غدت الإمارات إحدى أكثر دول العالم جذباً للشركات العاملة في مجال العملات المشفرة و«بلوك تشين»، حيث تعد بيئة التشفير في الدولة هي الأفضل عالمياً بفضل الدعم الحكومي للابتكار وريادة الأعمال في هذا المجال، كما أن تطوير السلطات التنظيمية لنهج قائم على البحث والتطوير وإنشاء صناديق حماية للمشاريع التجريبية سوف يمكّنان من تحديد ومعرفة الفوائد المتطورة للعملات المشفرة وطرق عملها. 

ويؤكد استطلاع لشركة «ديلويت» أن ما يقرب من 75% من محال التجزئة في الولايات المتحدة تخطط لقبول العملات المشفرة أو العملات الرقمية المستقرة خلال العامين المقبلين، ويقول الخبراء إن الموازنة بين دفع الابتكار التكنولوجي من جهة، وتوفير الحماية الكافية للمستخدمين من جهة أخرى، هما شرطان أساسيان لنشر استخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع.

وقال خبراء إن عودة الثقة إلى أسواق المال سوف تعيد في هذه الآونة أجواء المضاربة التي طالما ميزت العملات المشفرة، بعد الهبوط الحاد في القيمة، أو حتى الفشل الذي شهدته تلك العملات مع هروب المستثمرين إلى بر الأمان بالتزامن مع بدء الاحتياطي الأمريكي رفع أسعار الفائدة تدريجياً منذ بداية العام الحالي.

مستقبل مزدهر

وقالت مادالينا روتارو، الرئيس التنفيذي لشركة «كابس. كوم» بالإمارات: إن العملات المشفرة يمكن أن تتمتع بمستقبل مزدهر في الإمارات كوسيلة مكملة لأنماط الدفع المتاحة حالياً. ونعتقد أن تكنولوجيا العملات المشفرة مفيدة وتشهد تطورات مستمرة، حيث تقوم العديد من شركات التكنولوجيا المالية اليوم مثل «ريبل» و«سيركل» وغيرهما بتقديم تحسينات كبيرة على بروتوكولاتها الخاصة لجعل العملات أو الرموز المميزة الخاصة بها أكثر قابلية للاستخدام في العالم الحقيقي.

وأضافت: في الوقت الذي شهده التراجع الحالي في السوق إضافة إلى العدد الكبير من الخروقات الأمنية وعمليات الاختراق، قد أدى إلى تراجع العملات المشفرة إلى حد معين، يمكننا أن نرى منصات جديدة وأقوى تدفع التكنولوجيا إلى الأمام. ويمكن أن يكون التباطؤ الحالي بمثابة زخم لشركات التشفير لبناء تقنيات أكثر مرونة وعملية في المستقبل القريب بعد أن انفجرت الفقاعة الأصلية.

آلية

وحذّرت روتارو في المقابل من بعض المحاذير في استخدام العملات المشفرة للدفع، من بينها رسوم المعاملات وتقلب الأسعار وسهولة الاستخدام والأمان. وأضافت: هناك أيضاً تقلب حاد في رسوم المعاملات في بعض الأحيان، ما يجعل المدفوعات صعبة ومكلفة. ويمكن أن يساعد تحويل عملية إصدار العملات من التعدين إلى «آلية إثبات الحصة»، مثل ما حدث أخيراً مع عملة «إيثيريوم»، ثاني أكبر عملة مشفرة، أو استخدام العملات المستقرة المربوطة بالعملات الورقية الرئيسية، في حل هذه المشكلة.

ولفتت إلى أنه في حين تنتشر أخبار العملات المشفرة في الأخبار، إلا أن نشر الوعي بخصوص استخدامها يبقى ضرورياً، وقالت: لا يزال التبني من قبل الجماهير محدوداً، ومع ذلك يبقى الأمن هو العامل الأكثر أهمية، فقد أوضحت العديد من الاختراقات والهجمات على العملات المشفرة أهمية طمأنة المستخدمين بأن العملات المشفرة آمنة الاستخدام.

