منذ أن بدأت دبي مسيرة نهضتها في مطلع ثمانينيات، أو لمزيد من الدقة، نهاية سبعينيات القرن الماضي، كانت الفكرة الأساسية في أذهان قادتها أن تقوم نهضة الإمارة على استقطاب أكبر عددٍ ممكن من الاستثمارات والشركات الأجنبية من أنحاء العالم كافة. ونجحت الفكرة، وتُرجمت على أرض الواقع، وهو ما يتمثل في حقيقة أن دبي تشغل حالياً مكانة الصدارة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في استضافة المقار الإقليمية بالمنطقة لكبريات الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات.

ثمة العديد من المؤشرات والتصنيفات العالمية التي توثق هذه الحقيقة وتؤكد صحتها، وتعكس حقيقة أخرى مفادها أن دبي باتت بالفعل واحدة من أبرز المُدُن عالمياً في استقطاب الشركات العالمية المرموقة لتأسيس تواجدها الإقليمي بالمنطقة منها. ونرصد فيما يلي شواهد صدارة دبي الإقليمية وتفوقها العالمي اللافت كوجهة رئيسية لمكاتب الشركات الكبرى.

- دبي الخامسة عالمياً في استضافة مقار الشركات:

في مطلع فبراير الماضي، أجمع خبراء اقتصاديون على اختيار دبي كأفضل وجهة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والهند، والخامسة في العالم لاستضافة مقار الشركات والمؤسسات التجارية، وذلك من واقع نتائج تقرير «المدن البحرية الرئيسية في العالم 2022».

ويُعد التقرير بمثابة دراسة نرويجية مشتركة بين شركة «مينون إيكونوميكس» النرويجية للأبحاث والتحليلات الاقتصادية وجمعية ديت نورسك فيريتاس «دي إن في» المعتمدة عالمياً للتسجيل والتصنيف في مختلف القطاعات.

وذكر التقرير أن جاذبية دبي للأعمال التجارية قد تعززت كثيراً في غضون الأعوام الماضية.

وأضاف إن هذه الحقيقة تجلت في تصنيف دبي كأفضل وجهة إقليمياً وخامس أفضل وجهة عالمياً وفقاً لاختيارات الرؤساء التنفيذيين المشاركين في الاستبيانات المتنوعة التي تضمنها التقرير، وذلك في المؤشر الفرعي الخاص بانتقال المقار الرئيسية للشركات.

وتفوقت دبي في هذا المؤشر الفرعي على أوسلو وهامبورغ وكوبنهاغن وروتردام ونيويورك وليماسول وأثينا وطوكيو، والتي جاءت في المراكز من السادس إلى الـ13، على التوالي. ومن الجدير بالذكر أن أبوظبي فازت بالمركز الثاني إقليمياً والـ14 عالمياً على هذا المؤشر الفرعي. وكانت المراكز الأربعة الأولى على المؤشر من نصيب سنغافورة، لندن، شنغهاي، وهونغ كونغ، على التوالي.

- دبي الأفضل إقليمياً والـ 11 عالمياً للشركات الناشئة:

في 22 من سبتمبر الماضي، نالت دبي المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والـ 11 عالمياً على مؤشر النُظُم البيئية للشركات الناشئة لعام 2021، الصادر أمس عن مؤسسة «ستارت أب جينوم» الأمريكية المتخصصة في شؤون الشركات الناشئة حول العالم.

وقفزت دبي هذا العام 7 مراكز، مُقارنة مع ترتيبها على المؤشر في إصدار 2020، ما يعكس القفزات الهائلة التي تحققها دبي خلال الأعوام الأخيرة فيما يتعلق باحتضان الشركات الناشئة ودعمها.

ونالت دبي العلامة الكاملة «10 من أصل 10 درجات» على مؤشرين فرعيين، هما «تمويل الشركات الناشئة» و«قدرة الشركات الناشئة على الوصول إلى السوق». ونالت دبي 8 درجات على المؤشر الفرعي «أداء الشركات الناشئة»، فيما نالت 4 درجات على مؤشر «المواهب». كما حصدت دبي ثاني أفضل نظام بيئي إقليمي للشركات الناشئة من حيث الأداء، والأول عربياً.

