تتصدر مدينة حتا كل شتاء مشهداً سياحياً ساحراً، حيث أصبحت في السنوات الأخيرة ملاذاً للاسترخاء، ومطلباً لعشاق الوديان، بسبب طبيعتها الجبلية والزراعية من جهة، وزيادة الخدمات السياحية من جهة أخرى، هذه الخدمات حولتها أيضاً إلى مدينة جاذبة للسياحة الداخلية وتحديداً لأولئك الراغبين في التأمل والهدوء.

وتعد حتا من جهة أخرى مدينة زاخرة بالتاريخ الذي ينساب مع أفلاجها ويستظل تحت نخيلها، حيث تشتهر بأفلاج تاريخية تسمى بالأفلاج الداوودية، وأشهرها (الشريعة)؛ الفلج التاريخي الذي أضحى مزاراً للسياح المتطلعين بشغف لأسرار التاريخ، ذلك النفق القديم يمتد جالباً الماء من مصادره في بطون جبال حتا ليصب في مناطقها الزراعية المسطحة.

وتعود تقنيات بناء الأفلاج الداوودية في مجملها إلى أكثر من 3 آلاف سنة، ولم يبح فلج الشريعة في حتا بأسراره كلها، حيث البحوث قائمة لاستنطاقه عن هندسته وتصميمه والبيئة التي أنشئ فيها؛ والكشف عن كل تفاصيله المثيرة للباحثين بما يحويه من أبعاد تاريخية واجتماعية فريدة تستحق الوقوف عليها.

وبالسؤال عن تاريخ الفلج ومن بناه، يُشير الباحث في شؤون تاريخ حتا، أحمد ماجد البدواوي، إلى تواتر الروايات بأن أسلافهم في المنطقة التي عاشوا فيها منذ مئات السنين، قد أعادوا اكتشاف وترميم الفلج قبل نحو 300 سنة.

وقد ساعد اكتشاف الفلج على تعزيز الاستقرار في المنطقة، ومَكّنَ أبناءها من ممارسة الزراعة والتوسع فيها وإنشاء مزارع النخيل في محيطها، الأمر الذي دفع الأهالي إلى استحداث طريقة منظمة لتوزيع مياه الفلج بين مزارعهم، استناداً إلى جدول زمني يرصد أحقية كل مزارع من مياه الفلج في توقيت معين من الأسبوع.

وعند بيع الأرض الزراعية كانت وثائق البيع تنص على بيع الأرض وحصة الماء المرتبطة بها من الفلج، ولا يزال الأهالي في حتا يحفظون هذا التوزيع لمياه فلج الشريعة، فيطلب المزارعون من أصحاب المزارع التي تقع حول مساراته العليا التقليل من سحبهم للمياه الجوفية المحيطة بالفلج الداوودي، لتوفير حصة كافية لهم من الماء.

أما بناء الفلج الداوودي في شريعة حتا، أو النفق الذي يدفع بالمياه، فيتكون من ثمانية ثقوب، وعمقه من ستين إلى سبعين متراً تحت الأرض، والثقب فتحة من ظهر الأرض وتمتد إلى بطن الفلج نفسه، لتوفر التهوية، ومن خلالها يستطيع الناس النزول فيها من أجل الصيانة لمقاطع الفلج المختلفة.

أقدم وقف

ومما يدعو للاهتمام في منطقة الشريعة بحتا، المساحة الزراعية المتاخمة لمورد الفلج، والتي تعد أقدم وقف موثق في تاريخ دولة الإمارات حسب الوثائق المتوارثة. إذ تشير وصية الشيخ سيف بن محمد بن أحمد بن بدوة (البدواوي) إلى وقفه هذه الأرض الزراعية لأعمال الخير منذ نحو 125 عاماً.

وقد أشارت الوصية إلى صرف دخل هذا الوقف الزراعي وغلته في أوجه معلومة، فمنها ما ينفق لمسجد الشريعة وإمامه، ومنها ما يوهب لسبلة القرية التي كان يلجأ لها الزائر الغريب للتزود بالطعام والماء، ومنها ما ينفق لشراء الأكفان ووهبها لفقراء القرية عند دفنهم ومنه ما ينفق في الأعياد.

السياحة في المدن الصغيرة والمزدانة بالطبيعة تحتاج أيضاً الوقوف والتأمل أمام تفاصيلها العلمية ومنابعها العبقرية مثل منبع الفلج المشهور الآن لدى الناس في حتا، مثل الفلج الصغير الذي يمر ماؤه في القرية التراثية ويمتد إلى مجموعة أخرى من النخيل غير النخيل التي تسقى من الفلج الرئيس.

أضف إلى ذلك فلج الحيل الذي يقع في منطقة الحيل، وفلج ابن قِفيّر الذي يعود أثره إلى منطقة سهيلة في حتا، وفلج ليم الذي يقع في منطقة ليم، وغيرها من الأفلاج الرائعة الواقعة في حتا.

وفي الفترة الماضية، قامت بلدية دبي بإعادة حفر الجزء الأخير من الفلج، وبالتحديد من الثقب الأخير من الفلج إلى مصبه، وقامت ببناء نفق أكبر للفلج يتسع لمرور الإنسان بسهولة، وذلك لإتاحة الفرصة للسياح لخوض غمار المشي في الفلج تحت الأرض والاستمتاع بتجربة فريدة لن يجدها سوى في حتا.