تعد المناطق الاقتصادية الخاصة قاطرة شديدة التميز للنمو الاقتصادي في أي دولة، ذلك أنها تجلب للاقتصادات الوطنية باقة من المحفزات التي تشمل استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تحفيز التجارة الخارجية، زيادة الصادرات، خلق المزيد من فرص العمل، وغيرها. وتعتبر الإمارات نموذجاً مثالياً في التوسع والاستفادة من المناطق الاقتصادية الخاصة ما جعلها بحق قاطرة النمو الاقتصادي.

يبرز تساؤل بديهي عن مفهوم المناطق الاقتصادية الخاصة، ولذلك يمكن تعريفها بأنها مساحات من الأراضي داخل حدود الدولة تمارس فيها الأنشطة الاقتصادية والتجارية وفقاً لقوانين مختلفة عن القوانين السائدة داخل الدولة.

وتتميز القوانين السارية داخل المناطق الاقتصادية الخاصة بكونها تتمتع بمزايا أكثر جاذبية للاستثمار، تتضمن العديد من التسهيلات للشركات والمصانع العاملة بها، كالإعفاءات الجمركية والضريبية، سهولة الإجراءات المتعلقة بترخيص الشركات وتسجيلها، سهولة جلب الموظفين والعمال، وغيرها من المميزات. وتتخذ المناطق الاقتصادية الخاصة أشكالاً عدة، إلا أن أكثر أشكالها انتشاراً المناطق الحرة، خصوصاً القائمة داخل المطارات والموانئ، والمناطق الصناعية.

ويمكن القول إن الهدف من المناطق الاقتصادية الخاصة هو تحفيز النمو الاقتصادي بالدولة، من خلال تشجيع التجارة والاستثمار وخلق المزيد من فرص العمل. وقد عرف العالم المناطق الاقتصادية الخاصة بمفهومها التقليدي المعتمد على حرية تخزين البضائع وتجارتها منذ قرون عدة، إلا أن المناطق الاقتصادية الخاصة بمفهومها العصري المعتمد على منح إعفاءات جمركية وضريبية وتخفيضات في الرسوم الحكومية، لم يظهر إلا في أواخر حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت المنطقة الحرة في «مطار شانون» بمقاطعة «كلير» الأيرلندية هي باكورة المناطق الاقتصادية الخاصة بالمفهوم العصري.


ريادة
وبحسب تقرير صادر عن شركة «أوليفر وايمان» البريطانية للاستشارات الإدارية، فإن الإمارات تعد رائدة إقليمية في الاستفادة من إمكانيات المناطق الاقتصادية الخاصة، وتحديداً المناطق الحرة، منذ تاريخ تأسيس أول منطقة حرة في الدولة، وهي المنطقة الحرة في جبل علي (جافزا)، في عام 1985. وبعد ذلك، توالى تأسيس المناطق الحرة في الدولة حتى باتت عنصراً رئيسياً في هيكلها الاقتصادي.

ويرى عبد العزيز الحمادي، نائب رئيس اول، مكتب المدير العام لـ " دافز" - سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة، أن المناطق الحرة تعد في الوقت الراهن واحدة من أهم أدوات النمو الاقتصادي في الإمارات.

وقال: يتجاوز العدد الإجمالي للمناطق الحرة في كل أنحاء الإمارات حالياً 45 منطقة، تستأثر دبي وحدها بما يزيد على 30 منطقة منها. وتتنوع هذه المناطق في مواقعها، بين ما هو كائن داخل الموانئ مثل «جافزا» ومدينة خليفة الصناعية (كيزاد)، داخل المطارات مثل «دافزا»، وبين ما هو داخل المدينة مثل حي دبي للتصميم «دي 3» و«مركز دبي للسلع المتعددة». وتوفر كل هذه المناطق الحرة المميزات والمنتجات نفسها كالمكاتب والمخازن. ولكن على الرغم من ذلك، فإن اختيار الشركة للمنطقة الحرة التي ترغب بالتواجد ضمنها مرهون بنموذج عمل الشركة والآلية التي تنتهجها في التشغيل وتسيير أعمالها.


تجارة
وتطرق الحمادي إلى مساهمة المناطق الحرة في اقتصاد الإمارات، فقال: ارتفع الحجم الإجمالي للتجارة في كل المناطق الحرة بالإمارات خلال العام الماضي بنسبة 29%. وباتت المناطق الحرة تستأثر بما يزيد على ثلث التجارة غير النفطية للإمارات، وتحديداً 36%، بحسب أحدث بيانات صادرة عن وزارة الاقتصاد في هذا الشأن. فقد أفادت هذه البيانات أن إجمالي التجارة غير النفطية للإمارات بلغ 1.9 تريليون درهم في نهاية عام 2021، واستأثرت تجارة المناطق الحرة في الدولة بقيمة 678 مليار درهم «185 مليار دولار»، بالمقارنة مع 526.3 مليار درهم «143.3 مليار دولار» في نهاية 2020.

