نجحت دبي في تعزيز مكانتها على خريطة الاستثمارات الصناعية، وباتت حاضنة للعديد من الصناعات التي نجحت في اختراق الأسواق الدولية، وحافظت على وتيرة نمو عالية تتعزز باطراد مع توجه الإمارة نحو إقامة المناطق الصناعية المتخصصة، وتوفير وجذب الاستثمارات الخارجية واستقدام التكنولوجيا الحديثة التي ترفد هذا القطاع بعوامل التنافسية مع القطاعات الصناعية العالمية.

وتضم دبي العديد من الحواضن الصناعية التي أدت دوراً محورياً في دعم علامة «صنع في الإمارات» إلى الأسواق العالمية، من أهمها سلطة المنطقة الحرة بجبل علي «جافزا»، التي تضم 795 شركة صناعية من 73 دولة، وتمكِّن المصنعين من الوصول إلى ما يزيد على 3.5 مليارات مستهلك حول العالم، وأكثر من 65 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين تجاوز إجمالي عدد الشركات في مدينة دبي الصناعية 800 شركة، تشمل أكثر من 300 مصنع دخلت حيز الإنتاج في قطاعات مختلفة. ويوجد في مجمع دبي للاستثمار أكثر من 4600 شركة تغطي الطيف الواسع من الصناعات، بدءاً من الوحدات الصناعية من الحجمين الصغير والمتوسط، في مجالات الألمنيوم والفولاذ والمواد الكيماوية والمستحضرات الصيدلانية والبلاستيك والنفط والغاز والإنشاءات ومواد البناء.

أفاد خبراء ومختصون في القطاع الصناعي بأن هناك مجموعة من العوامل التي تسهم في تعزيز مكانة دبي على خريطة التصنيع العالمية، والتي تتمثل في السياسة الحكومية المنفتحة، التي تستهدف استقطاب ‏العقول والكفاءات من مختلف أنحاء العالم، وتطور البنية ‏التحتية التي تعتبر الأكثر ملاءمة للمشاريع الصناعية، ووجود بنية تشريعية محفزة للاستثمار، والموقع الجغرافي المتميز الذي يجعل منها مكاناً مثالياً لحركة الاستيراد والتصدير، والبيئة الاستثمارية الجاذبة، والتسهيلات الحكومية التي تستهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية ودعم الاستثمارات الصناعية.

وأضافوا أن الدعم الذي توفره دبي للقطاع الصناعي يمثل حافزاً كبيراً للمستثمرين المحليين والأجانب، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الفضائية، والطاقة النظيفة والمتجددة، والصناعات الدوائية، والأغذية والمشروبات، والصناعات الثقيلة الخاصة بالحديد والألمنيوم، إضافة إلى قطاعات صناعية مرتبطة بالطيران، والسفن البحرية، والسلع الاستهلاكية سريعة التداول، في ظل بيئة حاضنة وجاذبة للاستثمارات، تستقطب رؤوس الأموال المحلية والدولية.

«دبي الصناعية»

وقال سعود أبو الشوارب، مدير عام مدينة دبي الصناعية، إن إجمالي عدد الشركات العاملة في المدينة حالياً يتجاوز 800 شركة، تشمل ما يزيد على 300 مصنع دخلت حيز الإنتاج في قطاعات مختلفة، مشيراً إلى أن مدينة دبي الصناعية سجلت نمواً بنسبة 10 % في عدد المصانع المنتجة مقارنة بعام 2021.

وأضاف أبو الشوارب أن مدينة دبي الصناعية تحتضن 6 قطاعات صناعية أساسية، تتمثل في صناعة الأغذية والمشروبات، والمعادن، ومواد البناء، والصناعات الكيماوية، والنقل والمواصلات، وصناعة المعدات، مشيراً إلى أن هذه القطاعات تؤدي دوراً مهماً في تعزيز نمو اقتصاد دبي.

وتابع: إن قطاع الأغذية والمشروبات هو أحد القطاعات الحيوية الرئيسية في مدينة دبي الصناعية بمساحة تأجير إجمالية تتجاوز 23.5 مليون قدم مربعة من الأراضي المخصصة للأعمال، الأمر الذي ينسجم مع المبادرات الحكومية ذات الصلة، مثل الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، واستراتيجية دبي الصناعية 2030، ومبادرة «اصنع في الإمارات» ضمن إطار «مشروع 300 مليار».

وأوضح أن القوانين الأخيرة التي تم إصدارها تدعم جذب الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى الشراكات الاقتصادية التي وقعتها دولة الإمارات، التي تؤدي دوراً مهماً في استقطاب الاستثمارات الصناعية، مشيراً إلى أن دبي نجحت في توفير بيئة أعمال جاذبة للمستثمرين والتجار والمصانع العالمية والإقليمية والمحلية، من خلال تسهيل الأعمال، وتوفير بنية تحتية متطورة وخدمات متكاملة، تشمل مرافق تصنيعية وتخزينية ومكاتب وأراضي صناعية وصالات عرض ومساحات تجارية، الأمر الذي يجعلها مركزاً للتصنيع في المنطقة.

