حققت البنوك الوطنية أرباحاً قوية خلال العام الماضي، ما يعكس التحسن الملحوظ في بيئة الأعمال وصلابة الاقتصاد الإماراتي، الذي ظهر في مؤشرات قياسية للبنوك مدعومة بارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض المخصصات الذي أحدث قفزة في الأرباح، تعززت بارتفاع أسعار النفط.
وجاءت المخصصات أدنى كثيراً من المتوقع، ما يشير إلى قوة موازنات البنوك واحتوائها على مخصصات كافية.
وارتفع صافي أرباح 10 بنوك وطنية مدرجة في أسواق المال المحلية إلى نحو 46.9 مليار درهم خلال العام الماضي، بما يعكس قوة ملاءتها المالية وتمتعها بإيرادات قوية وسيولة مرتفعة مستفيدة من انتعاش الاقتصاد الوطني بعد التعافي الكامل من تداعيات جائحة «كوفيد 19». واستناداً إلى إفصاحات البنوك المدرجة المعلنة على مواقع الأسواق المالية، زادت الأرباح الصافية للبنوك خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر 2022 بنسبة تتجاوز 30 % عن أرباح صافية بلغت 35.66 ملياراً خلال 2021.
ووصلت أرباح 6 بنوك مدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية إلى 24.6 مليار درهم بزيادة 17.9 % مقارنة بأرباح بقيمة 20.8 ملياراً في 2021، فيما سجلت أرباح 5 بنوك مدرجة في سوق دبي المالي 24.1 مليار درهم في 2022، بزيادة 7.89 مليارات درهم، بنمو يلامس 50 % (48.6 %) مقابل 16.23 ملياراً في 2021.
تمويلات ائتمانية
ووفقاً لأحدث إحصاءات مصرف الإمارات المركزي، ارتفع حجم التمويلات الائتمانية الممنوحة من البنوك الوطنية لقطاعي التجارة والصناعة في الدولة، بنحو 38.1 مليار درهم خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي.
وأظهرت الإحصاءات أن الرصيد التراكمي للائتمان المقدم من البنوك الوطنية إلى قطاعي التجارة والصناعة، وصل إلى 721.7 مليار درهم في نهاية أكتوبر الماضي، مقابل نحو 683.6 مليار درهم في ديسمبر 2021، بزيادة 5.6 %. ووفق الإحصاءات، زاد الرصيد التراكمي للائتمان المقدم من البنوك الوطنية إلى قطاعي التجارة والصناعة على أساس سنوي بـ 5.54 % مقابل نحو 683.8 مليار درهم في أكتوبر 2021، بينما ارتفع على أساس شهري بـ 0.12 % مقابل 720.8 مليار درهم في سبتمبر 2022.
وبحسب إحصاءات المصرف المركزي، وصل الرصيد التراكمي للائتمان المقدم من البنوك في إمارة دبي لقطاعي التجارة والصناعة لنحو 355.2 مليار درهم في نهاية أكتوبر الماضي، فيما بلغ نحو 350.4 مليار درهم للبنوك في إمارة أبوظبي، و99 مليار درهم للبنوك في الإمارات الأخرى.
واستحوذت البنوك التقليدية على نحو 665.8 مليار درهم أو ما يعادل 82.7 % من التمويلات الائتمانية الممنوحة لقطاعي التجارة والصناعة نهاية أكتوبر الماضي، فيما وصلت حصة البنوك الإسلامية لنحو 138.8 مليار درهم بما يوازي 17.3 %.
نمو الاحتياطيات
وارتفع إجمالي احتياطيات البنوك بالمصرف المركزي بـ11.7 مليار درهم، أي بـ 4.3 % إلى 364.1 مليار درهم بنهاية نوفمبر.
وسجل القطاع المصرفي زيادة في الحسابات الجارية للبنوك وإيداعات لليلة واحدة، زيادة قوية بنحو 43.5 مليار درهم خلال شهر نوفمبر لتصل إلى 117.4 مليار درهم. وارتفع إجمالي أصول البنوك خلال نوفمبر الماضي بنحو 24.1 مليار درهم، كما ارتفع منذ بداية العام بنحو 317.8 مليار درهم، وارتفع خلال عام بنحو 343.5 مليار درهم، لتصل الأصول إلى 3.64 تريليونات درهم.
