مع الانتشار الطاغي لوسائل الاتصال العصرية المعتمدة بالأساس على شبكة «الإنترنت»، كان من الطبيعي أن يخرج إلى النور نموذج اقتصادي جديد مغاير تماماً لما سبقه من نماذج، ويتميز بقدرته على الاستغلال الأمثل للقدرات الفائقة التي تتمتع بها هذه الوسائل العصرية، وهو نموذج «الاقتصاد التشاركي». 

جلب نموذج «الاقتصاد التشاركي» لعالم الأعمال التجارية مفهوماً جديداً ونموذجاً ثورياً لكيفية بناء عمل تجاري ناجح. نستعرض فيما يلي مفهوم الاقتصاد التشاركي، وأبرز أمثلته وآفاقه المستقبلية في الإمارات والعالم.

ما الاقتصاد التشاركي؟

هو باختصار نموذج جديد لاستهلاك السلع وتلقي الخدمات اعتماداً على التعاون بين طرفين أو أكثر في توصيل السلع والخدمات للعميل عبر «الإنترنت»، وذلك من خلال منصات تستخدم تطبيقات الهواتف الذكية في التواصل مع العميل.

منصات الاقتصاد التشاركي:

توجد 5 أنواع لمنصات الاقتصاد التشاركي، وهي:

1- منصات تعتمد على المشاركة بين طرفين أو أكثر في تحمل كلفة خدمة أو سلعة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك منصة «لايف شير» البريطانية للمشاركة في استخدام السيارات.

2- منصات تعتمد على المشاركة بين عدة أطراف في توفير المعلومات للعميل، مثل موقع «ويكيبيديا» الشهير.

3- منصات قائمة على التشارك في محل الإقامة أو وجهة قضاء العطلات، مثل شركات اقتسام الوقت «تايم شير» أو في مقر العمل، مثل شركة «اير بي إن بي» الأمريكية الشهيرة.

4- منصات قائمة على طلب الخدمات عبر تطبيقات الهواتف الذكية، كتطبيقات النقل التشاركي مثل «أوبر» و«كريم»، وتطبيقات توصيل الطعام إلى المنازل مثل «دليفرو» و«طلبات».

5- منصات توظف مفهوم النقل التشاركي في التجارة الإلكترونية، من خلال تسليم البضائع في سيارات خاصة بأفراد، مثل برنامج «أمازون فليكس» الشهير الذي طورته شركة «أمازون» الشهيرة للتسوق الإلكتروني.

عوامل ازدهار الاقتصاد التشاركي:

• ازدهار الرقمنة عموماً، وزيادة التوجه إلى استخدام تطبيقات الهواتف الذكية في تسيير مختلف شؤون الحياة اليومية.

• ظروف عالمية طارئة قد تجبر عدداً كبيراً من سكان العالم على نمط حياة غير تقليدي، ولعل تفشي جائحة «كوفيد19» يعد أبرز وأحدث مثال على ذلك.

• الخوف من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمي في بعض دوراته، الأمر الذي يقتضي تطوير نماذج اقتصادية جديدة غير تقليدية لا تعتمد على الملكية الخاصة تسهم في تحريك عجلة النمو الاقتصادي.

• ارتفاع كلفة التصنيع، وأيضاً ارتفاع كلفة الملكية الخاصة.

• ضعف الثقة في الاقتصاد التقليدي ومؤسساته.

• المخاوف البيئية المتعلقة بالتأثير السلبي للأنشطة الاقتصادية التقليدية على المناخ.

وقال عارف أميري، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي: ثمة نهوض على نحو استثنائي شهده الاقتصاد التشاركي في غضون السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة بعد تفشي جائحة «كوفيد19»، والتي أجبرت الشركات على إعادة تقييم نماذج أعمالها التجارية، بالتزامن مع سعيها لتلبية الطلب المتنامي على الخدمات.

واكتسب الاقتصاد التشاركي رواجاً أيضاً مع زيادة القدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت والارتفاع في مستويات انتشار الهواتف النقالة، وبصفة خاصة في هذا الجزء من العالم.

ومع زيادة مستوى الإلمام بالرقمنة، وظهور عدد متزايد من صغار رواد الأعمال بأفكار مثيرة للاهتمام عن مزاولة الأعمال التجارية عبر الإنترنت، ورفع مستوى الأعمال من خلال تعزيز إمكانيات الاقتصاد التشاركي، بات هذا النوع من الاقتصاد أكثر وضوحاً وأصبح ذا صلة أقوى بالواقع الجديد.

وأضاف: لقد شهدنا نمواً استثنائياً عبر كافة القطاعات، بدءاً من تجارة التجزئة مروراً بالضيافة، الرعاية الصحية، الأغذية والمشروبات والخدمات اللوجستية، وانتهاءً بالأعمال التجارية، من خلال الاستفادة من نموذج الاقتصاد التشاركي. لقد أحدث هذا النموذج تغييراً في الطرق التقليدية لمزاولة الأعمال التجارية وقدم بديلاً مقنعاً - كونه يتسم بالكفاءة من حيث الكلفة، الفعالية والمرونة.

لقد تطور الاقتصاد التشاركي كمنظومة تحركها الأرباح وتعمل على تمكين حتى المؤسسات الضخمة على إنماء دخولها من خلال الوصول المتزايد إلى المستخدمين/‏‏ العملاء. ولهذه الأسباب، فإن الاقتصاد التشاركي سيبقى لفترة طويلة، في ظل التوقعات بأن يرتفع حجم إيراداته ليبلغ 335 مليار دولار بحلول 2025، وفقاً لتقديرات الخبراء.

