أكد سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، رئيس مجلس إدارة مصرف الإمارات المركزي، أن النظام المصرفي بالدولة يتبنى أفضل الممارسات الدولية، ما رسخ الثقة والمصداقية في قطاع الخدمات المالية في الإمارات.
وقال سموه في كلمته بالتقرير السنوي لـ«مصرف الإمارات المركزي» لعام 2021: بفضل الله، ونتيجة للرؤية السديدة والسياسات الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، تمكنّا في دولة الإمارات من المحافظة على ريادة اقتصاد بلدنا، والرفع من مستوى تنافسيته، رغم ما أسفرت عنه جائحة «كوفيد 19» من تحديات اقتصادية جمّة.
وأضاف: تعكس هذه القدرة الفريدة على مواجهة تداعيات الجائحة، ما نوّه به صندوق النقد الدولي، ضمن تقريره السنوي لعام 2021، حيث أشاد باستجابة الدولة بشكل قوي، واستباقي، لتأثيرات الوباء، لافتاً إلى أن الإمارات واصلت تنفيذ سياساتها الرامية إلى دعم النمو الاقتصادي.
وأضاف سموه: إن سِمة المرونة التي يتميز بها النظام المصرفي ونظام التأمين المُطبّق في دولة الإمارات، أدّت دوراً بارزاً في تحديد المعيار المرجعي للتعامل مع الأزمات المستقبلية، دون المساس بمبادئ الإدارة السليمة للمخاطر، وبفضل السياسات التي تم إقرارها في هذا الصدد، تمكّن مصرف الإمارات المركزي من الانسجام مع أفضل الممارسات الدولية، ما رسخ الثقة والمصداقية في قطاع الخدمات المالية في الدولة.
هدف استراتيجي
وقال سموه: يتماشى هذا النجاح مع الهدف الاستراتيجي الذي حدده المصرف المركزي، في رسالته ضمن خطته الاستراتيجية «2023-2026»، بأن يكون في مصاف أفضل البنوك المركزية على الصعيد العالمي، من حيث تعزيز آليات الاستقرار النقدي والمالي للدولة، ودعم تنافسية اقتصادها سعياً لتحقيق ما تضمنته رؤية الحكومة للعقود الخمسة المقبلة من أهداف تنموية كبرى.
وتابع سموه: احتفاءً بالذكرى الخمسين لتأسيس الدولة، أصدر المصرف المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة الـ50 درهماً، مصنّعة من مادة «البوليمر» التي يمكن إعادة تدويرها بالكامل، كما أصدر عدداً من المسكوكات التذكارية من الفضة بهذه المناسبة، تجسيداً لدور المصرف المركزي في دعم مسيرة الدولة الحافلة بالإنجازات والمبادرات الريادية.
وأشاد سموه بالجهد المبذول من المصرف لتعزيز نظام مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وقال: «لا مكان للأموال المشبوهة في النظام المالي لدولة الإمارات».
ونوه سموه إلى إنشاء المصرف المركزي «مجموعة عمل التمويل المستدام»، بالتعاون مع وزارة التغيّر المناخي والبيئة، والهادفة لتنسيق السياسات بين الجهات الوزارية والمؤسسات المالية الرئيسية، في وقت تستعد فيه أبوظبي لاستضافة مؤتمر الدول الأطراف (COP28) بشأن تغيّر المناخ نوفمبر 2023، الحدث الذي يمثل شهادة دولية بالتزام الإمارات في مجال الاستدامة، حيث تؤدّي آليات التمويل والاعتبارات المالية دوراً رئيسياً في صياغة المستقبل في هذا الميدان.
وتقدم سموه في ختام كلمته بخالص الشكر والتقدير إلى محافظ مصرف الإمارات المركزي، وفريق عمله المتخصص، على جهودهم المتواصلة، وتفانيهم للمحافظة على استقرار ومرونة القطاع المالي، وتحسين قدرته على الاستجابة لكافة التحديات، بما يلبي تطلعات القيادة الرشيدة، ويضمن ازدهار الوطن، ونمو اقتصاده، ورفاهية شعبه.