استثمارات البنوك
وحققت إجمالي استثمارات البنوك ارتفاعاً إلى 511.1 مليار درهم بنهاية نوفمبر، بنمو 7 % وذلك بزيادة 17.4 مليار درهم خلال شهر، كما استمرت بالزيادة لتصل إلى نحو 37.9 مليار درهم منذ بداية 2022. وارتفعت الاستثمارات في الأوراق المالية التي تمثل ديوناً على الغير (سندات الدين) إلى 250.9 مليار درهم، بزيادة 10.8 مليارات درهم في نوفمبر، لكنها تراجعت منذ بداية العام بنحو 44.8 مليار درهم. وارتفعت استثمارات البنوك في الأسهم خلال نوفمبر بنحو 0.5 مليار درهم إلى 12.2 مليار درهم، لكن البنوك خفضت استثماراتها في الأسهم بنحو 4.9 مليارات درهم منذ بداية العام.
وعززت البنوك استثماراتها في السندات المحفوظة حتى تاريخ الاستحقاق بنحو 5.7 مليارات درهم في نوفمبر الماضي، لتصل استثماراتها الجديدة في 11 شهراً إلى نحو 83 مليار درهم، لتصل إلى 200.8 مليار درهم بنهاية نوفمبر.
توقعات إيجابية
وقال خبراء ومحللون ماليون لـ«البيان» إن الأداء المالي القوي لبنوك دبي جاء بدعم رئيسي من الانتعاش القوي للاقتصاد الوطني في العام الماضي مع انحسار تأثيرات الجائحة، وذلك رغم استمرار الظروف الصعبة التي تواجهها الاقتصادات العالمية، مشيرين إلى أن البنوك استفادت بشكل كبير من انتعاش قطاعات الأعمال ما أدى إلى نمو الطلب على القروض، متوقعين استمرار الأداء القوي خلال العام الجاري بفضل التفاؤل بالأوضاع الاقتصادية والثقة في الأعمال لعام 2023. وأشاروا إلى أنه رغم الظروف والتحديات الصعبة لم تحجب المصارف الوطنية التوزيعات النقدية عن المساهمين، في الوقت الذي قامت فيه البنوك حول العالم بحجب التوزيعات، الأمر الذي يؤكد تمتع مصارف الدولة بقوة وسيولة كافية تتيح لها الصمود في ظل تداعيات الجائحة.
خفض التكاليف
وأفاد الخبير المالي والمصرفي حسين القمزي، بأن البنوك الإماراتية المدرجة بدأت في إعلان نتائجها وجميعها أظهرت نمواً في الإيرادات والأرباح، حيث استفادت البنوك من معدلات الفائدة المرتفعة التي تسود العالم. وقال القمزي: «أسعار الفائدة وربحية البنوك ترتبطان ببعضها البعض، حيث تستفيد البنوك من أسعار الفائدة المرتفعة، من خلال الاستفادة من الفرق بين الفوائد التي تدفعها البنوك للعملاء والفائدة التي يمكن أن يكسبها البنك من الإقراض، فالهامش كبير بين الاثنين في الوقت الراهن». وأضاف: «معظم البنوك المحلية كانت تعمل خلال العام الماضي على تقليل التكاليف من خلال إغلاق فروع والاعتماد على خدمات الـ(أونلاين)، وبصورة عامة أرباح البنوك لعام 2022 هي انعكاس لتخفيض التكاليف وارتفاع أسعار الفائدة»، مؤكداً ضرورة عودة البنوك للإقراض مستغلة وضع السيولة الجيد وأسعار الفائدة المرتفعة.
أداء قوي
وأكد الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، وضاح الطه، أن أداء البنوك كان قوياً والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى رفع معدلات الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي لمستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى أنه مع ربط الدرهم بسعر الدولار كان لابد من قيام مصرف الإمارات المركزي برفع أسعار الفائدة.
وأشار إلى أن بعض البنوك لجأت إلى خفض المخصصات ما أدى إلى زيادة الإيرادات، بالإضافة إلى جانب الأمان والثقة اللذين يحظى بهما القطاع المصرفي الإماراتي.
