منذ قيام دولة الاتحاد في عام 1971، لم تتوقف الإمارات يوماً عن التخطيط لمستقبلها، ونجحت في كل مرحلة من مراحل تاريخها في وضع أهداف واضحة ومحددة، استطاعت أن تبلغها، بل وتتفوق عليها في أحيان كثيرة. وقد تبنت الدولة في عام 2022 نموذجاً اقتصادياً جديداً تنطلق به نحو الخمسين عاماً المقبلة يقوم على 6 ركائز أساسية، هي:
الريادة، والبحث، والتطوير، والعلوم المتقدمة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والثورة الصناعية الرابعة، هذا النموذج الذي تم الإعلان عنه في 2022 الذي يعدّ عام انطلاق الإمارات نحو المستقبل.
ومع تلك الركائز الستة، أطلقت الإمارات خلال العام المنصرم العديد من المبادرات تمحورت حول أربعة قطاعات رئيسة رأت الدولة أنها القاطرة الحقيقية لبلوغ هذا النموذج الاقتصادي الجديد الذي تطمح إليه وهي: الصناعة، والتكنولوجيا، والشراكات الاقتصادية، وأخيراً البنية التشريعية الحاضنة لكل ذلك. وقد انطلقت تلك الجهود لتحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071.
الصناعة
عززت مبادرات القطاع الصناعي في الإمارات من ثقة المستثمرين بأن الدولة هي المكان الأفضل لشركات التصنيع العالمية لإطلاق أعمالها وتوسيع نطاق أنشطتها، بسبب توجه الدولة الدائم نحو تشجيع اعتماد أحدث التقنيات الإحلالية ضمن القطاع الصناعي، وفوق كل ذلك الدعم الكبير الذي تحظى به شركات التصنيع من القيادة.
وعند استقصاء المبادرات التي أطلقتها الدولة في القطاع الصناعي، نجد مرسوم القانون الاتحادي الخاص بتنظيم وتنمية الصناعة في الإمارات، والذي يكشف عن الاهتمام المتنامي لتطوير سياسات توطين الصناعات في الدولة، حيث اعتمدت الإمارات عدداً من الإجراءات والسياسات الهادفة إلى توطين الصناعات لديها.
وقد ارتبطت سياسات توطين الصناعات في الدولة بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة في طرح استراتيجيات وطنية وتشريعات للتصنيع لعل أبرزها الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة.
والتي تعرف بـ «مشروع 300 مليار»، لتطوير وتحفيز القطاع الصناعي في الإمارات، ورفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول 2031.
كما تم تدشين منتديات وفعاليات دولية للتصنيع، حيث عملت الدولة خلال السنوات الأخيرة على تطوير وتدشين منتديات وفعاليات دولية لتطوير الصناعات المحلية مثل منتدى «اصنع في الإمارات».
وسعت الحكومة إلى تقديم تسهيلات للمستثمرين، وتيسير الإجراءات المتعلقة بالأنشطة في القطاعات المختلفة، منها خدمة «باشر»، التي تتيح تأسيس الشركات في الإمارات (عن بعد).
، كما طرحت الدولة الرخصة الفورية في دبي والتي تستهدف تسريع إجراءات تأسيس الشركات، وأدخلت الدولة كذلك تعديلاً على قانون الشركات يسمح للمستثمر الأجنبي بالملكية الكاملة.
ومن خلال ما سبق من مبادرات، نجد أن الدولة حرصت على الاستعداد للمستقبل بقطاع صناعي واعد يستطيع أن يلبي طموحاتها وأهدافها بإيجاد نموذج اقتصادي جديد ينقل الدولة إلى مرحلة جديدة من النمو والازدهار.
التكنولوجيا
هي القطاع الثاني في أجندة الدولة للنموذج الاقتصادي الجديد، حيث تبنت الحكومة التكنولوجيا الحديثة وحلول الذكاء الاصطناعي بهدف تعزيز جاهزيتها للمستقبل، بما يدعم توجهاتها في تعزيز الاستفادة من الفرص التي تتيحها أدوات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات لتكون محركاً أساسياً للاقتصاد الرقمي المستقبلي.
