أكد مسؤولون في قطاع الإعلان أن دبي رسخت مكانتها بصدارة قطاع الإعلان في المنطقة، بفضل احتضانها المقرات الإقليمية لكبرى شركات الإعلان الدولية، وتبنيها لأحدث التقنيات في الصناعة، كما أصبحت محط أنظار الشركات العالمية التي ترغب في تسويق وترويج منتجاتها عبر الكثير من معالم الإمارة المتميزة والاستثنائية.
وتوقع المركز العربي للبحوث والدراسات الاستشارية «بارك» أن يبلغ حجم الإنفاق الإعلاني في الإمارات 8.56 مليارات درهم في 2023 بحسب تقديرات أولية، ليحقق نمواً يصل إلى 7 % مقارنة بالعام 2022، والذي بلغ فيه حجم السوق 8 مليارات درهم.
الإعلان المنظم والرقمي
وقال سامي رفول مدير عام مركز «بارك» في تصريحات خاصة لـ«البيان»، إنه من المتوقع أن يستحوذ الإعلان الرقمي على حصة 3.6 مليارات درهم من مجمل حجم الإنفاق الإعلاني السنوي لهذا العام، فيما يستحوذ الإعلان التقليدي أو المنظم،والذي يشمل الإعلانات المقروءة والمرئية والمسموعة (الصحف والمجلات والراديو والتلفزيون والسينما والإعلانات الخارجية) على حصة تبلغ نحو 4.9 مليارات درهم.
نمو متصاعد
وأشار رفول إلى أن الزخم الذي نشهده اليوم في قطاع الإعلانات في الدولة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة النمو المتصاعدة في الاقتصاد الإماراتي، كما يعتبر مؤشراً رئيسياً على حجم التوسع في الاستثمارات والمشاريع الجديدة في السوق المحلي، بما يشمل كافة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية.
ووصف رفول انطلاقة قطاع الإعلان خلال العام الجاري «بالجريئة» ومؤشر على عودة الثقة لدى المستثمرين وكبار الشركات والقطاعات التجارية الكبيرة، كالصناعة والعقار والمنتجات الاستهلاكية، والتي عادت وجددت ثقتها بوسائل الإعلان المنظمة (التقليدية) خاصة.
وذكر رفول: «نلاحظ اليوم أن إعلانات القطاع الحكومي والخدمات الحكومية لا تزال موجودة وبقوة في الساحة، ولديها حضور قوي مستمر، كما عادت المنتجات الاستهلاكية إلى حضورها المعتاد ولاسيما المعدات والأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والأثاث ومواد التنظيف، فيما لا تزال بعض القطاعات الأخرى خجولة مثل قطاع السيارات والبنوك».
وأضاف: «شهد قطاع الأغذية والمشروبات نمواً قوياً، خاصة بعد أزمة كورونا، مع التركيز بشكل أكبر في الدولة على قضايا الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، والتي ترافقت مع استثمارات كبيرة في هذا المجال ودخول أصناف جديدة إلى السوق، مما انعكس على نمو الإنفاق الإعلاني».
وفيما يتعلق بالمنتجات الفارهة، فإنها شهدت انكماشاً خلال فترة الجائحة بسبب عدة أسباب أبرزها الإغلاقات وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي وتوقف حفلات الزواج والمناسبات الخارجية كالمؤتمرات والمعارض، ومن ثم حققت نمواً في الإنفاق بوتيرة أسرع، ولاسيما الساعات الفاخرة والمجوهرات والنظارات والألبسة وغيرها.
ولفت إلى أن قطاع التكنولوجيا يعتبر اليوم في عصره المثالي، حيث سيستمر في تحقيق قفزات نوعية في الكم والنوع، والملاحظ لدينا أن هذا السوق لا يشهد إعلانات لإطلاق صانعين أو علامات جديدة، إنما إعلانات لنسخ متطورة ومحدثة بشكل سنوي من قادة صناعة التكنولوجيا العالميين وخاصة شركات الهواتف الذكية العملاقة مثل أبل وهواوي وسامسونغ.
وأشار مدير عام المركز العربي للبحوث والدراسات الاستشارية «بارك» إلى أن قطاع البنوك لا يزال خجولاً ومتردداً، لكن نتوقع مع تسارع نمو الخدمات الرقمية والتكنولوجية في القطاع، أن يكون هناك أخبار سارة لقطاع الإعلان قريباً، حيث سيحتاج اللاعبون الرئيسيون في صناعة البنوك في المرحلة اللاحقة لمزيد من الإنفاق على الإعلانات بمعدلات أعلى بهدف الترويج لمنتجاتهم الرقمية الجديدة.
عودة للنمو
وقال رفول، إنّ القطاع الإعلاني أثناء جائحة كورونا شهد فترة فراغ، حيث هبط السوق بنسبة تصل إلى 60 % في 2020، ثم عاد وانخفض بنسبة أقل في 2021، ليمر السوق بمرحلة مخاض عسير، أدت في المحصلة إلى تغير معالم السوق والكثير من الكوادر القائمين على الصناعة، كما تبدلت الوسائل والأدوات المعهودة سابقاً، وفي ظل تلك الظروف الاستثنائية جرى إعادة خلط للأوراق في صناعة الإعلان.
ووصف رفول 2022 بعام «الترميم»، حيث عاد القطاع إلى سكة النمو والتي بلغت نحو 25% مقارنة مع 2021، كما شهد قطاع المنتجات الغذائية والصحية انتعاشاً كبيراً لا يزال مستمراً حتى اليوم، مع دخول استثمارات وعلامات جديدة إلى السوق، ويأتي ذلك في إطار ردة فعل على سنوات الجائحة والاضطراب العالمي في سلاسل الإمداد وارتفاع التضخم.