وتفوقت دبي على بروكسل، بريستول، «مانشستر- ليفربول»، إسطنبول، ديترويت، لشبونة، بورتلاند، هيوستن، وهلسنكي، والتي جاءت في المراكز من 12 إلى 20، على التوالي. وأفرد المؤشر مساحة كبيرة للحديث عن «دستريكت 2020»، المدينة المُستقبلية المخصصة للشركات الناشئة ضمن «إكسبو 2020 دبي»، المُنتَظر افتتاحه بعد 8 أيام.

وذكر المؤشر أن «دستريكت 2020» ستكون بمثابة نظام بيئي عالمي للابتكار، حيث يعمل على تحقيق الاتصال بين البشر، الشركات، التقنيات، الصناعات، الكيانات المعنية بالبحث والتطوير، والجهات الأكاديمية. وعلاوة على ذلك، ستدعم «دستريكت 2020» أجندة دبي المستقبلية ونمو اقتصاد الإمارات اعتماداً على الابتكار.

ويُصنف المؤشر مُدُن العالم استناداً إلى حاصل جمع الأرصدة التي تنالها كل مدينة في 4 مؤشرات فرعية.

وكانت صدارة المؤشر من نصيب مومباي، فيما حلت كوبنهاغن ثانية، وجاكرتا ثالثة. وجاءت جوانزو، برشلونة، استونيا، ووشي، مدريد، زيوريخ، وميامي، في المراكز من الرابع إلى العاشر، على التوالي.

- دبي تستأثر بنسبة 39% من الشركات الناشئة سريعة النمو بالمنطقة:

في 28 من مارس الماضي، أطلقت غرفة دبي للاقتصاد الرقمي، تقريراً حديثاً، أمس، بالتعاون مع «مايند ذا بريدج» و«كرانش بايس» حول المشهد العام للشركات الناشئة سريعة النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أظهر التقرير ريادة دبي ودولة الإمارات في مجال الشركات الناشئة ذات النمو السريع.

وعززت دبي مكانتها كعاصمة عالمية تقنية للشركات الناشئة سريعة النمو باستحواذها حتى ديسمبر 2021 على 39% من الشركات الناشئة ذات النمو السريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أي 229 شركة، ومستقطبةً حوالي 57% من إجمالي التمويل الذي حصلت عليه الشركات الناشئة ذات النمو السريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أي 5.2 مليارات دولار.

- دبي لها جاذبية خاصة لشركات التقنية العالمية:

تستقطب دبي كافة الشركات العالمية من كافة الصناعات العالمية، إلا أن كبريات الشركات التقنية العالمية بصفة خاصة ترى في دبي من المميزات ما يجعلها تؤسس مقارها الإقليمية بها:

1- «غوغل» تنقل غالبية موظفيها في روسيا إلى دبي:

في 18 من مايو الجاري، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية نقلاً عن مصادر مُطلعة بأن شركة «غوغل» التي تُدير محرك البحث الأشهر الذي يحمل نفس اسمها قد نقلت غالبية موظفي مكتبها في روسيا، وأن الجزء الأكبر منهم قد توجه إلى دبي، حيث تمتلك الشركة مكتباً كبيراً يقع في «مدينة دبي للإنترنت».

وبحسب الصحيفة، فإن هذه الخطوة من جانب «غوغل» تأتي في سياق اعتزامها إنهاء تواجدها التجاري في روسيا خلال المستقبل القريب. وأضافت الصحيفة أن فرع «غوغل» في روسيا يخطط لإشهار إفلاسه، ومن ثم إنهاء كافة عملياته التجارية بصورة فعلية.

