تتوالى التقنيات الحديثة على عالمنا بخطى حثيثة وإيقاع متسارع، على نحو يجعلنا نلهث خلفها، فلا نكاد نتوهم أننا أدركنا التقنيات الناشئة كافة وألممنا بها تماماً، إلا وتفاجئنا تقنية ناشئة جديدة. وتُعد أدوات جمع البيانات وتحليلها عن بُعد، أو «Open Telemetry»، واحدة من أحدث حلقات التقنيات الناشئة المُتلاحقة، ويمكن اعتبارها وسيلة لتعظيم كفاءة البرمجيات في أي بيئة رقمية، من خلال الرقابة على أدائها وتحليلها؛ لذلك يُتوقع أنها سوف تحدث تغييراً هائلاً في المشهد التنافسي بين الشركات والأعمال. 

تعرف أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد بأنها مجموعة من البروتوكولات والاتفاقيات الموحّدة التي توفر حلولاً للرقابة على أداء البرمجيات ووسائط نقل البيانات وتحليل أدائها، على النحو الذي يجعل هذا الأداء دوماً في مستوى توقعات الشركات وأصحاب الأعمال.

وبحسب رضوان خان، الشريك الأول لدى شركة «إيه جيه إم إس غلوبال كونسلتينغ» للاستشارات بشأن الضرائب والحوكمة، فإن أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد تُساعد التقنيات الرقمية في تزويد العملاء بقيمة مُضافة جديدة، وبالتالي إحداث تغيير هائل في المشهد التنافسي بين الشركات والأعمال التي تتبنّى هذه التقنيات.

ويقول خان: «تُعد أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد مُفيدة في قياس البيانات الرقمية، من خلال استصدار وتوليد البيانات، ثم إخضاع أدائها للتقييم والتحليل. ويستند مفهوم أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد إلى تزويد الشركات بمميزات قصوى، وذلك بتحسين أداء البرمجيات التي تستخدمها في البيئة الرقمية. وتعتمد قابلية أداء البرمجيات للرصد والرقابة على مدى الجودة التي تتمتع بها أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد في تحليل الأداء».

وأضاف خان: «صُممت أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد بالأساس لتجميع البيانات الخاصة بأحد التطبيقات والاحتفاظ بها، عندما يرتكب التطبيق خطأ أو يخرج عن نطاق البرنامج الذي يحكم عمله، وهنا تتجلى وظيفة أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد، حيث تبث شفرة إلى الشركة أو صاحب العمل الذي يتبنّى التطبيق، مفادها أن ثمّة خطأ ما في الأمر».

سهولة تصدير البيانات

ثمّة ميزة عملية أخرى شديدة الأهمية توفرها أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد للشركات وأصحاب الأعمال، ألا وهي سهولة تصدير البيانات، بمعنى نقلها إلى الأجزاء الخلفية من أجهزة الخوادم الخاصة بالشبكة الدولية للمعلومات، من دون تغيير الشفرة الأصلية لهذه البيانات، بحسب رأي أمارجيت سينغ، رئيس قسم الامتثال لدى شركة «شرف للصرافة».

ويقول سينغ: «تتكون أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد من عدّة مكونات تصنع منها مكتبة متكاملة لأدوات رصد الأداء في البرمجيات. ومن أبرز هذه المكونات واجهة برمجة التطبيقات «أيه بي آي»، وهي آلية تتيح الاتصال بين تطبيق وآخر، أو بين تطبيق وبرنامج، باستخدام مجموعة من التعريفات والبروتوكولات. وهناك أيضاً حزمة أدوات تطوير البرمجيات «إس دي كيه»، وهي مجموعة من أدوات تطوير البرمجيات التي تسمح بإنشاء برمجيات تطبيقية لحزمة برامج معينة، أو لمنصة معينة. ولدينا أيضاً من ضمن مكونات أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد أداة تجميع البيانات «Collector»، والتي تتولى التقاط كافة قياسات التطبيق أو البرنامج، وأخيراً أداة تصدير البيانات «Exporter»، والتي تتولى نقل البيانات إلى الأجزاء الخلفية من أجهزة الخوادم».

