يعتقد الزائر لمدينة فينيسيا أو (البندقية) أن الفيضان قد ضربها حيث تبدو شوارعها المائية مغرية لمعرفة حكاية قصورها وجسورها ومياهها وزوارقها التي تجوب الأقنية يرافقها صوت مغنٍ أوبرالي يصدح تحت ضوء القمر، بينما العشاق يتناجون في ليل المدينة الساحرة التي تعد واحدة من أجمل مدن المعمورة.

فقد اشتهرت فينيسيا بقصورها العريقة ومبانيها التاريخية، لكن كثيرا من هذه القصور تحولت في العصر الحديث الى فنادق فاخرة، وقد يكون هذا هو الحال في قصر «غريتي» الذي بُني عام 1515 كمقر لحاكم المدينة تحول فيما بعد الى سكن لسفراء الفاتيكان، ثم أصبح الآن أحد أفخر الفنادق في «فينيسيا».

حيث يزوره أعضاء الأسر المالكة ومشاهير هوليوود. وقد وصفه الروائي الأميركي الشهير أرنيست هيمنغواي بأنه أفضل فندق في أفضل مدينة للفنادق، وقد تمت صيانته بطريقة تمنع دخول المياه إليه بطريقة ذكية بعدما كانت المياه تغرق أثاث طابقه الأرضي الفاخر.

تعود قصور الحكام في البندقية الى القرن التاسع الميلادي، واستمرت في الازدهار حتى انهيار جمهورية «فينيسيا» في عام 1797. لكن المدينة اشتهرت عبر العصور بالفنادق والقصور منذ القدم بحيث أصبح أحياناً يصعب تحديد ما اذا كانت كلمة قصر تعني فندقاً أم قصراً حقيقياً.

مدينة عائمة

من جهة أخرى فإن المدينة العائمة تتعرض لخطر الغرق ببطء بسبب ارتفاع مستويات المياه في البحر الادرياتيكي، كما أنها تعاني منذ فترة من ارتفاع في عدد الفيضانات، الأمر الذي اصبح يقلق المستثمرين العقاريين. وعلى سبيل المثال، فإن مياه الفيضانات تغمر ميدان سان ماركو الشهير أكثر من 50 مرة كل عام.

كما أن ارتفاع مستوى البحر الادرياتيكي يهدد بأن يغمر أجزاء كبيرة من المدينة خلال العشرين عاما المقبلة، اذا لم تفعل السلطات شيئا لوقف ارتفاع المياه. وكادت هذه المشكلة تهدد الاستثمارات العقارية في المدينة حتى شرعت الحكومة الايطالية أخيراً في بناء مشروع ضخم تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار.

وهو عبارة عن إنشاء 80 سداً أو حاجزاً حديدياً في قاع البحر عند مدخل كل قناة مائية الى المدينة بهدف التحكم في حركة المد والجزر، وحجز الأمواج العالية من الدخول الى شوارع المدينة المائية. وبهذه الطريقة يصبح ارتفاع المياه ثابتاً أو يتحكم فيه الإنسان تماما مثلما هو الحال في السدود العادية.

تثرى فينيسا بقصور النبلاء التي تطل على ساحات وشوارع وجداول وقنوات ومساكن قديمة لأغنى عائلات فينيسيا في الفترة الذهبية للمدينة. وبالنسبة للمدارس والمباني التعليمية مثل قصر دوكالة فإن جميع القصور تأخذ اسم العائلة التي شيدتها .

والتي تركت فيها علامة بارزة. ونظرا لشهرة المدينة قديما بالتجارة توجد أيضا "فنادق" هي عبارة عن مبانٍ قديمة تعود إلى العصور الوسطى كانت تستخدم كمخازن وتستخدم كذلك لاستقبال التجار الأجانب. فيوجد على طول القناة الرئيسية "فندق الألمان" و"فندق الأتراك" و"فندق المخازن".

الحياة عبر الجسور

في فينيسيا أكثر من 400 جسر ما بين جسور عامة وخاصة حيث تربط 118 جزيرة المشيدة عليها المدينة وذلك من خلال 176 قناة مائية، معظم هذه الجسور مبنية من الحجارة ومواد أخرى مثل الخشب والحديد. أطول هذه الجسور هو جسر الحرية الذي يعبر البحيرة ويربط المدينة بالمنطقة اليابسة وهكذا يسمح لحركة مرور المركبات.

كانت بداية مشروع هذا الجسر عام 1931 على يد المهندس أوجنيو ميوتسي بينما تم افتتاحه عام 1933 باسم جسر لوتتوريو. تعتبر القناة الرئيسية التي تقطع المدينة هي القناة العظمى وذلك من خلال أربعة جسور :

جسر ريالتو (شيد تقريبا في القرن السادس عشر) ، وجسر الأكاديمية ، وجسر سكالسي وهذه الجسور الأخيرة كانت تحت سيطرة أل هاسنبورج وشيدت في القرن العشرين وأخيرا قصر كوستيتيسيونة في عام 2008 على يد المهندس سانتيجو كالاترافيستا. وهناك رمز آخر للمدينة هو جسر ريالتو الذي شيد على يد أنطونيو دا بونته عام 1591. حيث كان السبيل الوحيد لعبور القناة العظمى سيرا على الأقدام.