وحول ما يمكن أن تقوم به الجهات التنظيمية لدفع مدفوعات العملة المشفرة إلى الأمام، قالت روتارو: يمكن دفع استخدام العملة المشفرة إلى الأمام من خلال زيادة التبني، الأمر الذي لا يمكن حدوثه من دون ضوابط مناسبة. في هذا الصدد، تحتاج الحكومات إلى وضع القواعد والرقابة المناسبة لدفع الابتكار التكنولوجي بين شركات التشفير من جهة، وتوفير الحماية الكافية للمستخدمين من جهة أخرى. ولا بد من الإشارة إلى أن معظم الناس اليوم ليس لديهم قدرة على تحمل المخاطر، أو ليسوا بارعين في التكنولوجيا، على عكس المستثمرين الذين قادوا الارتفاع في العملات المشفرة التي شهدناها، وبالتالي فهم بحاجة إلى بيئة آمنة وسهلة الاستخدام للتفاعل معها والانخراط في معاملات التشفير.

متداولون محترفون

وقال لينكس لاي، رئيس الأسواق المالية في منصة «OKX»، إن الإمارات تبدي تركيزاً كبيراً على مستثمري العملات الرقمية والمتداولين المحترفين، مما يجعل المنطقة مركزاً قوياً لتبادل قوي وهائل وخصوصاً مع توفر منصات تداول قوية مثل «OKX».

وأضاف: نعتقد أن الإطار التنظيمي في الإمارات يتسم بالمرونة والشفافية، وخصوصاً أنه مدعوم بمبادرات عصرية تعكس أجنداتها جسر تواصل وتعاون مع اللاعبين الأساسيين في الصناعة، مما يجعله إطاراً تنظيمياً جذاباً بشكل طبيعي.

وأوضح أن العملات المستقرة الخاضعة للتنظيم والمدعومة بتشريعات قانونية داخل النظام المصرفي تمثل مستقبل مدفوعات العملات المشفرة. وأضاف أن العملات المشفرة تحولت بالفعل إلى وسيلة للدفع في العديد من بيئات الأعمال، حيث يقوم عدد من الشركات بدفع رواتب للعاملين أو تسهيل الحصول على رواتبهم بعملة «بتكوين» والعملات المشفرة الأخرى. وأضاف أن وضع تعريفات نهائية للعملات الرقمية المؤهلة لأن تكون عملة مناسبة وكافية الدفع يسهم في نشر ثقافة الدفع بالعملات الرقمية.

نهج تنظيمي

وأفاد خليل الله بايج، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة «كوين باسكت»، بأن بيئة التشفير في الإمارات هي من الأفضل عالمياً اليوم بفضل اتباع السلطات التنظيمية نهجاً تنظيمياً صحيحاً لتشجيع البحث والتطوير، والابتكار وريادة الأعمال، فتقوم بما قامت به كوريا الجنوبية والولايات المتحدة منذ عقود للثورة الصناعية من خلال ضخ رؤوس أموال كبيرة في عملية البحث والتطوير ودعم الابتكار وريادة الأعمال في مجال العملات الرقمية والمشفرة.

وقال: العملات المشفرة مثل «بتكوين» وُجدت في المقام الأول كوسيلة دفع بديلة ممتازة لتعالج محدودية النقود الورقية. السمات والفوائد المتأصلة في العملات المشفرة مثل إمكانية التحقق الرقمي، وإمكانية التحويل والقسمة والادخار وسهولة التحرك بها جعلتها تتفوق على العملات الورقية، وبالتالي ستبدأ العملات المشفرة بالتداخل مع التعاملات المالية بالطريقة نفسها التي تداخل بها الإنترنت مع الاتصالات العالمية في العقود الثلاثة الأخيرة.