2- دبي المقر الإقليمي لشركة «ميتا»:

كان سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، قد أكد خلال افتتاح المقر الإقليمي لشركة «ميتا» العالمية في مدينة دبي للإنترنت يوم 7 مارس الماضي، بحضور شيريل ساندبرج الرئيس التنفيذي للعمليات في «ميتا»ـ أنه بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تواصل دبي التوسع في شراكاتها مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية ضمن رؤية طموحة هدفها تحقيق الريادة في صُنع المستقبل، مؤكدةً موقعها كمقر لأهم صُنّاع التكنولوجيا في العالم، بما توفره من بنية تقنية متطورة، وبيئة داعمة للأعمال وجاذبة للكفاءات ومشجعة للاستثمارات.

ورحّب سمو ولي عهد دبي وقتها بانضمام شركة «ميتا» العالمية إلى مجتمع دبي المتنامي من المؤسسات الكبرى العاملة في مجالات المال والأعمال والتكنولوجيا والإعلام، مثمناً اختيارها دبي مقراً لها لخدمة الملايين من مستخدمي منصاتها في المنطقة، ولافتاً سموه إلى ما توفره دبي للشركات العالمية الكبرى العاملة في مختلف المجالات من مناخ داعم للابتكار والجاذب لأفضل المواهب والكفاءات، متمنياً سموه كل التوفيق للشركة ومؤكداً كامل الدعم لفريقها في دبي بما يمكنها من تحقيق أهدافها وممارسة أعمالها على أفضل وجه ممكن.

- دبي الأولى إقليمياً في استقطاب المكاتب الجديدة للشركات:

في فبراير 2021، عزّزت دبي مكانتها الريادية، باعتبارها الوجهة الأولى لافتتاح المكاتب والمقرات الإقليمية للشركات الدولية الراغبة في خدمة عملائها في الشرق الأوسط والمناطق المجاورة، والتي تتخذ قراراتها فيما يتعلق بمكاتبها الإقليمية وفق سياسات طويلة الأجل، إلى جانب جذب الشركات الناشئة وأصحاب المواهب ورؤوس الأموال والبنية التحتية المادية والرقمية.

وتصدّرت دبي، وبفارق كبير عن بقية مدن الشرق الأوسط، حيث تستأثر وحدها بقرابة نصف المكاتب والمقرات الجديدة التي تفتتحها الشركات الأجنبية في المنطقة بأكملها، وفق مؤشر «إف دي آي ماركتس» القائمة التي أصدرتها أخيراً مجلة «إف دي آي إنتلجنس» المتخصصة في شؤون الاستثمار الأجنبي حول العالم، والتابعة لمؤسسة «فايننشال تايمز».

ويصل عدد فروع الشركات الأجنبية العاملة في دبي والمرخصة من قبلها إلى 1429 فرعاً، فيما يصل عدد فروع الشركات الخليجية إلى 583 فرعاً، بحسب أحدث بيانات صادرة عن «اقتصادية دبي».

تفوق دبي يتسق مع تفوق الإمارات

لم تأت صدارة دبي إقليمياً وتميزها عالمياً في استضافة المقار الإقليمية لكبريات الشركات العالمية من فراغ، أو حتى نتاج اجتهاد فردي من جانب دبي، وإنما جاء في سياق صدارة إقليمية في هذا الشأن من جانب دولة الإمارات ككل. وهذا ما يتضح من خلال الصدارة الإقليمية والمراكز العالمية المتقدمة التي لا تتخطى المراكز الــ 10 أو الــ 15 الأولى على أدنى تقدير، التي نالتها الإمارات في أكثر من مؤشر يرصد استضافة المكاتب الإقليمية للشركات العالمية خلال السنوات الأخيرة.

ففي 31 من أكتوبر الماضي، احتلت دولة الإمارات المركز الأول في استضافة المقار الإقليمية للشركات المُدرجة بقائمة فوربس الشرق الأوسط السنوية «العالمية تلاقي المحلية»، إذ تتخذ 48 شركة من أصل 50 (بنسبة 96%) الإمارات مقراً إقليمياً لها. كما تسلط القائمة الضوء على 50 رئيساً تنفيذياً يقودون المكاتب الإقليمية لشركات ضمن تصنيف فوربس لأكبر 2000 شركة عامة حول العالم (Global 2000).

