في كل صيف تتوجه الآلاف من الأسر الخليجية للسفر خارج الدولة، متطلعين إلى المناخ البارد والطبيعة الخضراء وللتعرف على الثقافات الغريبة والجديدة عليهم.

الكثير من الناس قد بذلوا جهدا كبيرا خلال السنة ادخروا خلالها ما يكفيهم من المال ليتنعموا بإجازة صيفية ممتعة خارج الدولة بعيداً عن الزحمة والروتين اليومي.

انتشرت ثقافة رغبة الهروب من الجو الحار والرطب، وانتشرت معها ثقافة السفر إلى أوروبا بل أصبحت موضة يتبعها الجميع. ولكن هناك من لايزال يعشق الترحال في الجزيرة العربية حيث توجد أماكن كثيرة تنافس البلدان الأوروبية في جمالها ومناخها وطبيعتها.

في صيف العام 2009، خرجت برفقة والدي ومجموعة من أصدقائه الذين يلقبون بـ"فريق الدبوس" مصممين على اكتشاف سحر هذه المناطق.

بدأت رحلتنا من دبي وامتدت 11 يوما قطعنا خلالها 7000 كيلومترا. استخدمنا في رحلتنا 4 سيارات دفع رباعي لقطع الدروب الوعرة التي صادفناها بالفعل .

 

 

بعد صلاة الفجر، انطلقنا من الشارع المؤدي إلى السعودية قاصدين مكة المكرمة، وبعد 23 ساعة وصلت المجموعة وأدت مناسك العمرة.

 

 

لم نبق كثيرا في مكة المكرمة، فقط يومان، أكملنا بعدهما المسير إلى أول محطة سياحية.. "مدينة أبها"، التي استقبلتنا بهوائها الجاف والبارد واحتضنتنا جدران  جبالها الرمادية المائلة إلى اللون الوردي في بعض الأحيان، صعدنا قمم تلالاها ورأينا البيوت القديمة التي تعكس عمر المنطقة الطويل.

 

 

 

أمضينا هناك فترة قصيرة زرنا خلالها متحف التراث الشعبي الواقع على سفح جبل أبها، الذي نزلنا إليه باستخدام الكابل أو "التلفريك" .

 

 

 

بعد الاستمتاع بالمناخ البارد والمناظر الجذابة توجهت قافلة الأصدقاء إلي حدود اليمن وكانت الوجهة الأساسية مدينة "إب" المعروفة بخضرتها التي تسر النفوس وجبالها الشاهقة

 

 

قبل وصولنا إلى المدينة مررنا بمدينتين، أولهما "الحديدة"، تليها "صنعاء" وتحديدا صنعاء القديمة التي تحتوي على مبانيها القديمة ومعالمها الأثرية، أهمها "سوق الملح" الذي يعتبر من أسواق صنعاء القديمة بل ومن أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام إذ يعود تاريخه لثلاثة آلاف سنة. وكان السوق مزدحماً ويعجّ بالسياح خاصة الأجانب منهم 

 

 

رأينا صنعاء لأول مرة من ارتفاع شاهق وقت مغيب الشمس، بعد أن اضطررنا سلك طريق بين الجبال الوعرة لكنه لا يخلو من المناظر العجيبة والخلابة .

 

 

نزلنا إلى شوارع صنعاء المكتظة ترافقنا السحب مثقلة بأمطارها التي بدأت تهطل حتى وقت متأخر من الليل، وفي صباح اليوم التالي هممنا لاستكشاف مدينة صنعاء، وانتهى بنا المطاف في سوق صنعاء القديم. كان السوق شبيها بالأسواق التي نراها في الأفلام أو رسوم الكاريكاتير القديمة، فكل اللافتات مخطوطة باليد والجدران والأرضيات مصنوعة من حجارة قديمة، كانت رائحة التوابل المختلفة تطفو في كل أرجاء السوق، وكانت المتاجر عبارة عن أكشاك صغيرة تغطى بأشرعة ملونة من القماش وقت الإغلاق.

 

 

 

أثناء استمتاعنا بعبق الأجواء التراثية مرّ علينا رجل ومعه حاملة قديمة مصنوعة من الخشب محملة بفاكهة التين الشوكي، بعد ذلك توجهنا عند كشك صغير للعصائر الطازجة حيث تشتهر اليمن بأنواع مختلفة من الفواكه وكانت من أحلى العصائر التي شربناها.

 

 

 ولحسن حضنا، حضرنا حفلة عرس في قلب السوق، وبطبيعة الشعب اليمني الكريم دعونا للاحتفال معهم، وألقينا تحيتنا على المعرس و باركنا له، أحسسنا حينها وكأننا أصبحنا جزءً من نسيج المجتمع اليمني .

بعد ليلة طويلة وممتعة في السوق والتي ألقت في نفوسنا السعادة والتقدير لمدينة صنعاء، أكملنا مسيرتنا باتجاه مدينة إب، متجاوزين الطرق الجبلية والمناظر الطبيعية منها الشلالات والحقول الخضراء الواسعة.

 

 

 

 

 

وصلنا أخيرا إلى أعلى قمة في مدينة إب، وحال وصولنا أبدى أحد من الأصدقاء استعجابه قائلا : هذه "هولندا في أوروبا وليست إب في اليمن ... انظروا إلى الخضرة!!

كان كلام ذلك الرجل في محله، فلم ترى أعيننا إلا اللون الأخضر والأشجار والأعشاب والورود على مد البصر.

كانت اللحظات التي أمضيناها فوق قمة ذلك الجبل من أحلى لحظات الرحلة، وعزمنا نتناول غداءنا فوق تلك القمة.

 

 

بعد الوصول إلى إب والجلوس فيها بعضا من الوقت، شغلنا محركات السيارات متجهين إلى عدن عاصمة اليمن مخططين إكمال المسير وقطع ساحل المكلا باتجاه صلاله في عمان.

 

 

تحولت المناظر في هذه الطريق إلى مناظر جبال بركانية وقرى صيد على امتداد الساحل، وبعد وقت طويل وصلنا إلى حدود عمان منهكين ومرهقين. أمضينا ليلتنا قريبا من ساحل البحر، حيث كانت الأجواء هي أجواء صلاله المعتادة المليئة بالضباب الكثيف والبرد القارس.

استأجرنا بعد تلك الليلة بيت كان موقعه ما بين الدواليب والمزارع، وذلك أسعدنا كوننا قريبين من السوق المشهورة التي تشبه سوق الجمعة في الفجيرة والتي تبيع الموز وقصب السكر والمانجو وجوز الهند والكثير من الفواكه الاستوائية المختلفة.

 

كانت صلاله آخر محطة في هذه المغامرة الممتعة، استودعنا صلاله راجعين إلى الوطن حاملين معنا ذكريات جميلة ومعلومات جديدة ... لقد رأينا أوروبا على شبه الجزيرة العربية!