قبيل منتصف عام 2022 فوجئ العالم بخبر وصول العملة الافتراضية «بيتكوين» إلى قيمة تجاوزت 64 ألف دولار. خبر أثار الجدل حول تلك العملة التي تبدو كأنها نشأت من العدم رغم أن قصتها قديمة بعض الشيء، فالعملة طرحت من قبل مجموعة مبرمجين مجهولين حملوا اسم «ساتوشي داكاموتو» على الإنترنت في عام 2008 كنظام نقدي إلكتروني بما يعرف باسم «الند للند»، أي من شخص لآخر دون وسيط أو رسوم وساطة، والمتتبع لقيمة العملة على مدار السنين يرصد أن أول استخدام فعلي للبيتكوين كان عام 2010، حيث كان يمكن أن ينفق 10 آلاف بيتكوين لشراء فطيرة من البيتزا، وكان الدولار يوازي أكثر من 1300 عملة من البيتكوين، ولنا أن نتخيل كم الثروة إذا واتت فرصة العودة للماضي لإنفاق دولار واحد وامتلاك هذا العدد من تلك العملة الغريبة.

وتعد العملات الرقمية بشكل عام أداة للقيمة كالدولار واليورو والين والدرهم، وغيرها من العملات التقليدية، ولكن بدلاً من حملها في يدك فهي موجودة كرصيد في العالم الرقمي فقط دون كيان ملموس، قد تكون شبيهة بالعملات الوهمية التي تمنحها ألعاب الفيديو للاعبين، ولكن الفارق انها تتحكم بممتلكات وخدمات على أرض الواقع، فما أكثر السلع والخدمات حالياً التي تقبل الدفع بالعملات الرقمية، وعلى رأسها شراء وبيع العقارات، مع كون العملات أداة للاستثمار تتيح للفرد شراءها وإعادة بيعها عند زيادة القيمة مثل الأسهم، ولكن دون الحصول على صك مكتوب بالامتلاك.

وكما نرى أن في السماء نجوماً لامعة، ففي فضاء العملات الرقمية عملات براقة، فإلى جانب البيتكوين تأتي مجموعة من العملات الأخرى، التي استطاعت خلال فترة وجيزة جذب المستثمرين ورفع قيمتها السوقية لمليارات الدولارات، فهناك «إيثريوم» التي انطلقت على يد المبرمج الروسي فيتاليك بوتيرين، وهناك عملة «تيثر»، وهي عملة مستقرة القيمة، حيث توازي دولاراً واحداً لكل عملة، كما أن هناك «بينانس كوين» وهي العملة الأساسية لمنصة التداول الشهيرة إلى جانب «الريبل»، وهي عملة تستخدم في الأساس لعمليات التحويل بين العملات التقليدية المختلفة.

وتكنيك تداول العملة في الأساس يعتمد على شبكة تعرف باسم «البلوك تشين»، وهو مجتمع شامل يشبه تسجيل ممتلكات كل سكان الكرة الأرضية في سجل واحد مكشوف ومعروف للجميع يعرف «بالمجتمع»، بل إنه مؤرشف بنسخة لكل فرد، بحيث يستحيل معه التلاعب في بيانات الثروات، فإذا أراد شخص نقل 20 بيتكوين لشخص أخر على سبيل المثال تأتي الموافقة من المجتمع كله، وبناءً على مراجعة وتطابق النسخ كافة، حتى وإن ظلت هوية أصحاب المعاملة خفية ظاهرياً على منصات التداول.

وتعرف عملية نقل المعاملة إلى المجتمع باسم «التعدين»، ويعمل المعدنون كعمال المناجم فيستخرجون المعاملات قيد التداول ويضعونها في سجل التداول الفعلي، أي مجتمع البلوك تشين، وذلك مقابل مكافآت من العملات المشفرة ذاتها، إلا أن امتهان التعدين لا يتمتع بدوام الربحية مع وجود كلفة ضخمة من حيث كيفية تملك أجهزة التعدين والحواسيب الملائمة إلى جانب الاستهلاك الكبير في الكهرباء.

ولا شك في أن السؤال الذي يتبادر للذهن فوراً هو: ما الدافع وراء امتلاك قيمة غير ملموسة مادياً؟ تساؤل منطقي، فلا شيء يوازي دفء النقود الحقيقية في محافظنا الجلدية، لكن التطور قطار لا يقف، والمحفظة تتراص بها أيضاً بطاقات الدفع البديلة، بل باتت الأرصدة النقدية ذاتها أكواداً رقمية تنتقل من شاشات الهواتف المحمولة إلى أجهزة الدفع الذكية في الأسواق المختلفة، والتغير آتٍ لا محالة.

وبشكل عام ما زالت تلك العملات تتأرجح بين الرفض والقبول في الكثير من دول العالم، حيث تحظرها العديد من الدول، وهو ما أفقدها بعض قيمتها وعرضها لخسائر متلاحقة في الآونة الأخيرة، بينما تتوسع بعض الدول في قبولها والسماح بتداولها أو عمليات المقايضة التجارية بها، في المقابل تتبع دول أخرى، في مقدمتها الإمارات، رؤية مستقبلية وسطية توازن بين مستقبل تلك العملات وما بين الضوابط التنظيمية التي تقنن استخدامها، بما يحافظ على قوة ومتانة الاقتصادات الوطنية.