تحديات وفرص
من جانبه، قال خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات المركزي، إن 2021 شهد مزيجاً من التحديات والفرص، وأدى مصرف الإمارات المركزي دوراً حيوياً لتعزيز جهود الدولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة، وذلك من خلال تطبيق منهجية صارمة قائمة على السياسات على مؤسسات قطاعي البنوك والتأمين التي تخضع لإشرافه استجابةً للتطورات الاقتصادية، وممارسة لدوره القيادي في الأوقات العصيبة.
وأكد أن النظام المصرفي بالإمارات يتمتع بمستوى جيد من رأس المال والسيولة، ويمتلك القدرة على دعم خطة النمو في الدولة. وقد أظهرت اختبارات القدرة على تحمُّل الضغط، التي تم إجراؤها بغرض استكشاف مواطن الضعف المحتملة في مؤسسات القطاع المصرفي، أن النظام المالي بالدولة يتمتع بالمرونة والقدرة على تحمّل مختلف السيناريوهات السلبية، مع الاحتفاظ بمستوياتٍ كافيةٍ من رأس المال والسيولة.
وأضاف: بموازاة ذلك، عمل المصرف المركزي على إعادة التوازن في خطة الدعم الاقتصادي الشاملة الموجّهة، باستبدال التدابير المصممة لتقليل الضغوط، التي فرضتها الجائحة على قطاعات التجزئة والشركات والمصارف، بمبادرات موجّهة وإجراءات تدعم انتعاش الاقتصاد.
وتابع: واصل المصرف المركزي جهوده الرامية لتحديث إطار العمليات النقدية، عبر إطلاق الإطار النقدي للدرهم، متضمناً إصدار أذون نقدية، وإطلاق أدواتٍ نقديةٍ جديدةٍ لإدارة السيولة ووضع التوقعات لتسهيلات السيولة خلال اليوم الواحد ومتوسط مؤشر الدرهم لليلة واحدة والذي يُسمى (دُنيا).
ونسعى لزيادة استخدام الدرهم في تسوية المعاملات ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، ومع الشركاء التجاريين الدوليين، بغرض تخفيف الضغط على المؤسسات والشركات المحلية، وتأمين السيولة بالعملة الأجنبية للمعاملات عبر الحدود.
إطار رقابي
وأوضح أن التحسينات على الإطار الرقابي التي أجريت في سنة 2021 تضمنت تغييرات في متطلبات رأس المال المدفوع للبنوك، ومعايير حماية المستهلك، وتنظيم المدفوعات الرقمية، والاستعانة بمصادر خارجية لتوفير الخدمات، واستكمال دمج هيئة التأمين في المصرف المركزي، وما نجم عنه من اتخاذ تدابير لتعزيز دوره الإشرافي والرقابي في قطاع التأمين، بالإضافة إلى انضمام 120 موظفاً.
وقال إن من شأن نموذج التشغيل المستهدف الجديد والهيكل التنظيمي للمصرف المركزي أن يدعما أداء العمليات الداخلية لمواجهة تحديات المستقبل، ومقابلة متطلبات القطاع المالي في الدولة.
وفي ما يتعلق بالتنمية البشرية، قال: شدّد المصرف المركزي على أهمية دور إدارة الموارد البشرية في تطوير أداء العمل المالي والمصرفي، من خلال زيادة نسبة التوطين، وتوسيع فرص التدريب المهني. وتضمنت هذه الفرص إطلاق مبادرة تدريب رائدة في مجال الإشراف القائم على المخاطر، بالتعاون مع المعهد المصرفي الإيرلندي.
وعلى صعيد الأمن السيبراني، الذي يشهدُ أهميةً متزايدة، قال إن المصرف المركزي أجرى تدريباً عملياً، هو الأول من نوعه في الإمارات، لمحاكاة الهجمات السيبرانية، بهدف اختبار المرونة السيبرانية للقطاع المصرفي، وقدرته على التعامل مع هذه الهجمات الإلكترونية المتطورة، التي باتت خطراً ملموساً في مشهد التهديدات حول العالم.
