يفتقر عالمنا اليوم لوجود دعمٍ كافٍ لإدماج أصحاب الهمم، بالرغم من حقيقة أن كل ما نستخدمه ونتفاعل معه حولنا قد صُمم بعناية فائقة، سواءً على مستوى المنتجات أو الخدمات أو المرافق الأخرى. ويعد تصميم العلامات التجارية أحد الأهداف الواجب العمل عليها بهدف تسهيل وصول أصحاب الهمم إليها، عبر جعلها أسهل تساعد في إدماجهم في المجتمع.
على مر التاريخ، تصدرت الأساليب والخصائص الجمالية قائمة الاعتبارات الرئيسية التي يُبنى عليها التصميم، إلا أن ابتكار التصميم المنشود يأتي على حساب إمكانية الوصول لجميع شرائح وفئات المستخدمين في معظم الحالات. وعلى الرغم من ذلك، نشهد اليوم بداية تغيير كبير في هذا الفكر.
ويقول بيتر ناب رئيس مجلس إدارة مجموعة لاندور وفيتش المتخصصة في التصميم وبناء العلامات التجارية: «يجب أن يكون اعتماد مبادئ سهولة الوصول والإدماج في تصميم المنتجات والتجارب هو المرتكز الرئيسي لمفاهيم التصميم العصرية، وذلك بالعدل والمساواة للجميع ليس في الحقوق وحسب، بل حتى في منح الثقة، بصرف النظر عن أي تحدٍ يعترضهم. وسيجعل اعتماد هذه المنهجية من العالم مكاناً أفضل للجميع، وسيعزز من قيمة الأعمال، وسيضيف قيمة معنوية للعلامة التجارية، وسيرسخ مكانتها في المجتمع، لاسيما وأن الشركات عموماً لا تتحمل مواجهة أي نظرة سلبية اتجاهها، ولا يمكنها تحمل تبعات إهمال شريحة من العملاء، خاصةً لو كان ذلك دون قصد».
وأوضح ناب أن علامة التصميم العالمية «تومي هيلفجر» قدمت في عام 2016 خط إنتاج «تومي هيلفجر أدابتيف»، وهي تشكيلة الأزياء المصممة بأسلوب خاص وشامل لإدماج أصحاب الهمم، حيث تضم مزايا مثل الأزرار المغنطيسية وشريط فيلكرو اللاصق لتسهيل الارتداء. ومنذ طرح منهجية التصميم هذه توسعت بشكل كبير بعد نجاحها على المستوى التجاري، حيث ظهر أن 75% من العملاء الذين يشترون منتجاتها كانوا عملاء جدداً بالنسبة للعلامة التجارية، وأنفقوا عملياً مبالغ أكثر بمقدار 4.8 مرات من متوسط إنفاق المستهلك العادي، وفقاً للعلامة التجارية.
ولفت إلى أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تبذل جهوداً حثيثة لتعزيز الإدماج لأصحاب الهمم، ففي دولة الإمارات، تم إطلاق استراتيجية أبوظبي لأصحاب الهمم 2020- 2024، لتكون إمارة أبوظبي مدينة مهيأة لإدماج أصحاب الهمم. ومع تولي الحكومات لزمام المبادرة في هذا المضمار، يتعين على العلامات التجارية اغتنام هذه الفرصة للتعاون معها، ودعم المجتمع لتعزيز الإدماج. وأشار ناب إلى أن أهمية هذا الدمج تبدو بوضوح في العالم الرقمي اليوم، فضمن عصر المعلومات الجديد، تأتي مرحلة جديدة عنوانها المسؤولية. لذلك، لا عذر للعلامات التجارية أمام تحويل هذه المعرفة لخطوات ملموسة وتبني منهجيات تصميم مدروسة بطريقة فعّالة، فجملة واحدة أو تعديل بسيط في مسار الإدماج سيكون خطوة مهمة لتحقيقه دون المساس بتميّز التصميم للعلامة التجارية. فشركة «اتصالات» على سبيل المثال، طورت خاصية «اتصالات وايدر ويب» لتسهيل تصفح الإنترنت لمن هم على طيف التوحد، وقد يخيل لنا أن مبادرة كهذه خطوة ليست بتلك الأهمية نظراً لتكلفتها المنخفضة، إلا أن أثرها واسع للغاية ويحقق مكاسب كبيرة للمجتمع والمستهلكين، ويعود بالمنفعة على سمعة العلامة التجارية بحد ذاتها.
ويؤكد رئيس مجلس إدارة مجموعة لاندور وفيتش أن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق العلامات التجارية، وتتمثل في غرس المعرفة وتثقيف المجتمع حول قيمة إدماج أصحاب الهمم وتيسير وصولهم، فشركة «بروكتر وغامبل» على سبيل المثال أطلقت برنامج «ليمتلس»، الذي يهدف إلى تعزيز الإدماج في مقترح العلامات التجارية وأماكن العمل واستراتيجيات استقطاب الموظفين والشراكات، وتسعى الشركة من خلال هذا البرنامج إلى رفع مستوى الوعي بين موظفيها في الشرق الأوسط بكيفية دعم أصحاب الهمم، وبفضل ميزانيات التسويق الهائلة، وحملات الترويج الضخمة على مستويي الحجم والوصول، يمكن للعلامات التجارية أن تنشر الوعي والمعرفة حول التحديات المحيطة بموضوع سهولة الوصول بخطوة بسيطة، تتمثل في إدخال تلك المبادئ ضمن منهجيات التصميم وطرق التسويق.
لا شك أن التقنيات هي مثال واضح على ذلك في عالم اليوم، وتقدم فرصة حقيقية للاقتداء بها وفقاً لناب الذي أضاف: «لقد أجبرتنا الجائحة جميعاً على التحول نحو العمل والتسوق بشكل جديد، وتبنّي أساليب عيش مختلفة كلياً، وكل ذلك بفضل الإنترنت. ومن عمق هذا المشهد، ظهرت أسئلة ملحة حول تصميم العديد من المنصات الإلكترونية، تكشف بالمجمل عن نقص الوصول الكافي للعديد من شرائح المجتمع، كأولئك الذين يعانون من مشكلات في بصرهم. ومن هذا المنطلق، مع نشوء منصات جديدة كمنصة العالم الافتراضي (الميتافيرس)، تتأكد ضرورة اعتماد مبادئ الإدماج، وسهولة الوصول في عملية التصميم لسهولة البناء من المراحل الأولى».