برز خلال السنوات الأخيرة مفهوم «العملات الافتراضية» التي بات يتم تداولها بشكل واسع، وظن الكثيرون أن هذا الزخم في الانتشار ليس إلا مجرد «اهتمام مؤقت» ينتهي بمرور الوقت، لكن ما أدركه الجميع أن هذه العملات ولدت لتبقى، وخصوصاً مع تطور تكنولوجيا ترميز أو تشفير الأشياء بعد جائحة «كوفيد 19»، التي أجبرت الشركات على البحث عن الابتكارات، والتكيف مع التحوّل الرقمي، كما أنها ستحدث نقلة نوعية في مجالات عدة، لعل أبرزها التمويل.
وأكد خبيران في تصريحات لـ«البيان» أن العملات المشفرة التي نراها اليوم قد تكون أو لا تكون الأصول الأكثر قيمةً مستقبلاً، إلا أن المفاهيم والتقنيات التي تقوم عليها هذه العملات لن تختفي، وإنما تشكل أول نقلة نوعية فريدة ومبتكرة في مجال التمويل منذ عقود، لافتين إلى أن نشر المعرفة بهذه التكنولوجيا يمثل أمراً أساسياً لتسريع قبول العملات المشفرة كوسيلة دفع، جنباً إلى جنب مع سن القوانين والتشريعات المطلوبة وجذب الاستثمارات في تقنية «بلوك تشين».
وفي خضم الجدل حول جدوى استخدام العملات الافتراضية كوسيلة للدفع وتمثيل الأصول، تبرز دبي إحدى أسرع الحكومات تنظيماً لاستخدام الأصول الافتراضية من خلال إنشائها إطاراً قانونياً متكاملاً لتنظيم الأصول الافتراضية، مثل القانون رقم (4) لعام 2022، و«سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية» في مايو الماضي وبهدف تعزيز مكانة دبي كوجهة إقليمية وعالمية في مجال الأصول الافتراضية وتنمية الاقتصاد الرقمي، فيما يرى الخبراء بأن تلك الجهود ستجعل من الإمارات قريباً عاصمة العملات الرقمية الجديدة.
ثقة
وتنضوي العملات المشفّرة تحت مفهوم «العملات الافتراضية» التي لا يتم إطلاقها أو ضمانها من قبل بنك مركزي أو سلطة عامة، بل يتم إصدارها في السوق من خلال عملية «الطرح الأولي للعملة» ICO، وضمانها الوحيد هو «ثقة» المستثمر أو تحمل الجهة المصدرة للمسؤولية. وإذا تم إصدار الأصول الرقمية أو ضمانها من قبل بنك مركزي أو هيئة عامة، فهي ليست عملات افتراضية، بل تصبح «نقوداً إلكترونية» وتسمى «عملة رقمية صادرة عن بنك مركزي» CBDC ولا تحتاج إلى أي طرق خاصة لتشفيرها. وتختلف العملات المشفّرة عن الرقمية في أن تخزينها – أو تشفيرها - يتم على منصات «بلوك تشين» في «محافظ» يفترض أنها توفّر درجة أعلى من الأمن السيبراني وتحتاج غالباً لـ«تعدين» أو عمليات حسابية معقدة لإنتاجها.
ويمكن إنتاج العملات المشفرة حالياً من خلال عمليتين: الأولى تسمى «التعدين» أو إنتاج العملة كـ «رمز» بعد إجراء معادلات حسابية معقدة تتطلب كمية ضخمة من الطاقة الحاسوبية التي تستهلك الكهرباء بشكل كبير ويقوم بها أجهزة كمبيوتر مترابطة حول العالم. وتتم معظم عمليات التعدين في أسواق الصين والولايات المتحدة والهند واليابان وروسيا وينتج عنها عملية نقل العملة المشفّرة لحساب المشتري أو المستثمر. ويبلغ عدد العملات المشفرة التي تحتاج إلى تعدين حالياً حوالي 4,500 عملية من أشهرها «بيتكوين»، و«إيثيريوم».
أما إنتاج النوع الثاني من العملات المشفرة فيستخدم نظاماً يسمى «إثبات التخزين» أو «إثبات الحصة» ويستخدم طاقة أقل بكثير بالمقارنة مع التعدين. وعلى سبيل المثال، قامت أكثر من 100 شركة ناشئة في سويسرا حتى الآن بتمويل عملياتها بالعملات المشفرة من خلال إصدارات الأصول الرقمية ICO كميات كبيرة من العملات المشفرة. وتعتبر السلفادور أول دولة في العالم تقوم باستخدام البيتكوين كعملة قانونية منذ مايو 2021.
قبول
ويقول جيرمي لوبيز رئيس العمليات في منصة الميتافيرس «إيفردوم»: إن العملات الرقمية تلقى قبولاً واسعاً من قبل الشركات والأفراد ويمكن القول بأن قبول العملات المشفرة كوسيلة دفع بات أمراً واقعاً وخياراً جذاباً.
