أكد تقرير في صحيفة «فاينانشال تايمز» أن الإمارات تمثل مصدراً رئيسياً متزايد الأهمية للاستثمار الأجنبي في القارة الأفريقية، فيما تمثل دبي نيويورك لكثير من الأفريقيين الآن.

وخلال عامي 2022 و2023، تعهدت الإمارات بضخ استثمارات جديدة بقيمة 97 مليار دولار في افريقيا بمجالات الطاقة المتجددة والموانئ والتعدين والعقارات والاتصالات والزراعة والتصنيع، وذلك وفقاً لـ «إف دي آي ماركتس»، وهي شركة مملوكة لفاينانشال تايمز ترصد الاستثمارات حول العالم.

وقال مسؤول إماراتي لصحيفة «فاينانشال تايمز» إن إجمالي استثمارات الإمارات في أفريقيا يصل إلى 110 مليارات دولار، مما يعكس «التزام الإمارات بتسهيل التنمية المستدامة والنمو في جميع أنحاء القارة». ويضيف المسؤول الإماراتي إن انخراط الإمارات في أفريقيا، جاء سعياً إلى «تعزيز مستقبل مزدهر قائم على المنفعة المتبادلة».

ونقل تقرير شامل ومطول، شارك في وضعه ديفيد بيلينغ وكلوي كورنيش وأنرديس شيباني، محررو الصحيفة، عن كين أوبالو، الأستاذ المشارك في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة، قوله إن الإمارات كانت دائماً من بين أكبر أربعة مستثمرين في القارة خلال العقد الماضي.

ولفت التقرير إلى أن عدداً من شركات الإمارات تبنت مشاريع في أفريقيا تجنبها الكثير من المستثمرين الآخرين الذين آثروا تجنب حجم المخاطر الكبيرة في القارة.

وفي هذا السياق يقول حمد بوعميم، رئيس مجلس إدارة مركز دبي للسلع المتعددة إن «أفريقيا لديها الكثير مما تقدمه فيما يتعلق بالسلع والمعادن»، على الرغم من «وجود تحديات عندما يتعلق الأمر بالسياسات التنظيمية والسياسة».

ومثلت دبي، المركز المالي والتجاري في المنطقة، منذ فترة طويلة نقطة جذب رئيسية ونقطة انطلاق لكبار رجال الأعمال والمستثمرين الأفارقة للتوسع إقليمياً وعالمياً.

وقد أصبحت دبي منطقة جذابة للأفارقة للتجارة، وممارسة الأعمال التجارية، واستثمار الأموال في الخارج. وأوضح حمد بوعميم أن الشركات الأفريقية تفضل اختيار دبي مقراً لها للتجارة مع بقية العالم. «وهذا هو المقصد الذي ركزت عليه دبي بشكل جيد: أن تكون البوابة إلى أفريقيا».

دبي ونيويورك

وتزايد عدد الشركات الأفريقية المسجلة في دبي بشكل كبير خلال العقد الماضي، ليصل إلى 26420 شركة بحلول عام 2022، بحسب غرفة تجارة دبي. وقال ريكاردو سواريس دي أوليفيرا، أستاذ السياسة الدولية في جامعة أكسفورد الذي درس الروابط بين أفريقيا والإمارات: «دبي هي نيويورك بالنسبة للأفارقة الآن». أما سعد علي شير، وزير مالية أرض الصومال، التي استثمرت فيها موانئ دبي العالمية بكثافة، فيؤكد أن: «الإمارات قوة عظمى جديدة في أفريقيا».

وتندرج المشاركة الإماراتية مع أفريقيا تحت ثلاثة خطوط عريضة، وإن كانت متداخلة. الأول تجاري بحت، والثاني استراتيجي، والثالث دور مالي، وهو ما تلعبه تقليدياً مراكز عالمية مثل لندن أو زيوريخ، وقالت آنا جاكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية: «إن الدافع بالنسبة لدولة الإمارات، وبالطبع بالنسبة لدول الخليج الأخرى أيضاً، هو التحول في مجال الطاقة والتحرك القوي نحو التنويع الاقتصادي»، لافتة إلى أن «أفريقيا هي في الواقع سوق ضخمة غير مستغلة للمعادن والزراعة».

مصدر

ومن الناحية التجارية، تعد الطاقة النظيفة أحد مجالات الاهتمام. وعلى مدى العقد الماضي، قامت «مصدر»، المستثمر البارز في مجال الطاقة المتجددة والتي تتخذ من أبوظبي مقراً، ببناء البنية التحتية بما في ذلك خمس مزارع للرياح في جنوب أفريقيا، ونظام لتخزين طاقة البطاريات في السنغال، ومنشآت للطاقة الشمسية في موريتانيا.