وقامت الدولة في هذا الصدد بإطلاق العديد من المبادرات التي تدعم طموحاتها التكنولوجية، إقليمياً وعالمياً منها: اعتماد المرحلة الأولى من تنفيذ «استراتيجية دبي للميتافيرس»، والبدء في أربع مبادرات رئيسة تهدف إلى استخدام الـ «ميتافيرس» لتقديم الخدمات الحكومية.
حيث تسعى الاستراتيجية إلى جعل دبي مركزاً رئيساً لمجتمع الـ«ميتافيرس» العالمي، ومضاعفة عدد شركات الـ «بلوك تشين»، لتصبح خمسة أضعاف العدد الحالي، بعد نجاح الإمارة في استقطاب 1000 شركة تعمل في «بلوك تشين» و«ميتافيرس»، ودعم 40 ألف وظيفة افتراضية، تسهم في الازدهار الاقتصادي بحلول 2030.
كما تم الإعلان عن 10 مبادرات مبتكرة ضمن مقر المبرمجين أحد مبادرات البرنامج الوطني للمبرمجين.
وذلك ضمن حزمة مبادرات جديدة لتمكين أكثر من 15 ألف مبرمج بهدف زيادة أعدادهم بالدولة لتكون الأفضل عالمياً من حيث نسبة المبرمجين إلى عدد السكان.
كما اعتمد مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031، حيث أكدت الدولة حينها أنها تمضي قدماً لتحقيق رؤيتها وتطلعات شعبها، من خلال مشروعات وخطط واضحة نحو مئوية الإمارات 2071.
الشراكات الاقتصادية
تأتي الشراكات الاقتصادية ضمن القطاعات الأكثر أهمية لحكومة الإمارات في بناء هذا النموذج الاقتصادي الجديد، حيث حرصت الدولة على تدشين مبادرات استشرافية يمتد أثرها لخمسين عاماً مقبلة. ولعبت الشراكات دوراً شديد الأهمية في هذا التوجه، سواء مع شركات أو دول.
فعلى صعيد الشركات، تواصل الحكومة إطلاق المبادرات الجاذبة للشركات الناشئة لنقل مقراتها إلى الإمارات، وفي هذا الإطار تم إطلاق مبادرة «100 شركة من المستقبل»، والتي تستهدف 100 شركة ستشكل اقتصاد مستقبل الإمارات.
أما على صعيد الدول، فقد سعت الحكومة إلى عقد شراكات مع العديد من دول العالم من أجل الوصول إلى أسواقها وتعزيز مكانتها مركزاً اقتصادياً عالمياً، بدأتها بمرحلة أولى مع 8 دول يشكل عدد سكانها نحو 26% من إجمالي سكان العالم.
واستهدفت الاتفاقيات تعزيز النمو المستدام للاقتصاد الوطني، ومضاعفته من 1.4 تريليون درهم إلى 3 تريليونات درهم بحلول 2030، ورفع التبادل التجاري مع هذه الأسواق والذي يبلغ 257 مليار درهم بمقدار 40 مليار درهم سنوياً.
وتحقق هذه الشراكات المستهدفة مع دول مختارة، كالهند، وإسرائيل، وإندونيسيا، وجورجيا، وكولومبيا، والفلبين، وتركيا، النفاذ إلى الأسواق العالمية، واستقطاب الاستثمارات.
فقد وقعت الإمارات والهند اتفاقية شراكة تعزز الوصول المتبادل إلى الأسواق والفرص الاقتصادية والاستثمارية وتهدف لرفع التجارة غير النفطية إلى أكثر من 367 مليار درهم خلال خمس سنوات.
كما دشنت الإمارات اتفاقية شراكة مع إندونيسيا لتحفيز التجارة بين البلدين من 11.1 مليار درهم سنوياً في 2021 وصولاً إلى 37 مليار درهم سنوياً خلال خمسة أعوام، من خلال خفض أو إزالة الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من السلع والخدمات.