ومع بدء شركات عملاقة مثل «مايكروسوفت» وشركة الاتصالات الأمريكية AT&T وسلسلة مقاهي ستاربكس وغوتشي قبولها للعملات الرقمية، فضلاً عن انتشار بطاقات ائتمان العملات الرقمية مثل بطاقة «بينانس» و«كوين بيس»، سنرى قريباً موجة تبنٍ واسعة النطاق لهذا النوع من التداول. وأضاف: مع التوقعات الدائرة حول دخول العملات الرقمية لكافة أوجه حياة البشر، يوجد حالياً العديد من الشركات العالمية والمحلية التي تقوم بدفع رواتب موظفيها بالعملات الرقمية.
بل أيضاً استخدامها من أجل متطلبات الدفع اليومية كالفواتير وشراء المنتجات من الأسواق. وخلال السنوات القادمة، ستصبح العملات الرقمية جزءاً من منظومة الأجور وخياراً أساسياً لدفع أجور الموظفين. وبالنظر للعديد من الدراسات حول هذا الموضع، لمسنا قبولاً واسعاً من قبل الموظفين حول هذا النوع من الدفع.
تحديات
وحول تحديات استخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع، قال لوبيز: يوجد بالطبع معوقات بارزة لتبني العملات المشفرة كوسيلة دفع ولعل أبرزها المعرفة بالتقنية وأساليب تداول هذه العملات وتحويلها إلى النقد وضخها في حسابات البنك. وبالطبع فإن نشر المعرفة بهذه التكنولوجيا يمثل أمراً أساسياً لتسريع قبول العملات المشفرة كوسيلة دفع، جنباً إلى جنب مع سن القوانين والتشريعات المطلوبة وجذب الاستثمارات في تقنية بلوك تشين ونشر المعرفة حول التجارب الناجحة للعديد من الشركات والدول لحث الآخرين على استكشاف الفرص المنطوية من تبني العملات الرقمية.
وحول تقييمه لبيئة العملات المشفرة في الإمارات، أفاد لوبيز: بلا شك، فإن الإمارات أقدمت بخطوات جريئة واستباقية في إطار تطوير منظومة عمل جذابة لتداول العملات الرقمية ولا سيما مع التشريعات التي أُقرت أخيراً. فمع السماح للشركات التي تعمل في مجال العملات الرقمية بالتسجيل في الدولة والحصول على ترخيص قانوني، وانتشار خيارات الدفع بالعملات الرقمية، وإقرار استراتيجيات الميتافيرس، وغيرها من المبادرات النوعية، نرى بأن الإمارات ستصبح قريباً عاصمة العملات الرقمية الجديدة.
وأكد أن العملات الافتراضية ولدت لتبقى، وخصوصاً مع تطور تكنولوجيا ترميز أو تشفير الأشياء بعد جائحة «كوفيد 19»، التي أجبرت الشركات على البحث عن الابتكارات وسوف تلعب دوراً كبيرت في مجالات التمويل للأفراد والشركات.آمنة
وقال لوك ليو، المدير الرئيسي للتوسع الإقليمي في منصة «باي بت» لتداول الأصول المشفرة إن عمليات الدفع والتحويلات المالية السريعة والآمنة والقابلة للتتبع تعد إحدى حالات الاستخدام العديدة للعملات المشفرة، مشيراً إلى الإقبال الواسع على أنظمة المدفوعات الرقمية من المستهلكين والمؤسسات لما توفره من طريقة دفع سهلة ومتطورة، وخصوصاً من خلال إزالتها للطبقات العديدة من الوسطاء الحاليين في النظام المالي الحالي. وأكد أن أن الزخم الكبير في انتشار العملات الافتراضية ليس مجرد «اهتمام مؤقت» ينتهي بمرور الوقت، حيث أجبرت الشركات حالياً على البحث عن الابتكارات، والتكيف مع التحوّل الرقمي، وهو ما يؤهلها إلى إحداث نقلة نوعية في مجالات عدة، لعل أبرزها مجال التمويل.
وحول سبل دفع استخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع، يضيف ليو: يعمل المنظمون في العديد من السلطات القضائية بجد لإنشاء إطار لاستيعاب الاقتصاد الرقمي الناشئ.. لا شك أن الأمر يتطلب الكثير من الجهود التعاونية بين القطاعات وعقولاً نيرة للتكنولوجيات الجديدة ورغبة حقيقية في تلبية احتياجات المستهلك. ومن وجهة نظر مقدم الخدمة، نركز في «باي بت» على بناء فهم أفضل للنوايا التشريعية لأننا نشترك في هدف مشترك بصفتنا جهات تنظيمية والمتمثلة بحماية المستثمرين وتحسين الوضوح التنظيمي وإثبات قدرات الصناعة في المستقبل.