جسر التنهدات

أكثر جسور فينيسيا شهرة هو جسر التنهدات (بونتي دي سوسبيري Ponte dei Sospiri بالإيطالية) هو واحد من أشهر جسور المدينة يقع على مسافة قريبة من ساحة سان ماركو ويصل بين قصر البندقية وسجن سابق لمحاكم التفتيش، عابراً نهر ريو دي بلازو

. صمم جسر التنهدات المهندس المعماري الإيطالي أنطونيو كونتينو. استكمل بناؤه نحو عام 1600م. وقد أشار لورد بيرون إلى الجسر في قصيدة شعرية بعنوان شيلد هارولدز ، وأطلق عليه اسم جسر التنهدات لأن المساجين كان ينبغي عليهم عبوره. عندما يرحّلون من السجن إلى القصر للمحاكمة، خلال مرورهم فوق الجسر، وإذا كان المساجين مذنبين يتم إرسالهم لتنفيذ حكم الإعدام فيهم من خلال ممر آخر من الجسر.

مدينة الفنون

تعد فينيسيا مقصدا لسرد حياة الناس بين الماضي والحاضر مثل فيلم "جودانو برونو" للممثل جوليانو مونتالدو عام 1973، وفيلم كازانوفا للمخرج لاسسه هاليستروم وبطولة الممثل هيث ليدجر عام 2005.

كما كانت أيضا مكاناً لأعمال شكسبير مثل مسرحية عطيل من إخراج أورسون ويلز عام 1952 وتاجر البندقية لميشيل رادفورد والممثل أل باتشينو وذلك عام 2004. أيضا رواية "الموت في البندقية" لتوماس مان من إخراج ليكينو فيسكينتو وبطولة ستيفن نورينجلون عام 2003.

وقد اختارت هوليود المدينة مسرحا لسلسلة من الأفلام بدءًا من فيلم نيكيتا عام 1990 للممثل جوك باسون، مرورا بفيلم الوظيفة الإيطالية عام 2003 للممثل غاري غراي وفيلم السائح عام 2010 إخراج فلوريان هينيك فون وبطولة أنجيلينا جولي وجوني ديب، وفيلم الحملة الصليبية الأخيرة لستيفين سبيلبرغ عام 1989 والذي به العديد من المشاهد التي تم تصويرها بالمدينة، وشخصية جيمس بوند التي ظهرت في مجموعة أفلام مثل فيلم العميل 007 وأبرزها فيلم من روسيا مع حبي عام 1963.

عدد كبير من هؤلاء النجوم أقاموا في فندق قصر غريتي ويمكن للزائر أن يشاهد صورهم معلقة على ممرات الفندق إلى جانب نجوم كبار الأدباء الذين زاروا الفندق أمثال سومرست موم أرنست همنغواي وغيرهم من المشاهير..

كانت البندقية في القرن الثامن عشر واحدة من أهم المراكز الثقافية والفنية في العالم. وعرفت واحداً من أشهر عازفي الكمان أنطونيو فيفالدي (1678-1741).

وهو مؤسس للموسيقى جنبا الى جنب مع توماسو تارتيني (1671-1751) وجوسيبي مارشيللو (1686-1739). وتستضيف المدينة عددا كبيرا من الأحداث والاحتفالات ذات قيمة عالمية. ففي مجال الثقافة الحدث الأهم هو " بينالي فينيسيا" الذي تأسس عام 1895 والمعرض الدولي للعمارة ومهرجان فينيسيا السينمائي والذي يعقد سنويا ما بين نهاية شهر أغسطس وبداية شهر سبتمبر.

البندقية ـ فينيسيا

 البندقية (بالإيطالية Venezia، أو بلغة أهل البندقية "فينيجيا"، بالألمانية Venedig) مدينة بشمال إيطاليا وهي عاصمة إقليم فينيتو وعاصمة مقاطعة فينيسيا. نشأت المدينة عام 800 قبل الميلاد في بيئة " نهرية تنتشر بها المستنقعات" وتعد أكبر مدينة بالإقليم من حيث المساحة وعدد السكان، تتكون من جزءين منفصلين وهما الوسط (الذي يحتوى على بحيرة تحمل نفس الاسم) وميستري والمنطقة اليابسة.

ظلت المدينة لأكثر من ألف عام عاصمة "جمهورية فينيسيا" وكانت تعرف باسم ملكة البحر الأدرياتيكي نظرا لتراثها الحضاري والفني ومنطقة البحيرات التي بها وتعد المدينة من أجمل مدن العالم التي ترعاها منظمة اليونسكو الأمر الذي جعلها ثاني مدينة إيطالية بعد روما من حيث ارتفاع نسبة التدفق السياحي من أنحاء مختلفة من الخارج.