تكتسب «الرقمنة» أرضاً متزايدة الرقعة كل يوم جديد في عالمنا، وعليه، ترتفع أسهم العالم الافتراضي بصفة مطردة، وبالقدر نفسه تتضاءل المسافة بين كل ما هو افتراضي، وكل ما هو حقيقي، وكان من الطبيعي في سياق كهذا، أن تتفتق أذهان عباقرة «الرقمنة» عن فكرة التوائم الرقمية، التي تعني باختصار الاحتفاظ بنسخة افتراضية من كل أصل أو مُنتَج حقيقي، لحين الاحتياج إليه لأي غرض ضمن مجموعة من الأغراض، ومنها المحاكاة، الاختبار، الرصد، الصيانة، وغيرها. نرصد فيما يلي مفهوم التوائم الرقمية، تطبيقاته، فوائده، وآفاقه المستقبلية، خاصة في دبي والإمارات.
الحاجة أم الاختراع
دائماً ما كان الفضل الأول يعزى إلى الحاجة في الاختراعات كافة التي عرفتها البشرية، وهو ما ينطبق أيضاً على التوائم الرقمية، فلقد كان الاحتياج إلى نقل البيانات من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي، والعكس، بغرض تعزيز قدرة الثاني على محاكاة الأول، ما يدعم قدرة العلماء والمتخصصين في مختلف المجالات على معالجة الأخطاء والعيوب في الأجهزة، الأصول، والمُنتجات، على نحو أكثر دقة وكفاءة من ذي قبل، وبالتالي، ظهر مفهوم التوائم الرقمية، الذي كانت له عدة إرهاصات وأفكار أولية تنبأ بها كتاب وخبراء في قطاع التقنية منذ عام 1991، إلا أن الظهور الفعلي لمفهوم التوائم الرقمية، بالمعنى الذي نعرفه اليوم، يرجع إلى عام 2010، وكانت صاحبة الفضل فيه وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، حينما طورته لتحسين مستوى قدرتها على مُحاكاة مركبات الفضاء التابعة لها.
تجميع البيانات
وتحدث الدكتور مصطفى الجزيري، المدير التنفيذي في منطقة الخليج العربي والشرق الأدنى وباكستان، لشركة هيتاشي إنرجي، المتخصصة في قطاع الطاقة المتجددة والمستدامة، عن تطبيقات مفهوم التوائم الرقمية في القطاع، مؤكداً أهمية المفهوم في تجميع البيانات بصفة عامة.
وقال: «يساعد استخدام التوائم الرقمية في تجميع العديد من البيانات، وهو ما يعد بدوره عاملاً حيوياً في خدمة أغراض البحث والتطوير. ومن أهم الفوائد العملية الملموسة لمفهوم التوائم الرقمية هو استخدامه في التنبؤ بُعمر المُنتج، وتزويد القائمين على إنتاجه بمعلومات شديدة الأهمية تفيد في كيفية تحسين أدائه، ورفع مستوى إنتاجيته».
وأضاف الدكتور مصطفى الجزيري أن مفهوم التوائم الرقمية يساعد أيضاً شركات الإنتاج في مختلف القطاعات في خفض كلفة أنظمة الاختبار والرصد، خاصة أثناء عملية التصنيع، موضحاً أن «الرقمنة» تعد عاملاً أساسياً في توظيف الكهرباء لتصبح مصدراً مُتاحاً للطاقة المستدامة في المستقبل. وفي السياق نفسه، تضطلع بدور حيوي في تحقيق التكامل بين المصادر الكلية والجزئية للطاقة المتجددة».
وأضاف أنه يمكن توظيف التوائم الرقمية في إدخال شبكات الكهرباء في بعض الصناعات الحيوية، مقابل نزع الكربون منها. ومن أبرز هذه الصناعات: النقل ومراكز البيانات. وعلاوة على ما سبق، تساعد التوائم الرقمية الدول والشركات في تحقيق أهدافها المتعلقة بخفض الانبعاثات الكربونية، لافتاً إلى أبرز أمثلة التطبيقات المتوفرة حاليا للتوائم الرقمية، ومنها على سبيل المثال التي طورتها «هيتاشي إنرجي»، فقال: «طورت «هيتاشي إنرجي» التوأم الرقمي «IdentiQTM»، وهو التوأم الرقمي للمحولات الكهربائية ذات تيار الجهد العالي المستمر. ويعد «IdentiQTM» بمثابة تغيير لقواعد اللعبة في مجال التوائم الرقمية، كونه أول تطبيق لهذا المفهوم في تقنيات شبكات الطاقة. ويتيح للعملاء تحسين مستويات إدارة شبكات الطاقة لديهم، بتجميع كافة البيانات والمعلومات ذات الصلة في موقع رقمي واحد، من أجل ضمان وصول سلس إلى كافة الوظائف الرقمية.