ولدينا أيضاً أمثلة لشركات تتبنى نموذج الاقتصاد التشاركي، واستطاعت تحقيق النمو، حتى صارت شركات مليارية «يونيكورنز» أي الشركة التي تبلغ قيمتها السوقية أو تتجاوز 1 مليار دولار، كما باتت شركات رائدة في قطاعاتها، ومنها شركة «كريم» في قطاع النقل، وشركتا «بي هايف» و«يوريكا» في قطاع الخدمات المالية».

وتابع: بالحديث عن الاقتصاد التشاركي في الإمارات، تُعد الزيادة في عدد المساحات المُتاحة للعمل المُشترك ومركز الابتكار في «مركز دبي المالي العالمي» بمثابة أمثلة رائعة على نهوض الاقتصاد التشاركي في الدولة، بما يتيحه من مرونة في العمل وتنافسية في التسعير، الأمر الذي يُمكِّن روُّاد الأعمال من ضخ ميزانياتهم في المبادرات المُوجهة إلى النمو، بدلاً من إنفاقها على تجهيز المكاتب.

لقد أنشأ هؤلاء الروُّاد نظماً بيئية محلية قوية من شأنها بناء توافق قوي حولها لإفادة مجموعة أوسع نطاقاً من روُّاد الأعمال والشركات الناشئة التي تتبنى نموذج الاقتصاد التشاركي.

وسيواصل الاقتصاد التشاركي تحقيق أثر قوي في قطاعي السياحة والسفر بالإمارات، بالإضافة إلى قطاعات أخرى أيضاً كالرعاية الصحية، الخدمات اللوجستية والأغذية والمشروبات، فضلاً عن قطاعات جديدة يُركز روُّاد الأعمال الحاليون طاقاتهم فيها لخلق نماذج جديدة مُختلفة للأعمال التجارية، بحيث تُلائم الواقع الجديد والمُستقبل».

بدوره، قال باسل النحلاوي، مدير عام التنقل لدى شركة «كريم»: «أسهم نموذج الاقتصاد التشاركي في رفد اقتصادات الدول والمجتمعات بقيمة مضافة من خلال دعم المهارات والأصول التي لا تحظى بالطلب الكافي في مختلف القطاعات، مما أسهم في تمكين العديد من الأشخاص للعمل وتحقيق الدخل وفق جدولهم الزمني الخاص.

وشهد الاقتصاد التشاركي زخماً قوياً خلال الأعوام القليلة الماضية، بفضل انتشار منصات التسويق الإلكترونية، مثل كريم، وبسبب ارتفاع معدلات استخدام التقنيات العصرية ووسائل الحداثة المختلفة وتوفر رأس المال الاستثماري وتوزيعه على القطاعات المختلفة».

وأضاف النحلاوي: «بلغت قيمة الاقتصاد العالمي إلى 94 تريليون دولار تقريباً في 2021، بينما تجاوزت قيمة الاقتصاد التشاركي 370 مليار دولار في 2019، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.5 تريليون دولار بحلول 2024».

وقال: «قدرت قيمة الاقتصاد التشاركي للإمارات في عام 2016 بحوالي 5.57 مليارات دولار، حيث مثل هذا المبلغ أكثر من نصف المبلغ الذي أنفقته الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على منصات الاقتصاد التشاركي والمقدر بنحو 10.7 مليارات دولار في العام نفسه.

وأنفقت الإمارات هذا المبلغ على خمسة قطاعات فقط هي النقل والضيافة والأعمال والخدمات المالية والمنزلية. وفي سياق مواز، وأسهم نمو الاقتصاد التشاركي في توفير ملايين فرص العمل في مختلف أنحاء المنطقة. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «كريم» لوحدها عن أكثر من مليوني فرصة عمل من خلال منصتها الإلكترونية».

وأضاف النحلاوي: «من المتوقع أن يمتد نموذج الاقتصاد التشاركي في السنوات القليلة المقبلة إلى مزيد من القطاعات. وقامت شركة كريم مؤخراً بإضافة خدمة تأجير السيارات إلى منصتها لجعل عملية استئجار السيارات أسهل من أي وقتٍ مضى باستخدام تطبيقها الخاص.

وانطلقت الأسواق الرقمية في البداية لتقديم الخدمات اليومية مثل تنظيف المنازل وخدمات التجميل، بالإضافة إلى خدمات أخرى أوسع نطاقاً مثل تعقب مصدر المنتجات الغذائية. وأتوقع شخصياً، مع ارتفاع سقف التوقعات عند العملاء وزيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة وتوفر المزيد من الخيارات، أن نشهد تركيزاً واهتماماً أكبر بتطوير تجارب العملاء.

ويساعد استخدام البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي منصات الاقتصاد التشاركي على تقديم خدمات أكثر تخصيصاً للعملاء في مختلف أنحاء المنطقة. ومن المتوقع أيضاً أن نشهد تركيزاً أكبر على موضوع الاستدامة.

ويعتمد العملاء اليوم بشكل أكبر على منصات مثل كريم للتنقل وطلب المستلزمات الشخصية بكبسة زر. ونلاحظ مع مرور الوقت ازدياد اهتمامهم بالبصمة الكربونية للخدمات التي يطلبونها، حيث يختارون الخدمات التي تضمن لهم ضرراً أقل على البيئة.

ويسرنا في «كريم» انتشار المركبات الهجينة والكهربائية بالكامل في المنطقة، كما يسعدنا إطلاق بعض التقنيات التي تساعد على تعزيز مكانة مدن ودول المنطقة، مثل انتشار المحطات المزودة بتقنية إنترنت الأشياء المخصصة لشحن بطاريات المركبات الكهربائية».