وأوضح أنه على الرغم من الانخفاضات الحادة في الأسواق الأمريكية، فإن بنوك الإمارات والخليج تحافظ على مستويات مرتفعة من الأرباح، مشيراً إلى أن تخفيض مخصصات الائتمان يحرر جزءاً من المخصصات، ويؤدي لزيادة ربحية البنوك، مؤكداً أن الدورة الاقتصادية في الدولة لم تتأثر كثيراً بارتفاع أسعار الفائدة، بسبب عدم وجود نسب تضخم مرتفعة، مثل التي تشهدها الأسواق العالمية.
الاستثمار في الصكوك
وقال الخبير المصرفي حسن الريس إن رفع أسعار الفائدة كان له دور كبير في زيادة ربحية البنوك بالدولة، فضلاً عن اتجاه معظم البنوك إلى الاستثمار في الصكوك الوطنية، نظراً لارتفاع أرباحها.
وأضاف إن الأداء المالي القوي لبنوك دبي جاء بدعم رئيسي من الانتعاش القوي للاقتصاد الوطني في العام الماضي مع انحسار تأثيرات الجائحة، وذلك رغم استمرار الظروف الصعبة التي تواجهها الاقتصادات العالمية، مشيراً إلى أن البنوك استفادت بشكل كبير من انتعاش قطاعات الأعمال ما أدى إلى نمو الطلب على القروض، متوقعاً استمرار الأداء القوي خلال العام الجاري بفضل التفاؤل بالأوضاع الاقتصادية والثقة في الأعمال لعام 2023.
وأكد أن البنوك في الدولة أكبر مستفيد من ارتفاع أسعار الفائدة، ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع أرباحها في العام 2023، خصوصاً أن التحسن الاقتصادي بشكل عام، أدى إلى خلق حركة طلب على القروض العقارية، مشيراً إلى أن الودائع الجديدة سترتفع لأنها مرتبطة بـ«الأيبور».
ثقة عالمية
وأكدت الخبيرة المصرفية عواطف الهرمودي، أن أرباح البنوك بالدولة تجاوزت مستويات ما قبل جائحة كورونا، ما يؤكد قدرة القطاع المصرفي الإماراتي على جذب الاستثمارات الدولية، حيث استطاع القطاع التأقلم مع أوضاع السوق الراهنة واستفاد من رفع أسعار الفائدة العالمية، فضلاً عن التوسع في أفرع جديدة في الدول الأخرى. وقالت الهرمودي إن البنوك الإماراتية شهدت ارتفاعاً كبيراً في صافي هامش الفائدة في الربع الرابع 2022، نتيجة للعديد من العوامل التي تمثلت في ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، ما أدى لزيادة أسعار الفائدة المرتفعة. كما أكدت أنه على الرغم من ظروف الأسواق الصعبة، إلا أن البنوك شهدت ارتفاعاً كبيراً في معدلات نمو الودائع، ما أدى إلى زيادة السيولة في القطاع المصرفي.
بيئة استثمارية جاذبة
وقال الخبير المصرفي أسامة آل رحمة، إن الأداء الاقتصادي للدولة فاق التوقعات، بحسب تقديرات البنك الدولي والمؤسسات الدولية، ما انعكس بشكل إيجابي على المؤسسات المالية، كما أن رفع معدلات الفائدة أسهم في زيادة ربحية البنوك.
وأوضح أن الأداء الاقتصادي العام للدولة أظهر التحكم في معدلات التضخم عند مستويات مقبولة، بالإضافة إلى مستوى الأداء الإيجابي لأسواق المال المحلية والطروحات الأولية والتحسن الاقتصادي، الذي يؤكد قدرة الحكومة والقيادة الرشيدة على توفير بيئة استثمارية جاذبة مبنية على أسس اقتصادية سليمة ورؤية واضحة.
خصوصية
أفادت عواطف الهرمودي بأن هناك خصوصية تتمتع بها أسواق الإمارات، لاسيما البنوك المحلية، والدليل على ذلك حجم الاستثمارات الأجنبية خلال العام الماضي، والتي تعززت من خلال دخول بنوك رقمية جديدة، تتمتع بكفاءة عالية وذات أساسات قوية، إضافة إلى الكفاءة العالية التي احترفها السوق الإماراتي، ليعزز موقعه في خريطة الاستثمار العالمي.
وشددت على أن التنويع في البنوك بين رقمية وإلكترونية وتقليدية جذب المزيد من السيولة إلى البنوك، وعزز الثقة بالاستثمار في أسواق الإمارات، ما يعكس حجم الثقة الموجودة من قبل المستثمرين.