وأضاف: «قطاع الإعلان تحول بشكل جزئي من الاتجاه المنظم إلى النظام العشوائي، والذي يتصف به الإعلان الرقمي غالباً، ولكن على أرض الواقع لا تستطيع شركات الإعلان أن تعيش في بيئة عشوائية، وبالتالي تحتاج إلى خطط صلبة وقاعدة متينة لتنفيذ أفكارها ومشاريعها وهو ما يوفره الاعلام التقليدي» .
إمارة طموحة
وقال رمزي رعد مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة «تي بي دبليو ايه/ رعد الشرق الأوسط» الإعلانية، إنّ دبي تعتبر عاصمة صناعة الإعلان في العالم العربي، ويأتي ذلك كمحصلة لرؤية الإمارة الطموحة والمستدامة التي انعكست على كافة القطاعات الاقتصادية، وتبنيها لأحدث النماذج العصرية في النشر والإعلان وتوفير البنية التحتية الحديثة والمتطورة، واليوم تحتضن دبي أكبر الوكلات الإعلانية في العالم، حيث تتواجد عبر مكاتبها الإقليمية وتدير عملياتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأفاد رعد في تصريحات لـ«البيان» بأنّ المشهد الإعلاني في الإمارات شهد خلال السنوات القليلة الماضية العديد من التحولات الرئيسية، ولاسيما بعد جائحة كورونا والتأثيرات الاقتصادية الناتجة عنها وما صحابها من إغلاقات وتطبيق لنموذج العمل عن بعد.
وأضاف رعد أن أبرز هذه التحولات هي توجه المعلنين في قطاع السلع والخدمات مثل السيارات والساعات والعطور والأصناف المستوردة الأخرى، نحو الإنفاق على الإعلانات الرقمية بهدف تحقيق نتائج سريعة وتخفيض التكاليف مع إمكانية التحكم في مدة الإعلان وتكراره وتحديد زمن توقفه، بعكس الإعلانات عبر الطرق التقليدية مثل التلفزيون والتي تحتاج إلى إنفاق مبالغ أكبر وفيها يرتبط المعلن باتفاقيات وعقود محددة تسيطر على مدة الإعلان ومحتواه وتكراره وزمن توقفه.
وتابع رعد، أن التحول الرئيسي الآخر، هو ابتعاد الشركات المعلنة عن الوكالات المتخصصة بالإعلان، حيث توجهت الشركات إلى بناء فريقها الداخلي ليكون تحت سيطرتها وإدارتها مباشرة ولاسيما عند الحديث عن الإعلانات الرقمية.
وذكر رعد أن النشرات والكتيبات الإعلانية والترويجية التي تنشرها وتقدمها الجمعيات التعاونية والهايبر ماركت لعملائها خضعت أيضاً لعملية تحول، حيث قللت إدارات قطاع التجزئة من الاعتماد على الوكالات الإعلانية في تصميم هذه النشرات، وباتت تعتمد على فريق من الموظفين لديها كالمصورين والمصممين ومتخصصي التسويق، بحيث تنتج النشرات الخاصة بها مصحوبة بسعر المنتج والخصومات عليه، علماً بأن هذا التحول لا يشمل الإمارات فقط، إنما هي ظاهرة عالمية ملحوظة.
نضوج المعلن المحلي
وكشف رعد أن هناك تحولاً مهماً حدث بأسلوب الإعلانات في منطقة الخليج خاصة، فكما نذكر أنه في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كان مصدر الإعلان هم مصنعو السلع العالميون وخاصة المنتجات اليابانية مثل توشيبا وسوني وتويوتا ونيسان، فكان الإنفاق على الإعلان ينمو مع نمو السوق، وحققت هذه التجربة الكثير من النجاحات خلال تلك الفترة، لكن التحول الكبير الذي حدث مع بداية القرن الجديد وحتى اليوم هو نضوج المعلن المحلي مثل طيران الإمارات وإعمار ودو واتصالات وموانئ دبي العالمية والجهات الحكومية والفنادق، والتي باتت تستحوذ على حصة قيادية في السوق، بل إن الأمر توسع وأخذ آفاقاً وأبعاداً عالمية، إذ نقلت مستوى الإعلان إلى خارج الدولة لنشاهدها على أكبر وسائل الإعلام العالمية وأشهر أندية كرة القدم العالمية.
وأصبح المعلن المحلي اليوم ينافس عالمياً، ويعتبر ذلك مؤشراً مبشراً وإيجابياً جداً، يدل على حجم النمو في الوعي والخبرة والقدرة على اقتناص الفرص التسويقية المناسبة، بحسب رعد.
ولفت رعد إلى ظاهرة حدثت مؤخراً مرتبطة بقطاع الإعلان الرقمي ولاسيما محرك البحث غوغل، حيث طالبت كافة وسائل الإعلام المحلية في أستراليا شركة غوغل بتقاسم عوائد الإعلانات معها، معتبرة بأنها المصدر الرئيسي للبيانات والأخبار والأرقام المحلية، وبالفعل نجحت وسائل الإعلام أخيراً في تحقيق مطالبها المشروعة، لتنتشر الظاهرة بعدها إلى دول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا، ولكن حتى اليوم لم نشهد أي خطوات مماثلة في العالم العربي.