نسخة رقمية
ويرى المهندس فادي مرقص، مدير عام نمو الأعمال لدى «إيه جي فاسيليتيز» للمرافق، التابعة لمجموعة «الغرير للاستثمار»، أن مفهوم التوائم الرقمية يصف التقنية التي تخلق نسخة رقمية من مشروع أو أصل إنشائي، موضحاً أنه عند إنشاء مشروع يندرج ضمن البنية التحتية، مثل جسر أو مركز للتسوق، أو حتى عند تأسيس مدينة بأكملها، يعمل مفهوم التوائم الرقمية على توظيف إمكانيات التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة وتحليل البيانات في خلق نموذج رقمي حي. ويمزج مفهوم التوائم الرقمية أيضاً بين كافة البيانات التي يجري تحصيلها عن طريق الأجهزة والأدوات التي تُعد بمثابة تطبيقات عملية لهذه التقنيات الناشئة كأجهزة المسح الضوئي ثلاثية الأبعاد باستخدام الطائرات المُسيّرة من دون طيار «درونز»، أجهزة الاستشعار التي توظف تقنية انترنت الأشياء، وكاميرات الرؤية الحاسوبية.
مستويات التكامل
ولفت إلى أنواع التوائم الرقمية، حيث ثمة أنماط ومستويات عديدة. النوع الأول هو التوأم الرقمي الوصفي، وهو نسخة مرئية تتسم بتصميم حي قابل للتعديل وبيانات إنشائية تتضمن نماذج ثلاثية الأبعاد ونمذجة معلومات البيانات، ويتمثل النوع الثاني في هو التوأم الرقمي التعليمي، وهو الذي يرفع مستويات التكامل بين البيانات المُستمدّة من أدوات الاستشعار من جانب، والبيانات المستمدة من العمليات من جانب آخر، لتوفير المعلومات ومزيد من الفهم متى احتاجها أي طرف من الأطراف في أي وقت. ولدينا أيضاً التوأم الرقمي القادر على التنبؤ بالمستقبل، والذي يلتقط البيانات في الزمن الفعلي، البيانات النصية والتحليلات للتعرف إلى القضايا والمشكلات المحتملة. ويوجد أيضاً التوأم الشامل، والذي يستفيد من كافة الإمكانيات المتقدمة فيما يتعلق بالنمذجة وسيناريوهات المحاكاة المستقبلية، بالإضافة إلى التحليلات والتوصيات. وأخيراً، لدينا التوأم الذاتي، والذي لديه القدرة على التعلم واتخاذ القرارات من خلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي، بينما في الوقت نفسه يستخدم الخوارزميات الذكية لأغراض المُحاكاة ووضع التصورات باستخدام البُعد الثالث.
الخصائص الطبيعية
وعن مزايا مفهوم التوائم الرقمية، قال المهندس فادي مرقص: «يوفر التوأم الرقمي معلومات عن خصائص الشيء، سواء كان هذا الشيء جهازاً أو مشروعاً أو أي أصل من الأصول. وتتضمن هذه المعلومات الخصائص الطبيعية (كالشكل، الوضعية، الإشارات أو الحركة)، بالإضافة إلى بيانات أخرى ذات طابع إحصائية كالبيانات المتعلقة بالتفاعلات والتحديثات، البيانات المتعلقة بإجهاد الحمولة، بسبب الازدحام المروري أو الرياح، حالات التسرب من الأنابيب، وغيرها»، لافتاً إلى آفاق التوائم الرقمية في دبي والإمارات، حيث كشفت «بلدية دبي» أثناء مشاركتها في «القمة العالمية للحكومات» النقاب عن خطط لتطوير توائم رقمية لدبي بأكملها، من شأنها إتاحة فرص هائلة للمقيمين بالإمارة للالتقاء ببعضهم البعض وتبادل الآراء والأفكار في بدائل حقيقية.