سمعت أبي يقول: «رأيت مواطناً يقف مع موظفي رصف الطريق بالأسفلت خلف بيتنا في المطينة. فلما ذهبت وسلمت عليه فإذا هو المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم».

كان المغفور له مؤسس دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يشرف على مشاريع تطوير الإمارة بنفسه، ومشى على هذا النهج أبناؤه وأحفاده، وكذلك الرعيل الأول المؤسس للاتحاد والجيل الذي يليه.

فهم وضعوا أسس القدوة للمجتمع: العمل بتفان لخدمة الوطن، ومارسوا قمة الأخلاق مع الكل بدون أي استثناء، حتى أصبح المقيم لا يريد العودة لبلده حتى وإن توفرت له عوامل العيش الطيب هناك. ولا أنسى ما قالته لي مديرة التسويق الكندية في إحدى مؤسساتنا الكبرى: «لا خوف على هذا البلد لرقي أخلاق قيادتها وأهلها».

ما سأكتبه اليوم هو سرد لما حدث أمام عيني وتحت سمعي عندما قال موظف في المبيعات لزميله لا أستطيع التحدث إليك لأن هذا الأمر لا يعجب المديرة المسؤولة! تجنب الموظف في هذه المؤسسة الحديث مع زملائه خوفاً من مديرته. يالها من مديرة! إن كانت من الكفاءة بمحل فهي جديرة بأعلى المناصب، أما إن كانت من السوء بمكان فينبغي كف ضررها عن الآخرين في مدينة السعادة.

ثم حدث ومع نفس الشخص وتحت سمعي وأمام عيني سؤال مدير: أتعرفون لماذا أنجح في التحدث أمامكم وأمام الآخرين فقلنا لا وكانت الإجابة الصادمة بالسوء! هذا الشخص نهج منهجاً عكس صورة سلبية عن نفسه وبلده أمام الآخرين.

قد تختلف الأقاويل في التفاسير لهذه النماذج من الأساليب الإدارية التي حصلت أمامنا وقد يكون العيب في صغار الموظفين، ولكن إذا كان العيب فيهم فهل حاول المدير إعادة تأهيلهم كما كان يفعل الرعيل الأول؟ وهل حاول ذلك الشخص توجيههم وتقديم الدعم اللازم ووضع الخطط والأهداف لهم ليكونوا أفضل؟ أم أن خيار التطفيش والتفنيش هو الأسهل؟

مهما يكن من أمر، يبرز المأزق للموظف عندما يرى القيادي والإداري الناجح، ويرى في نفس الوقت نقيض هذا السلوك في بعض الكيانات الإدارية ومن بعض الأشخاص الذين لم يشربوا من قيمنا الأصيلة قيادة وشعباً.

وينتاب الإحباط الموظف عندما يرى ثقافة الشكر والتقدير والاحترام في القائد الناجح، ويرى في الوقت ذاته ما يحدث للمواطن والمقيم عكس ذلك تماماً في بعض المواقع. فقلة الاحترام والتجريح هما الحاضران الأقوى في العلاقات لدى بعض الكيانات الإدارية. هناك فئة تتبنى النهج العكسي للنهج الرشيد وتسلك سلوك التقليل من الشأن وإسقاط الفشل على الآخرين وإرجاع الأمر الناجح لغير أهله!

ستختفي بإذن الله هذه النماذج الإدارية التي ليس لها مكان دائم بين «عيال زايد» ورقيهم ودبلوماسيتهم التي بناها المؤسسون وأكمل على نهجهم الأبناء لننعم نحن الآن بثمار نجاح هذه القيم والدبلوماسية الناجحة لقيادتنا الرشيدة والسائرون على نهجها. فلا يصح إلا الصحيح.