رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، ومستشار لمؤسستي «أليانز» و«غراميرسي»

صنّاع السياسة مطالبون بالذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد تحليل البيانات في استشرافهم للمستقبل

قررت البنوك المركزية الأربعة المؤثرة، وهي بنك إنجلترا وبنك اليابان المركزي والمركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي، أخذ «وقت مستقطع» فيما يتعلق بإجراءات مهمة تتعلق بالسياسات خلال الأسبوعين الماضيين. وفي ثلاث من الحالات الأربع، كان هذا القرار صحيحاً، بافتراض أن الوقت المستقطع أفضى إلى نتائج طيبة.

لقد قرنت البنوك المركزية الأربعة، قرار تثبيت أسعار الفائدة بترك الباب مفتوحاً أمام استئناف محتمل للزيادات في وقت لاحق، بيد أن واحداً منهم، وهو بنك اليابان المركزي، تبنى تعديلاً ضئيلاً على سياسة «التحكم في منحنى العائدات» التي تنطوي على شراء السندات لإبقاء العائدات عند مستويات منخفضة.

وظاهرياً، أمام البنوك المركزية وقت يتسنى لها فيه تقييم تأثير قراراتها السابقة، بجانب استيعاب المزيد من البيانات، لكن ما يتعين عليها فعله يتخطى مجرد هذا بكثير. وبالتحديد، هذه البنوك بحاجة للتفكير بحذر في نوع الوقت المستقطع الذي طلبوا الحصول عليه. بالنسبة للكثير منا، يعتبر الوقت المستقطع بمثابة تذكير بعقاب واجهنا خطره لما كنا صغاراً. من ناحية أخرى، بالنسبة لمحبي الرياضة يتعلق مفهوم الوقت المستقطع بمجموعة واسعة من المواقف. ولغرض هذا المقال، بإمكاننا التفكير في ثلاثة أنواع من الأوقات المستقطعة المعمول بها في كرة القدم الأمريكية، وكرة السلة، وغيرهما.

النوع الأول هو الوقت المستقطع التكتيكي، للتعامل مع إصابة في الملعب ولشراء الوقت في سبيل مراجعة القرار المتعلق بطريقة اللعب السابقة أو لإيقاف الساعة حتى لا يمضي الوقت بلا فائدة. النوع الثاني هو استراتيجي أكثر، لأنه يسعى إلى تغيير زخم اللعب، أو إتاحة الوقت أمام تفكير أعمق في طريقة اللعب مستقبلاً. وأخيراً، هناك وقت مستقطع نفسي يرمي إلى عرقلة المعارضة عن طريق «التأثير سلباً على ثقة الخصم في نفسه»، كما نرى في كرة القدم الأمريكية.

إن البنوك المركزية الأربعة تواجه إغراءً مفهوماً بالاعتقاد في أنها تأخذ وقتاً مستقطعاً من النوع الأول، ذلك الذي يسمح لها بالتمهل للتفكير في التطورات الأخيرة، والانتهاء من المهام غير المكتملة، فضلاً عن إدخال مجموعة أخرى من البيانات في تحليلات هذه البنوك تتعلق بوقائع سابقة. وفي حين أن البيانات تأتي في صالحها، لكن يشعر بنك إنجلترا والمركزي الأوروبي والفيدرالي، أنهم ما زالوا بحاجة لمعالجة جيدة للتداعيات التراكمية للزيادات الكبيرة للفائدة. أما بنك اليابان المركزي، فهو من ناحيته يقيّم تأثير سماحه لعائدات السندات الحكومية لأجل 10 أعوام بالتحرك بقرابة نقطة مئوية كاملة، بموجب مجموعة التعديلات التي أقرها على سياسة التحكم في المنحنى. ومع ذلك، فمثل هذا التأطير التكتيكي سيكون ضيقاً للغاية، وسيكون إشكالياً على المدى الطويل، فيما هناك مشكلات استراتيجية تتطلب استجابات في أسرع وقت.

إن البنوك المركزية الأربعة، تحتاج إلى أن تكون عبارة «الاعتماد على البيانات» التي كثيراً ما ترددها هذه البنوك، مشفوعة بتوصيف أكثر وضوحاً واستشرافاً لمستقبل السياق الاقتصادي، وأيضاً الإفصاح عن معدل الفائدة التوازني الأنسب لاقتصاد الغد، ويُقصد بذلك معدل الفائدة الذي يتماشى ونمو اقتصادي مُستدام وتضخم مستقر.

وتحتاج البنوك المركزية أيضاً لتحسين أساليب التنبؤ لديها، وأن تكون أكثر وضوحاً بشأن المفاضلات التي توصلها إلى تحقيق مستهدفات التضخم التي حددتها. وأخيراً، وهو الأمر الأكثر إثارة للجدل، أن هذه المستهدفات ذاتها قد تكون بحاجة للمراجعة، لكن لابد أن تتم هذه العملية بعقلية منفتحة.

وتتجلى حاجة الاحتياطي الفيدرالي لوقت مستقطع استراتيجي في 4 تصحيحات مطلوبة للمسار، وهي معالجة المشكلات المتكررة المرتبطة بالخطأ في التواصل، وتحديث إطار سياسة نقدية عفا عليها الزمن، واستعادة المصداقية، وتعزيز عملية المساءلة. أما بنك اليابان المركزي فبحاجة إلى التفكير في الوقت المستقطع بطريقة أكثر شمولية، خاصة مع نفاد صبر الأسواق، مع ما يُعتبر خروجاً مبالغاً في حذره من التحكم في منحنى العائدات. وقد تسبب الإعلان الأخير لسياسات البنك، في ارتفاع العائدات وانخفاض الين، وهو مزيج أجبر البنك مجدداً على شراء السندات والتهديد بالتدخل في سوق العملات.

وعوضاً عن إيقافه لعقارب الساعة، من المحتمل أن يكون الوقت المستقطع قد تسبب عن غير قصد في تسريع نفاد الوقت، مع تأخر بنك اليابان المركزي عن الركب في الخروج من نظام دام طويلاً لكبح العائدات على نحو مباشر. شوّه هذا المسار، النظام المالي، ويخاطر مخاطر بأن يأتي بنتائج اقتصادية عكسية، فضلاً عن كونه أكثر عُرضة لتفكيك فوضوي.

لقد أخطأت أبرز البنوك المركزية العالمية، طيلة عامين في أخذ وقت مستقطع يتعلق بالتضخم، ما ثبت ضرره بالرفاهية الاقتصادية والمالية، كما كانت له تبعات سلبية كبيرة بصفة خاصة على القطاع الأكثر ضعفاً من المواطنين، لكن عملية اللحاق المحموم بالركب التي تبعت كل ذلك، أتاحت لثلاثة من بين البنوك الأربعة الأبرز بأخذ وقت مستقطع، لكن هذه المرة من سياسة رفع الفائدة، ومن موقف أقوى. لذا، دعونا نأمل، بالتفكير في الأمر من ناحية استراتيجية وتكتيكية أيضاً، في أن هذه البنوك ستعزز آفاق السياسيات، وفي الوقت ذاته، تقوية دفاعاتها لصد الخطر المتزايد المنطوي على تداعيات سلبية ناجمة عن الخروج غير المنظم من برنامج التحكم في منحنى العائدات باليابان، وكذلك السيل المقبل من طروحات السندات الحكومية في بلدان عدة.