وأردف: إن هناك عوامل رئيسية تجعل الصناعات المحلية قادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، من ضمنها سهولة الوصول لهذه الأسواق عبر شبكة الربط البحري والجوي والبري التي تتميز بها الإمارة، إضافة إلى جودة المنتجات المحلية التي تعتمد على التقنيات الحديثة، والتزام المصانع في دبي بأعلى المعايير البيئية، الأمر الذي يسهم في تعزيز تنافسيتها في الأسواق الخارجية.

مجموعة دوكاب

وأكد محمد المطوع، الرئيس التنفيذي لمجموعة دوكاب، أن الصناعة المحلية أصبحت قادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، لما تتميز به من جودة وتنافسية عالمية، إضافة إلى استثمارها في التقنيات والتكنولوجيا الحديثة التي تواكب التوجهات المحلية والعالمية، مشيراً إلى أن شركة دوكاب تصدر 60 % من منتجاتها المدعمة بالخبرات والحلول المتكاملة عالية الجودة إلى الأسواق الخارجية.

وقال: نجحت «دوكاب» خلال العام الماضي 2022 في دخول أسواق جديدة، ليصبح مجموع الأسواق التي تصل إليها منتجات الشركة 55 سوقاً حول العالم، تتوزع على دول الخليج وآسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين، وتشمل قائمة الأسواق بولندا، وألمانيا، وفرنسا، وكولومبيا، والتشيك، مشيراً إلى أن المجموعة ستواصل خلال الفترة المقبلة البحث عن فرص والدخول في أسواق جديدة.

وأوضح أن «دوكاب» تنتج سنوياً أكثر من 115 ألف طن من الكابلات المعدنية المستخدمة للجهد العالي المنخفض والمتوسط، كما تنتج شركة دوكاب للمعادن سنوياً ما يصل إلى 180 ألف طن من النحاس، و50 ألف طن من الألمنيوم.

وعن أسباب نجاح «دوكاب» في اختراق الأسواق الخارجية، قال المطوع: إن الشركة تتمتع بإمكانات تكنولوجية وصناعية وفنية متميزة، وهو ما يمكن منتجاتها التي توفر الحلول المتكاملة وكابلات الجهد العالي والمتوسط والمنخفض، من أن تكون ذات جودة عالية، تخدم جميع أنواع المشاريع المستخدمة فيها في القطاع الصناعي، مشيراً إلى أن قائمة المشاريع التي عملت عليها دوكاب تضم «إكسبو 2020 دبي»، والاتحاد للقطارات، ومجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، ومتحف المستقبل، وبرج خليفة، في حين أن المجموعة تركز أيضاً على مشاريع الطاقة المتجددة، مثل «ريان كورنر ويندفارم» في أستراليا، ومشروع «جنرال إلكتريك المتكامل» في العراق، ومزرعة خليج السويس في مصر، ومشروع الظفرة للطاقة الشمسية بأبوظبي.

وعن أهم التحديات قال المطوع: إن التحديات دائماً ما تصنع قصص النجاح، فعلى سبيل المثال نجحت المجموعة في تجاوز التحديات اللوجستية التي فرضتها جائحة كورونا، وأضافت خلال الفترة الماضية 10 أسواق جديدة، ليصل مجموع الأسواق التي تصلها منتجاتنا إلى 55 سوقاً بنهاية عام 2022 مقارنة بـ45 سوقاً بنهاية 2021.

«إنتركويل العالمية»

وقال حسن الهزيم، المدير التنفيذي لشركة «إنتركويل العالمية» المتخصصة في صناعة الإسفنج والمراتب الصحية والمفروشات: إن الشركة التي انطلقت من دبي عام 1974 باتت تصدر منتجاتها حالياً إلى أكثر من 30 دولة، وأصبحت علامة تجارية إماراتية عالمية شهيرة تحقق نمواً مستداماً، كما أنها تعتبر أول شركة من خارج أوروبا تنضم إلى جمعية مصنعي الإسفنج الأوروبية.

وأضاف الهزيم أن الشركة استفادت من نجاح دبي بوصفها مدينة تربط أطراف العالم تجارياً وسياحياً عبر بنية تحتية ولوجستية قوية، فيما تمتلك حالياً 3 مصانع، أحدها في دبي، والثاني في رأس الخيمة، والثالث في المملكة العربية السعودية يخدم السوق الخليجي.

وأوضح أن الشركة تصدر منتجاتها إلى أسواق أوروبا ودول الخليج ودول شرق آسيا وعدد من الدول العربية والأفريقية.

وذكر أن «إنتركويل العالمية» تمتلك شبكة توزيع قوية، إضافة إلى شراكتها مع أهم مراكز بيع الأثاث والمفروشات في الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول العربية.

