبيراً في أداء وتميز فريق عمله أو في فشلهم. ليس هذا فقط، بل ينعكس رقى المدير وحزمه وأسلوبه في التعامل مع أفراد فريق عمله على المؤسسة وعلى فريق العمل، والذين هم دونه في السلم الوظيفي.
فهناك موظف أصيل كالخيل العربية الأصيلة التي وصفها المتنبي، فالولاء لديه عال لأنه غريزة ناتجة عن الأصالة والبيئة الحسنة والتربية السليمة التي نشأ فيها هذا الموظف الأصيل. وهناك موظف ساء أداؤه وقل إنتاجه بسبب مديره، فهو كالخيل التي مالت للحران (وهو الهروب) بسبب الجوع وبسبب سوء المدير الذي يدير الدفة في فريق العمل، فهذا المدير لم يستطع إخراج أفضل ما عند خيوله، وعاملهم بطريقة ساء من خلالها أداؤهم وزادت إحباطاتهم فكانت النتيجة «الحران» والخاسر الأكبر هو الوطن والمواطن.
وتكفي نظرة فاحصة لأي مؤسسة ليتم من خلالها معرفة نوعية القائد، الذي يقودها من خلال أداء المؤسسة، ونسبة رضاء الموظفين بكل جنسياتهم، ونسبة استحواذ الخيول المهجنة والخيل العربي الأصيل، وهو المواطن الأصيل في بلده الأصيل.
ونظرة واحدة إلى دبي والإمارات، وإلى جمال دبي والإمارات، ورقيهم وترتيب شؤونهم وريادتهم على مستوى العالم في مجالات عديدة، وفي تقديم الخدمات للمواطن والمقيم، كفيلة لكي يتأكد الكل، ويعي الجميع أن «الخيل من خيالها» وكل لبيب بالإشارة يفهم.
ولهذا الحديث بقية!