وينتمي المسؤولون التنفيذيون في القائمة إلى 28 جنسية، ويتصدر لبنان وفرنسا بخمس مشاركات لكل منهما، تليهما بريطانيا ومصر بأربع لكل منهما.

وتم تصنيف كبار القادة في مقار تلك الشركات في الشرق الأوسط بناءً على عدة عوامل، مثل الدور ونطاق التأثير، وحجم الشركة، والإنجازات الشخصية، والتقدير العام لدورهم.

وتضمن التقرير أقوى 10 رؤساء تنفيذيين ضمن القائمة العالمية يتخذون من الإمارات مقراً إقليمياً لأعمالهم وهم نبيل حبايب (لبناني - أمريكي) نائب أول للرئيس في جنرال إلكتريك والرئيس والمدير التنفيذي في جنرال إلكتريك العالمية، وعمر الشناوي (مغربي) الرئيس التنفيذي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والهند والشرق الأوسط وأفريقيا لشركة «بروكتر أند جامبل»، وسامر أبو لطيف (لبناني) نائب رئيس مايكروسوفت ومدير الشركة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وريمي إجل (لبناني – فرنسي) رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا لشركة «نستله»، وراغو مالهوترا (هندي) رئيس ماستركارد في الشرق الأوسط وأفريقيا، وستيفن موس (بريطاني) العضو المنتدب للمجموعة والرئيس التنفيذي الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا وتركيا لمصرف «اتش اس بي سي»، وموفق كانغي (أمريكي) الرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لشركة «ماكدونالد»، وكاسبر هيرزبرج (ألماني) رئيس منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لشركة «شنايدر إلكتريك»، وباتريك فان دير لو (هولندي) الرئيس الإقليمي لشركة فايزر في أفريقيا والشرق الأوسط لشركة «فايزر»، ورونالدو مشحور (سوري) نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا لشركة «أمازون».

- الإمارات الأولى إقليمياً والسادسة عالمياً في استضافة مقار الشركات متعددة الجنسيات:

في الثالث من فبراير 2021، تبوأت الإمارات مرتبة الصدارة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمركز السادس عالمياً على مؤشر أفضل البلدان لاستضافة مقار الشركات متعددة الجنسيات لعام 2021 والذي أصدرته «سي إي أو وورلد».

ويرصد مؤشر المجلة الأمريكية أفضل 78 دولة لاستضافة مقار الشركات والمؤسسات متعددة الجنسيات هذا العام، بعد أن منحت كل دولة رصيداً نهايته العظمى من 100 درجة، من وقائع نتائج استبيان أجرته المجلة خلال الفترة من الثاني وحتى الــ 30 من يناير الماضي، بالمشاركة مع «المعهد العالمي لسياسات الأعمال التجارية» الذي يضم 260.000 شخص من صانعي القرارات بالمؤسسات التجارية.

وحصلت الإمارات على 65.27 درجة في الرصيد الإجمالي. وتفوقت الإمارات على هولندا التي نالت المركز السابع وحصلت على 64.14 درجة، كما تفوقت أيضاً على كلِ من السويد، المملكة المتحدة، نيوزيلندا، لكسمبورغ، الولايات المتحدة، النمسا، سنغافورة، النرويج، فنلندا، اليابان، إيطاليا، فرنسا، تايلاند، تايوان، إسبانيا، الهند، البرتغال، كوريا الجنوبية، بلجيكا والصين، والتي صُنّفَت في المراكز من الثامن إلى الــ 27 على التوالي.

وكانت صدارة المؤشر من نصيب الدنمارك، والتي حصلت على رصيد بلغ 71.78 درجة، وجاءت ألمانيا في المركز الثاني برصيد 68.04 نقطة، فيما حلت أستراليا ثالثة برصيد 67.16 درجة، وكان المركز الرابع من نصيب كندا، والتي حصلت على 66.39 درجة، والخامس من نصيب سويسرا التي حصلت على 66.06 درجة.