واستأثرت الواردات بالحصة الأعلى من النشاط التجاري للمناطق الحرة بالإمارات في 2021، حيث بلغت نسبتها 49% من إجمالي النشاط، أو ما يعادل 331.2 مليار درهم «90.25 مليار دولار»، فيما جاءت إعادة التصدير في المركز الثاني، حيث بلغت نسبتها 42.4%، أو ما يعادل 295 مليار درهم «80.3 مليار دولار»، بينما جاء التصدير في المركز الثالث بنسبة 7.6% من إجمالي النشاط، وبلغت قيمته 52 مليار درهم «14.16 مليار دولار». وقد ارتفعت واردات المناطق الحرة بالدولة في 2021 بنسبة 26.3%، بالمقارنة مع 2020، فيما ارتفعت إعادة التصدير بنسبة 29.4%، والتصدير بنسبة 45.6% خلال فترة المقارنة نفسها.

وأضاف: ساهم تأسيس المناطق الحرة بدور فعال في نمو اقتصاد الإمارات، خصوصاً وأن العديد من المراكز التجارية في الإمارات يقع داخل هذه المناطق. وتضطلع هذه المناطق أيضاً بدور حيوي في مسيرة التنوع الاقتصادي وخفض الاعتماد على عائدات تصدير النفط، وهي المسيرة التي تنتهجها الإمارات بخطى حثيثة خلال السنوات الأخيرة. واختتم الحمادي: يتجلى هذا الدور على نحو أقوى في دبي، خصوصاً وأن نموذج دبي في النهضة قام بالأساس على الانفتاح الاقتصادي على تجارة العالم، وهو ما اقتضى بالضرورة إنشاء العديد من المناطق الحرة داخل الإمارة، وقد كان، حيث ساهمت هذه المناطق بقوة في نمو دبي حتى باتت واحداً من المراكز التجارية المرموقة على مستوى العالم».


تسهيلات
ويرى ممثلو القطاع الخاص الذين تنشط شركاتهم داخل المناطق الحرة بالدولة أن هذه المناطق تزودهم بكل ما يحتاجونه من تسهيلات مالية، تشغيلية، ولوجستية. ويقول بهارات باتيا الرئيس التنفيذي لشركة «كوناريس»، والتي تعد أكبر منتج للحديد والصلب في القطاع الخاص بالإمارات، ويقع مقرها داخل «جافزا»: تعد المناطق الحرة عموماً مفيدة للإمارات، ذلك أنها تمكن الدولة من تحفيز التجارة والاستثمار وخلق المزيد من فرص العمل. وتعزز المناطق الحرة جاذبية الدولة لرؤوس الأموال الأجنبية والشركاء التجاريين المحتملين.

وأضاف: فيما يخصص «كوناريس» تحديداً، فإننا نمتلك ونشغل منشآت عدة مزودة بتقنيات عصرية فائقة الحداثة داخل «جافزا»، ما أتاح لنا زيادة طاقتنا الإنتاجية في تصنيع المواسير الفولاذية، ومكننا من تجاوز 1 مليون طن من الفولاذ سنوياً، وهي علامة فارقة في طاقتنا الإنتاجية. وبفضل هذه الفرص والتسهيلات التي تتيحها لنا «جافزا»، تواصل «كوناريس» تحقيق النمو وبلوغ علامات فارقة عدة في مسيرتها على مدى الفترة التي مرت منذ تأسيس نشاط الشركة داخل «جافزا»، وكان ذلك في عام 1988.


وجهة رئيسية
بدوره، يقول عبد الجبار بي بي، العضو المنتدب للمجموعة في شركة «هوتباك» للتعبئة والتغليف، والتي يقع مقرها داخل «مجمع دبي للاستثمار»: باتت الإمارات واحدة من الوجهات الرئيسية على مستوى العالم لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية. وتعزى هذه الميزة بصفة جزئية إلى المناطق الحرة المنتشرة في الدولة، وما تتيحه للشركات العاملة بها من مزايا كانخفاض قيمة الإيجارات، المواقع الاستراتيجية بالقرب من الموانئ والمطارات، البنية التحتية اللوجستية ذات الكفاءة العالية، والتسهيلات الأخرى التي تمنح الشركات العاملة بهذه المناطق فرصاً عظيمة للنمو.

وأضاف: لقد استفادت «هوتباك» أيضاً من المناطق الحرة، مثل «مجمع الصناعات الوطنية» و«جافزا»، في توسيع نطاق انتشارها على مستوى العالم بزيادة صادراتها. لقد تمكنا من ذلك بفضل مصانعنا المؤتمتة بالكامل داخل هذه المناطق، حيث تجمع بين معايير الثورة الصناعية الرابعة والقدرة على تلبية احتياجات المستهلكين.