أصدر مركز دبي للسلع المتعددة النسخة الأحدث من تقرير «مستقبل التجارة» بعنوان «توجهات جديدة تعيد تشكيل مشهد التجارة الدولية»، الذي أكد استمرار زخم نمو التجارة العالمية وأدائها المرن خلال العام 2024، بفعل التحول المتسارع نحو نموذج التمركز الإقليمي، الذي يعزز بدوره الشراكات الثنائية والمتعددة الأطراف، ويأتي مدعوماً بجملة من العناصر الرئيسية مثل إعادة الهيكلة الشاملة عبر سلسلة التوريد، والنمو المتواضع في تجارة السلع والبضائع، والطفرة الملحوظة في تجارة الخدمات الرقمية، بجانب الاعتماد المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي، ورصد التقرير تزايداً متنامياً على اعتماد واستخدام التقنيات السليمة بيئياً بالتزامن مع سعي المزيد من الدول نحو خفض الانبعاثات الكربونية الصادرة عن قطاعاتها الصناعية.
وأكد التقرير أن دولة الإمارات تُعد واحدة من بين أكبر 10 مستوردين للتقنيات السليمة بيئياً في العالم من حيث القيمة، بجانب مراكز تجارية رئيسية أخرى مثل الولايات المتحدة، والصين، وهولندا، وهونغ كونغ، وسنغافورة. وهذا يعكس الأهمية الاستراتيجية والإقليمية المتزايدة التي تكتسبها الإمارات باعتبارها مركزاً تجارياً عالمياً رائداً في مجال التحوّل المستدام.
وبحسب التقرير، فإنه من المتوقع أن تشهد التجارة العالمية تعافياً من الانكماش الطفيف، الذي مرت به خلال العام 2023، حيث تُقدر نسبة النمو المتوقع في عام 2024 بـ 2.6 %. وستكون تجارة الخدمات، وبشكل خاص الخدمات الرقمية، رافداً رئيسياً وراء دعم هذا النمو، متفوقةً بذلك على نمو تجارة السلع والخدمات الأخرى. كما سيسهم الإقبال المتنامي على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في رفع مستوى الكفاءة ضمن منظومة التوريد والتمويل التجاري.
خريطة التجارة الدولية
وأطلق أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة، التقرير، أمس، في الجمعية الملكية للفنون في لندن. وقام الوفد الممثل للمركز، خلال حفل الإطلاق، باستعراض آرائه حول النسخة الجديدة من التقرير بجانب كوكبة من قادة الشركات الدوليين والخبراء الاقتصاديين من شركة هيتاشي زيرو كاربون، والبنك الصناعي والتجاري الصيني، والمركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التقارير تمت قراءتها وتحميلها لأكثر من 1.9 مليون مرة، ما يعكس الزخم المتنامي الذي يكتسبه المركز على خريطة التجارة الدولية.
وتمثل النسخة الأخيرة من التقرير نتيجةً لجهود تعاونية وعمل جماعي موسع، حيث استند مركز دبي للسلع المتعددة في إعداده إلى استشارات معمقة مع نخبة من الخبراء وأجرى أبحاثاً شاملة تناولت توقعات التجارة الدولية. قام المركز بتنظيم تسع جلسات نقاشية دولية تم خلالها استقصاء آراء أكثر من 150 من قادة الأعمال والشركات.
تحولات كبرى
وقال حمد بوعميم، رئيس مجلس إدارة المركز: «يستعد العالم لمواجهة سلسلة من التحولات الكبرى التي ستعيد تشكيل ملامح مستقبل التجارة، بالتزامن مع توطيد العلاقات التجارية الإقليمية، وتدشين حلول تكنولوجية جديدة قادرة على رفع القدرات والكفاءات إلى مستويات غير مسبوقة. ووفقاً لنتائج الدراسة البحثية المتضمنة في التقرير، فإن التوجهات التي ظهرت أثناء الجائحة الدولية «كوفيد 19» -مثل الإقبال المتزايد على الخدمات الرقمية والابتعاد تدريجياً عن نموذج العولمة - تتسارع وتيرتها وبالتالي ستفرض حضورها وبقوّة خلال السنوات القادمة».
مسارات محددة
وقالت فريال أحمدي، الرئيس التنفيذي للعمليات في المركز: «يُعد النظام العالمي الحالي سبباً رئيسياً وراء نقص الإمدادات، وعدم انتظام حركة نقل البضائع ضمن مساراتها المحددة، ناهيكم عن ارتفاع التكاليف على المستهلكين. ونتوقع أن تشهد تجارة الخدمات طفرة كبيرة، مدفوعةً بالموجة الجديدة من الخدمات الرقمية المنتشرة في جميع أنحاء العالم».
