ردت الصين بشكل عنيف على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمزيد من التعريفات الجمركية الحمائية على المنتجات الصينية في حربه التجارية ضدها التي دخلت مرحلة كسر عظم، ولجأت الصين إلى سلاح عملتها (اليوان) وقصفت به الأسواق العالمية التي عاشت حالة رعب بتراجعات قياسية، عبر تخفيضه إلى أدنى مستوى في 10 أعوام.

كما أمرت الشركات الصينية المملوكة للدولة بتعليق وارداتها من الحاصلات الزراعية الأمريكية.

وبلغ إجمالي خسائر الأسهم الأمريكية في تداولات عاصفة ٧٠٠ مليار دولار منها ١٦٢ مليار خسائر أكبر خمس شركات تكنولوجية.

واعتبر محللون الرد الانتقامي الصيني العنيف يعني أنها فقدت الأمل بالتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول التعريفات الجمركية بين البلدين، وأن الوضع خرج عن السيطرة.

تهديد ترامب

وكان ترامب هدد الخميس بفرض تعريفات جمركية حمائية جديدة بنسبة 10% على المجموعة المتبقية من الصادرات الصينية إلى أمريكا التي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار، ما لم تشترِ الصين منتجات زراعية أمريكية. وذكر ترامب أن مفعول هذه التعريفات سيسري اعتباراً من مطلع الشهر المقبل.

وبدأت أحداث الأمس الملتهبة بقرار صيني بتخفيض العملة إذ سمحت بكين لليون بتخطي مستوى رئيسي عند سبعة يوانات مقابل الدولار لأول مرة في أكثر من عشر سنوات، وبلغ الدولار أمس داخل الأراضي الصينية 7,0304 يوانات، فيما بلغت قيمته 7,0807 خارج الصين. وتعد هذه أدنى قيمة للعملة الصينية أمام الدولار، سواءً داخل الصين أو خارجها، منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.

وفي تصعيد متلاحق للحرب التجارية ألمحت الصين أيضاً إلى احتمالية أن تفرض تعريفات جمركية حمائية على صادراتها الحديثة من الحاصلات الزراعية الأمريكية.

وفوراً ندد ترامب بالإجراء الصيني أمس، بشأن عملتها واصفاً ذلك بأنه «انتهاك كبير». وكتب ترامب على تويتر «خفضت الصين سعر عملتها إلى مستوى تاريخي متدنٍ تقريباً. هذا يسمى «تلاعباً بالعملة. هل تسمعونني يا مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)؟ هذا انتهاك كبير سيُضعف الصين بصورة كبيرة بمرور الوقت».

ونفى يي غانغ، محافظ بنك الصين الشعبي، الذي يعد بمثابة البنك المركزي، ادعاءات ترامب بأن الصين خفضت قيمة «اليوان» عن عمد كرد انتقامي على تعريفات ترامب الجمركية.

وقال غانغ: «لن تنخرط الصين في خفض عملة تنافسي، ولن تستخدم سعر الصرف لغرض تنافسي، كما لن تستخدمه كأداة للتعامل مع الاضطرابات الخارجية كالنزاعات التجارية».

دور مجلس الاحتياطي

واعتبرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن تغريدة ترامب توحي بأنه عازم على حث البنك المركزي على تخفيف السياسة النقدية لمواجهة هذا الإجراء وليس إعطاء توجيهات لوزارة الخزانة للتدخل لإضعاف الدولار.

وكان الاحتياطي الاتحادي قد خفض الأسبوع الماضي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في ظل ضبابية الوضع الاقتصادي العالمي وحالة الغموض التي تسببت فيها حرب ترامب التجارية. وألمح مجلس الاحتياطي إلى إمكانية إعلان المزيد من الخفض إذا تطلب الأمر.

وكانت ردة فعل الأسواق فورية، حيث خسرت الأسهمم الأمريكية أكثر من ٧٠٠ مليار دولار مع نهاية تدالات يوم عاصف منها ١٦٢ مليار دولار خسائر أكبر خمس شركات تكنولوجية.

وقادت شركة «أوفيس ديبو» لإمدادات المكاتب، المدرجة على «ناسداك» الذي خسر ٣٫٤٪، الشركات الأمريكية في خسائر الأمس، حيث فقد سهمها 8,3%. وفقد سهم «بست باي»، 6,7% من قيمته. وكانت «آبل» من أبرز الضحايا، بخسارة ٥,1%.

وتراجع مؤشر «إس أند بي 500» الأوسع نطاقاً للأسهم الأمريكية خلال التعاملات بأكثر من ٣٫٠% وهو أسوأ أداء له خلال العام الحالي. كما تراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي القياسي الأمريكي بنسبة ٢٫٨ %.

كما هوت الأسهم اليابانية مع تنامي مخاوف المستثمرين إزاء الحرب التجارية وفقد مؤشر نيكي 1.7 % ليواصل الاتجاه النزولي بعد خسارة كبيرة تكبدها يوم الجمعة بلغت 2.1 %. ولم تسلم الأسهم الأوروبية مع اشتداد موجة البيع العالمية، فقد سجل مؤشر «ستوكس يروب 600» - الذي يضم شركات متنوعة تنتمي إلى 17 بلداً أوروبياً - انخفاضاً في بنسبة 2,3%.

وفي المنطقة العربية تراجعت أسواق الأسهم الخليجية ما أدى لاتجاه المستثمرين إلى الأصول الأكثر أماناً.

وكان مؤشر الأسهم القطري الأكثر تأثراً بتراجعه 4.2% مبدداً كل مكاسبه خلال العام، وتراجع المؤشر السعودي 1.1% ومؤشر دبي 2% ومؤشر أبوظبي 1.9%

وعلى النقيض من الأسهم، كانت العملات المشفرة، وتحديداً «بتكوين» على موعد مع الارتفاع، حيث ارتفعت قيمة «بتكوين» أمس بنسبة 9%، لتستقر عند 11860 دولاراً، مسجلةً أعلى مستوياتها منذ ما يزيد على 3 أسابيع. وفي أسواق النفط هبط خام برنت أكثر من دولارين إلى أدنى مستوى عند 59.82 دولاراً للبرميل.

تحول للذهب

ومقابل موجة بيع الأسهم كان هناك اتجاه متزايد للاستثمار في الذهب، والسندات والعملات كبديل مؤقت عن الأسهم في ظل حالة الرعب التي اجتاحت الأسواق العالمية من تداعيات أحداث الأمس. وسجل المعدن الأصفر ارتفاعاً بنسبة 1.4% في أسعاره، حيث استقر في تداولات الأمس عند 1,460.11 دولار للأونصة، مسجلاً أعلى مستوياته منذ مايو 2013.

وتعليقاً على أحداث الأمس قال بيتر بوكفار، رئيس قسم الاستثمارات لدى مجموعة «بليكلي أدفايزوري جروب» للاستشارات: «نعيش الآن وضعاً تجارياً بات القطار فيه خارج القضبان، في ظل تعدد الآثار الجانبية نتيجة التصعيد في استخدام التعريفات، وصرنا أبعد كثيراً عن أي حل مع الصين».

فيما قال جوليان ايفانز- بريتشارد، رئيس قسم الصين لدى «كابيتال إيكونوميكس» البريطانية للاستشارات: «حينما توقف الصين الدفاع عن حاجز 7,00 يوانات أمام الدولار، فهذا يعني أنها تقريباً فقدت الأمل في أي اتفاق تجاري مع أمريكا».