وقال: إن الشركة حصلت على 3 أرقام قياسية في موسوعة غينيس العالمية، وعلى «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال»، وعلى المركز الرابع في تصنيف أفضل 100 شركة صغيرة ومتوسطة في دبي، وعلى شهادة برنامج دبي لتقدير الجودة وتسمية المسؤولية الاجتماعية للشركات في دبي.

وأضاف أن «إنتركويل العالمية» وسعت حضورها الإقليمي والعالمي انطلاقاً من دبي التي تنافس نفسها في التطور المستمر، الأمر الذي جعل الشركة تنطلق إلى العالمية بجدارة، وباتت تورد منتجاتها إلى أشهر المجموعات الفندقية في العالم، مثل: «مجموعة جميرا»، بما فيها فندق «برج العرب»، ومجموعة فنادق جميرا في المالديف، وفنادق فور سيزونز دبي، وفنادق في بريطانيا، وغيرها، وهو ما يدعو إلى الفخر بالصناعة الإماراتية.

صناعة الحديد

وأكد بهارات باتيا، الرئيس التنفيذي لشركة «كوناريس»، أن صناعة الحديد في دبي أصبحت تتمتع بكل المقومات اللازمة للمنافسة في الأسواق الخارجية، بفضل التزامها بأعلى معايير الجودة وتنافسية أسعارها، مشيراً إلى أن شركة كوناريس منذ تأسيسها عام 1988 تعمل في الفولاذ، وقد استفادت من البيئة الاستثمارية التي توفرها دبي ونجحت في الانطلاق إلى الأسواق الدولية، حيث تم تصنيفها بأنها الشركة الأعلى دخلاً من حيث حجم التجارة في قطاع المعادن والصلب في «جافزا» خلال عام 2019.

وأضاف أنه منذ عام 2011 أصبحت منتجات كوناريس تصدر إلى 26 دولة عبر القارات الست، وتستحوذ الأسواق الأوروبية على النسبة الكبرى من الصادرات، مشيراً إلى أنه خلال عام 2022، شكلت الصادرات ما نسبته 78 % من الإيرادات الإجمالية للشركة. وتقدر القيمة الإجمالية لصادرات الشركة بنحو 200 مليون دولار سنوياً (735 مليون درهم).

وأردف: إن السبب الرئيسي في انطلاقة الشركة إلى العالمية يرجع إلى تطور البنية التحتية القوية في دبي، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، فضلاً عن توافر الخدمات اللوجستية وشبكات النقل القوية والمناطق الحرة الرائدة بالمنطقة، مشيراً إلى أن دبي أرست ركائز لتمكين التقدم والنمو الصناعي، فضلاً عن تحقيق نجاحات قوية في مختلف الصناعات.

وعن أهم التحديات في الأسواق الخارجية قال: إن بعض الأسواق لا تزال تتبنى سياسة الحمائية لصناعاتها الوطنية من خلال رفع الرسوم الجمركية، إضافة إلى أن هناك منافسة قوية جداً في أسواق بعينها، الأمر الذي يجعل من الصعوبة على الشركات الجديدة التنافس فيها.

التغليف الغذائي

وقال عبدالجبار بي بي، العضو المنتدب لمجموعة «هوتباك»: إن دبي طورت استراتيجيات متنوعة لتعزيز مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، وإن المنتجات التي يتم تصنيعها في دبي توفر قيمة تنافسية بفضل التقنيات العصرية التي يتم استخدامها في هذه الصناعات، والتزامها الصارم بأعلى معايير الجودة، في حين أنه من شأن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لدبي، وقوة شبكة الربط البحري والجوي والبري التي تتمتع بها مساعدة الصناعات في الإمارة على المنافسة بالأسواق الخارجية، سواء من حيث التكلفة أو الجودة.

وأضاف أن «هوتباك» بدأت في 1995 بمقرها في دبي، وأتاح لها الموقع الاستراتيجي ترسيخ مكانتها سريعاً، كونها مورّداً لمنتجات التغليف الغذائي عالية الجودة بأسعار تنافسية، وعلى مدار السنوات الماضية عمدت إلى زيادة قاعدة عملائها وواصلت تنويع منتجاتها، مشيراً إلى أن منتجات الشركة تصل حالياً إلى أكثر من 100 دولة حول العالم من مقرها الرئيسي في دبي «مجمع دبي للاستثمار»، وقد أنشأت مرافق صناعية ومراكز متنوعة لسلسلة التوريد في أجزاء مختلفة حول العالم.

وقال إن هناك خططاً لإطلاق مرافق جديدة خلال الفترة المقبلة لتحقيق هدف الشركة، المتمثل في أن تصبح العلامة التجارية الأولى عالمياً في صناعة منتجات التعبئة والتغليف بحلول عام 2030. وينصب التركيز خلال الفترة الحالية على تطوير طرق أخرى للتصدير إلى أسواق الولايات المتحدة وأوروبا، مشيراً إلى أن 40 % من إجمالي إيرادات «هوتباك» تأتي من صادراتها الخارجية.