تكنولوجيا مالية
وفي مجال التكنولوجيا المالية، قال إن المصرف المركزي أطلق العديد من المبادرات المهمة، منها مشروع منصة «الجسر» للعملات الرقمية المتعددة للبنوك المركزية، الذي يهدف لتحسين معاملات تحويل الأموال عبر الحدود، و«الاستراتيجية الوطنية لأنظمة الدفع»، بغية تحديث البنية التحتية للمدفوعات.
إنجازات
واستعرض التقرير السنوي للمصرف المركزي أهم الإنجازات والنتائج المتحققة، والمبادرات والمشاريع التي تم إطلاقها لدعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز مرونة القطاع المالي لبناء مستقبل أفضل للنظام المالي في الدولة.
وعبّر المصرف عن فخره واعتزازه بدوره الحيوي والأساسي في تعزيز جهود الإمارات لاحتواء التحديات المالية والاقتصادية الناجمة عن جائحة «كوفيد-19»، وذلك عن طريق تطبيق نهجٍ مبني على السياسات الفاعلة في قطاعي البنوك والتأمين، الخاضعين لرقابته وإشرافه.
وأشار إلى النتائج المتحققة على مستوى النشاط الاقتصادي في الدولة، والذي بدأ بالازدهار مجدداً، بعد نجاح الدولة في احتواء التداعيات الصحية والاقتصادية للجائحة، حيث قفز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الدولة إلى 3.8% في 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.4% في 2022، بينما ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 5.3% في 2021.
كما تشير التقديرات إلى أن فائض الحساب الجاري في ميزان المدفوعات ارتفع من 77.5 مليار درهم في عام 2020 إلى 176.2 مليار درهم عام 2021، نتيجة زيادة الصادرات النفطية وغير النفطية، بالإضافة إلى ارتفاع الفائض في ميزان الخدمات. وظل النظام المصرفي في الدولة متمتعاً بمستوى جيد من الرسملة والسيولة، حيث تعكس مؤشرات حقوق الملكية والأصول السائلة وغيرها تحسن أوضاع السيولة في السوق.
وتدعم هذه النتائج، تقديرات المركزي التي تشير إلى أن التعافي الاقتصادي في الإمارات يكتسب زخماً مطرداً، نتيجة الاستجابة المبكرة والقوية للتحديات وتداعياتها المختلفة، وسياسات الاقتصاد الكلي الداعمة، والقرارات المناسبة، والقيادة الناجحة لمجلس إدارة المصرف المركزي برئاسة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان.
دعم اقتصادي
واستعرض التقرير أبرز إنجازات المصرف في 2021، والمتمثلة بعدة محاور رئيسية منها، متابعة تنفيذ خطة الدعم الاقتصادي الشاملة الموجهة، وتعزيز جهود مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، والتدابير المتخذة لتعزيز مرونة النظام المالي في الدولة، والإجراءات المتخذة لضمان أداء إشرافي ورقابي على قطاعي البنوك والتأمين، والأدوات الجديدة لإدارة السوق النقدي في الدولة، والمبادرات في مجال التمويل الأخضر والمستدام، والمشاريع المنفذة والمخططة في مجال التحول الرقمي وتحسين نظم الدفع وتعزيز قطاع التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى المبادرات بشأن تطوير الجاهزية في مواجهة التهديدات السيبرانية والمخاطر التشغيلية الأخرى.
وسلط التقرير الضوء على خطوات الدعم التي اتخذها المصرف المركزي لمساعدة الشركات والأفراد في الدولة، والذين تأثروا بانخفاض الطلب وزيادة التكاليف، وذلك في إطار خطة الدعم الاقتصادي الشاملة الموجّهة التي تمت إعادة تحقيق التوازن إليها عام 2021، لتحل الخطوات الأكثر تركيزاً لتحقيق التعافي في جميع المجالات، محل الإجراءات المصممة لتخفيف الضغوط على قطاعات التجزئة والشركات والبنوك.
استقرار نقدي
وفي إطار تعزيز دوره كجهة تنظيمية للقطاع المالي في الدولة، قدم المركزي مجموعة من الإجراءات والعمليات الداخلية لتعزيز الاستقرار النقدي والمالي للدولة، وضمان الوصول إلى السيولة، بالإضافة إلى تقديم إطار إشرافي رشيد قائم على المخاطر في القطاع المالي.