وأضافت: «في السنوات المقبلة، ستركز الشركات والأنظمة الاقتصادية على تعزيز مرونتها كأولوية رئيسية، نظراً للضغوط التي تواجهها اليوم. وهذا سيقودنا أيضاً إلى تشكيل تكتلات إقليمية وممرات تجارية جديدة تعتمد بشكل كبير على الإمكانات والابتكارات التكنولوجية، خصوصاً في مجالات حيوية مثل أشباه الموصلات وتطوير الذكاء الاصطناعي.
أما المراكز التجارية التي ستتمكن من استغلال الفرص المتاحة فستكتسب زخماً كبيراً وستكون لاعباً رئيسياً ضمن تدفقات التجارة العالمية خلال العقود المقبلة. وفي هذا السياق، ستضطلع دولة الإمارات، خاصة دبي، بدور محوري ومتنامٍ، لاسيما في مجال التقنيات المستدامة».
سباق تكنولوجي
وأكد استطلاع التقرير، الذي شمل أكثر من 150 مشاركاً من قادة الأعمال وصنّاع السياسات، أن الذكاء الاصطناعي هو أكثر تكنولوجيا مؤثرة على المشهد التجاري.
وبخلاف الذكاء الاصطناعي، تستعد صناعة أشباه الموصلات للعب دور رئيسي في سباق التفوق التكنولوجي، خصوصاً أن أشباه الموصلات تُعد عنصراً ضرورياً ليس فقط في مجال الإلكترونيات، بل أيضاً في جهود التحول نحو الاستدامة، حيث تُستخدم كمكونات أساسية في خلايا الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية.
وفي ظل الصراع الناشئ المعروف بـ«حرب الرقائق الإلكترونية» بين الصين والولايات المتحدة، فإنه يُتوقع أن تتصاعد حدة التوترات التجارية، وأن تشهد الأسواق المزيد من التمركز الإقليمي، مع سعي كل من الدولتين نحو تعزيز قدراتها الإنتاجية وحماية صناعاتها الوطنية.
ويقدم التقرير مجموعة من التوصيات البارزة الموجهة للشركات والحكومات بهدف دفع عجلة النمو ومواجهة التحديات المحتملة.
توصيات للشركات
إعادة تشكيل سلاسل التوريد في مواجهة التحولات الجيوسياسية. تنويع قاعدة الموردين والاستثمار في استراتيجيات المصادر البديلة والإضافية لضمان استمرارية العمل وعدم حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد.
الاستثمار في التحول الرقمي والابتكار. الشركات التي تستثمر في فهم وتوظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، ستكون قادرة على اغتنام مكاسبها الثورية، وبالتالي ستحافظ على مكانتها الرائدة في المشهد التنافسي.
تخفيف حدة مخاطر سلسلة التوريد المرتبطة بالتغيّر المناخي. تحديد المخاطر المناخية التي قد تؤثر على سلاسل التوريد وتطبيق استراتيجيات لتخفيف حدة هذه المخاطر، مثل التأمين على الممتلكات والتأمين ضد الحوادث.
توصيات للحكومات
بناء علاقات تجارية جديدة. تشجيع الصادرات نحو المناطق التي تتمتع بإمكانات نمو مرتفعة، ما يسهم في تطوير قواعد استهلاكية جديدة، وبالتالي تعزيز قدرة الحكومات على تخطي التحديات المرتبطة بتباطؤ وتيرة نمو التجارة العالمية، ومن ثمّ الصمود أمام التقلبات الاقتصادية.
الاستثمار في تطوير البنية التحتية الرقمية والابتكار. يُعد دعم تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ومنصات التجارة الرقمية استراتيجية رئيسية لفتح آفاق فرص جديدة للنمو الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية.
دعم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتنظيمه. إن تعزيز الابتكار ومعالجة المخاوف المرتبطة بالخصوصية والتحيز والمساءلة يُعد بمثابة خطوة حيوية ستتيح للحكومات الاستفادة من الإمكانات الثورية في الذكاء الاصطناعي. ويتوقف تحقيق ذلك على الاستثمار في عمليات الأبحاث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي. والاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا المستدامة.
وتركيز الأولوية على جميع التدابير، سواء المرتبطة بالسياسات أو غير المرتبطة بها، لمعالجة فجوة التمويل التجاري. يجب على الحكومات أن تعمل على تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف لتوسيع نطاق أدوات التمويل.