وتقود «مصدر» خطط دولة الإمارات لاستثمار 10 مليارات دولار لزيادة قدرة توليد الكهرباء في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا بمقدار 10 جيجاوات.

وإلى جانب الطاقة المتجددة، فإن شركات الإمارات تستثمر أيضاً في الوقود الأحفوري. ففي مايو، اشترت شركة بترول أبوظبي الوطنية حصة 10% في حوض روفوما للغاز في موزمبيق، بعد أن استحوذت عليها من شركة الطاقة البرتغالية غالب مقابل نحو 650 مليون دولار.

وفي مجال العقارات، أعلنت شركة دبي للاستثمار، وهي مجموعة مدرجة، هذا العام أنها ستبدأ العمل على مشروع تطوير عقاري بمساحة 2000 هكتار في أنغولا. تعمل شركة «إي آند» في 12 دولة عبر أفريقيا.

كما بدأت الشركات الإماراتية تحقيق نجاح كبير في مجال التعدين، لذلك دفعت شركة إنترناشيونال ريسورسيز، وهي وحدة تابعة للشركة العالمية القابضة، العام الماضي 1.1 مليار دولار مقابل حصة أغلبية في موباني، وهو منجم للنحاس في زامبيا كان مملوكاً في السابق لشركة موباني - جلينكور. وأعربت الشركة أيضاً عن اهتمامها بالاستثمار في المناجم في أنغولا وكينيا وتنزانيا.

وفي العام الماضي، حصلت شركة بريميرا، وهي شركة لتجارة الذهب مقرها أبوظبي، على امتياز لمدة 25 عاماً من قبل حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية لجميع إمدادات الذهب «الحرفية» صغيرة النطاق في البلاد.

ترحيب كبير

وهناك ترحيب كبير من جانب العديد من الدول باهتمام الإمارات. وقال ويليام روتو، رئيس كينيا، لصحيفة فاينانشال تايمز: «الإمارات شريك جيد للغاية لكينيا والعديد من الدول الأخرى».

ويمكن التأكيد على أن الفارق الأكبر الذي أحدثته استثمارات الإمارات هو في مجال الخدمات اللوجستية، إذ تتواجد موانئ دبي العالمية في ما يقرب من 12 دولة أفريقية بعد أن ضخت حوالي 3 مليارات دولار في القارة. وهي تدير الآن موانئ من موزمبيق على المحيط الهندي في الجنوب إلى الجزائر على البحر الأبيض المتوسط في الشمال وأنغولا على المحيط الأطلسي، مما يحيط بالقارة فعلياً.

وقد أكد محمد أكوجي، الرئيس التنفيذي لموانئ دبي العالمية لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على وجود استراتيجية شاملة لربط دبي بالقارة عبر التجارة. ويشير إلى أن دبي توظف شركات كبرى مثل موانئ دبي العالمية وطيران الإمارات لبناء حضور عالمي قوي.

من جانبها، تدير موانئ أبوظبي هي الأخرى، عدداً من الموانئ في أفريقيا. وفي العام الماضي، فازت بامتياز لمدة 30 عاماً لإدارة ميناء بوانت نوار في جمهورية الكونغو، وفي أبريل حصلت على امتياز لمدة 20 عاماً لإدارة محطة لواندا في أنغولا، حيث تعهدت بداية بمبلغ 250 مليون دولار لتحديثه.

الجانب المالي

وبالنسبة للجانب المالي، فإن الإمارات تتحرك في هذا الإطار من منطلق العمل لترسيخ موقعها مركزاً مالياً رئيسياً. وقال سواريس دي أوليفيرا من جامعة أكسفورد إن الشركات القانونية الغربية والبنوك الاستثمارية ومديري الثروات جميعها تقدم خدمات في دبي - بما في ذلك التحكيم في النزاعات – وهو ما كانت الشركات من أفريقيا وأماكن أخرى تجده تقليدياً في لندن وجنيف.

ويقول: «دبي هي النظام البيئي المثالي: فهي تقدم الخدمات ذات المستوى العالمي الممتازة نفسها التي هي في الأساس أنجلو أو سويسرية».

وأوضح سواريس دي أوليفيرا إن الأفارقة يجدوت ملاذاً آمناً ومثالياً في دبي، حيث يمكنهم شراء العقارات والاستمتاع بأسلوب حياة عالمي المستوى.