وأضاف سينغ: «تكمن أهمية أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد من وجهة نظري في كونها تضع معايير قياسية لآلية تجميع البيانات ثم تصديرها. وعلاوة على ذلك، تسد أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد فجوة شديدة الخطورة في آليات عمل البرمجيات عموماً، وهي الفجوة المتعلقة بالرؤية، ذلك أنها تتيح لمُشغٍلي التطبيق إمكانية الرؤية الكاملة وبوضوح تام لما يجري داخل التطبيقات، وذلك من خلال الاطلاع بشفافية تامة على البيانات التي تقوم أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد بتجميعها. ولعل أهمية واجهة برمجة التطبيقات «إيه بي آي» تتجلى تحديداً فيما يتعلق بميزة الرؤيا».

تطوير

ويُمكن اعتبار أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد أيضاً بمثابة مرحلة ما بعد الحوسبة السحابية وتطويراً لها. فالحوسبة السحابية أصبحت آلية لتوفير البيانات حسب الطلب مقابل سعر يُحدّد بآلية مُعينة. وهي تعنى بتوفير موارد تقنية المعلومات للعميل عبر شبكة الإنترنت وبدلاً من شراء مراكز وخوادم البيانات، وامتلاكها والحاجة إلى صيانتها، تُتيح الحوسبة السحابية للعميل مُختلف الخدمات التقنية كالحوسبة، قواعد البيانات، تخزين البيانات، وغيرها. وعليه، فإن أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد تُساعد الشركات التي تتبنى تقنية السحابة في تحديثها، تطويرها وضبط أدائها، خاصةً في حالة أنظمة الحوسبة السحابية التي تتسم بالتعقيد التشديد.

ويقول رضوان خان: «تخلق أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد مستويات مختلفة من التحليل لأداء التطبيق الذي يعتمد بصفة أصيلة على الحوسبة السحابية. وتشمل هذه المستويات رصيد السحابة، تتبع السحابة، وصيانة سجل أداء التطبيق، وغيرها».

ويرى سينغ أن أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد تجعل من مكوناتها الخاصة بتجميع البيانات جزءاً أصيلاً من أي تطبيق يعتمد بصفة أصيلة على الحوسبة السحابية. ويقول سينغ: «تخلق أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد خاصية جديدة وتُدرجها ضمن بنية التطبيق السحابية. وتتسم هذه الخاصية بالقوة والكفاءة في تجميع البيانات وتصديرها».

انتشار

يستشرف خان آفاقاً مُبشرة لانتشار أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد، سواء على مستوى الإمارات أو العالم أجمع، وذلك في ضوء ما تتسم به من قوة كفاءة في تجميع البيانات وتحليل أداء البرمجيات، فضلاً عن مساهمتها أيضاً فيما يتعلق بتعظيم إيرادات الشركات، وذلك بتحسين نظم المعلومات الإدارية التي تستخدمها هذه الشركات.

وقال خان: «وعلاوة على ذلك تتسم أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد بكونها صديقة للمستخدمين، وتؤدي مهامها الأساسية من تجميع للبيانات وتحليل لأداء البرمجيات في الزمن الفعلي».

وأضاف خان: «وعليه، أتوقع مزيداً من الانتشار المتسارع لأدوات أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد داخل الإمارات وخارجها. وحتى منتصف العام الجاري، بدأت نسبة تتراوح بين 65 % و70 % من الشركات في الإمارات تتحول صوب أدوات جمع وتحليل البيانات عن بُعد. وتنتمي هذه الشركات إلى قطاعات متنوعة، منها القطاع المصرفي والصحة والتجارة الإلكترونية والتقنية المالية «فينتك» والأتمتة ومزودو البرمجيات، وغيرها».