كذلك وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية شراكة بهدف تحفيز التجارة بين البلدين وصولاً إلى 36.7 مليار درهم سنوياً، خلال الخمسة أعوام المقبلة.
ووقعت الإمارات ومصر والأردن منتصف العام الجاري، (وانضمت البحرين لاحقاً)، اتفاقية شراكة صناعية تكاملية، بقيمة 36.7 مليار درهم، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في عدة مجالات صناعية واعدة. كل هذه الشراكات تستهدف ربط الدولة بالاقتصاد العالمي من خلال آليات فاعلة تتيح له النفاذ إلى أسواق تراها الدولة واعدة وتترجم أهداف التنويع.
قوانين وتشريعات
تعتبر الإمارات الأولى على مستوى المنطقة في توفير المنظومة التشريعية الملائمة والبيئة المواتية لنمو أعمال الشركات، بما يرسخ قناعات المستثمرين بأن الدولة هي المنصة المثالية لتحقيق النمو ونقطة انطلاق نحو توسع مشاريعهم.
كما تعمل الحكومة، بالتعاون مع الغرف التجارية والصناعية في كل إمارة، وشركائهم الاستراتيجيين من أجل تسهيل تطبيق القوانين والتشريعات التي تصدر عن الجهات المختصة في الدولة، والتي تهدف إلى المحافظة على الأسواق وحماية الشركات والمصدرين والموردين.
ولعل أبرز القوانين التي صدرت مؤخراً والتي تدعم النموذج الاقتصادي الجديد للدولة، قانون تنظيم وتنمية الصناعة، والذي يدعم تنظيم وتنمية القطاع الصناعي في الدولة ويوفر المرونة اللازمة لتبني المزيد من السياسات الداعمة وتقديم الحوافز، لتمكين القطاع الصناعي وزيادة الجاذبية الاستثمارية وتسهيل الإجراءات لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في الأنشطة الصناعية على مستوى الدولة.
كذلك هناك قانون الشركات العائلية، والذي يوفر الإطار القانوني المطلوب لضمان نمو الشركات العائلية، وتنويع أنشطتها، وتيسير انتقالها بين الأجيال، بما يضمن استمراريتها ويعزز تنافسيتها، وتطوير أعمالها داخل أسواق الدولة وخارجها.
أيضا هناك قانون الشركات التجارية والذي يهدف إلى تعزيز انفتاح مناخ الأعمال في الدولة بما يدعم تنافسية الاقتصاد الوطني وديناميكية بيئة الأعمال، ويركز على توفير بيئة استثمارية حيوية ومتطورة تمكن المستثمرين من تنفيذ مشروعات حيوية للاقتصاد وزيادة استقطاب الشركات الأجنبية وتحفيز الاستثمارات المحلية وجذب الاستثمارات الخارجية إلى القطاعات الاقتصادية بالدولة.
ولم تتوقف الدولة عند هذا الحد من القوانين التي تحمي حقوق المستثمرين في القطاعات التقليدية من الاقتصاد، بل سبقت غيرها في إصدار القوانين التي تنظم عمل الأشكال الجديدة من القطاعات الاقتصادية، مثل الاقتصاد الرقمي.
حيث تواصل وضع وتطوير القوانين التي تنظم هذا القطاع الوليد، ووجدنا إمارة دبي تبادر بسبق عالمي بإعلان محاكم مركز دبي المالي العالمي، إطلاق المحكمة الأولى من نوعها عالمياً، للشركات والمؤسسات العالمية العاملة في مجالات الاقتصاد الرقمي.
ومن خلال كل ما سبق، نجد أن دولة الإمارات تحرص على المضي قدماً في بناء نموذج اقتصادي جديد متكامل الأركان في مستقبل يموج بالتغيرات الاقتصادية الجوهرية، يجعل تحقيق أهدافها المئوية هدفاً ممكن التحقيق.