أحيت الدراما التركية الشهيرة "حريم السلطان" التي تبثها حاليا قناة دبي  التلفزيونية ، تاريخ شخصية بارزة في العالم الإسلامي، شخصية أوصلت بحكمها الدولة العثمانية إلى ذروة مجدها  وخرّ لعظمتها وهيبتها الولاة في الغرب والشرق الأوسط  وشمال افريقيا.

هو السلطان سليمان الأول بن سليم، عاشر سلاطين الدولة العثمانية، عاد ليخطف أنظار المشاهد العربي وعاد به إلى القرن السادس عشر، في عمل درامي عملاق يبعث في النفوس الفضول والرغبة في التعرف بعمق على أحد أعظم الملوك على مر التاريخ.

وبين حبكة الدراما والواقع التاريخي حقائق تاريخية نذكر بعض تفاصيلها في هذه السطور. 

ولد سليمان في طرابزون الواقعة على سواحل البحر الأسود يوم 6 نوفمبر 1494 لوالدته عايشه حفصة سلطان أو حفصة حاتون سلطان، التحق في سن السابعة بمدارس الباب العالي في القسطنطينية حيث درس العلوم والتاريخ والأدب والفقه والتكتيكات العسكرية، صاحب  في طفولته إبراهيم وهو عبد يوناني ، كان والده صيادا ، أصبح ابراهيم صديقه المقرب إلى نفسه و في المستقبل أحد أكبر مستشاريه.

بعد خرقه للتقليد العثماني تزوج سليمان خرم سلطان أو روكسلان وهي روسية مسلمة قامت بحيك مختلف المكائد للتخلص من أبناء سليمان القانوني الأكبر سنا والأصلح لولاية العهد، لتفسح المجال لابنها سليم الثاني لتولي الحكم، ونصبته سلطاناً بعد وفاة والده سليمان عام 1566 بعد 46 سنة من الحكم، وأصبح سليم الثاني الوريث الوحيد بعد اغتيال مصطفى أكبر أبناء السلطان من زوجته الأولى مهدفران في 1553 وبايزيد في 1561.

قاد سليمان خلال فترة حكمه التي استمرت من سنة 1520 حتى وفاته سنة 1566، الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون المسيحية في بلغراد ورودوس وأغلب أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف في حصار فيينا في 1529. وضم أغلب مناطق الشرق الأوسط في صراعه مع الصفويين ومناظق شاسعة من شمال أفريقيا امتدت إلى الجزائر. وتحت حكمه، سيطرت الأساطيل العثمانية على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر وصولا إلى الخليج.

في سن السابعة عشرة تولى سليمان الشاب منصب والي فيودوسيا ثم ساروخان (مانيسا) ولفترة قصيرة أدرنة.

وبعد وفاة والده السلطان سليم الأول في 22 سبتمبر 1520، تولى السلطان سليمان القانوني الحكم وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها، وكان يستهل خطاباته بالآية الكريمة {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

في الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سن السلطان الذي كان في السادسة والعشرين من عمره فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القوية التي لا تلين، فقضى على تمرد "جان بردي الغزالي" في الشام، و"أحمد باشا" في مصر،

و"قلندر جلبي" في منطقتي قونيه ومرعش الذي كان شيعيًا جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة.

كما تحالف السلطان سليمان مع ملك فرنسا فرنسوا الأول ضد ملك اسبانيا شارل الخامس الذي كان يحكم أجزاء شاسعة من أوروبا بما فيها ألمانيا وهولاندا والنمسا والمجر وغيرها، ولأن الملك الفرنسي لم يكن يملك القوة الكافية لمنازلة غريمه ومنازعته على لقب الإمبراطور، حاول التقرب من الدولة العثمانية.

تعددت ميادين القتال التي تحركت فيها الدولة العثمانية لبسط نفوذها في عهد سليمان فشملت أوروبا وآسيا وأفريقيا، فاستولى على بلجراد سنة 927هـ - 1521م وجزيرة رودس سنة 929هـ، وحاصر فيينا سنة 935هـ - 1529م لكنه لم يفلح في فتحها، وأعاد الكَرّة مرة أخرى ولم يكن نصيب تلك المحاولة بأفضل من الأولى. ضم إلى دولته أجزاء من المجر بما فيها عاصمتها بودابست، وجعلها ولاية عثمانية.

وفي إفريقيا، فتحت ليبيا والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي والصومال، وأصبحت تلك البلاد ضمن نفوذ الدولة العثمانية.

مكائد زوجته روكسلان وأبنها

(نصب خرم سلطان في اوكرانيا)

أرادت إحدى زوجات السلطان المعروفة باسم روكسلان الروسية في المراجع الغربية أو خرم في المراجع التركية (وهويام في المسلسل التركي حريم السلطان) تمهيد الطريق لابنها سليم ليتولى ميراث أبيه فيما بعد، فاشتغلت بالدسائس وساعدها الصدر الأعظم رستم باشا على ذلك، فانتهز الأخير فرصة سفر ابن السلطان مصطفى في إحدى الحملات العسكرية إلى بلاد فارس وكاتب سليمان الأول يخبره أن ابنه يريد أن يثور عليه كما ثار أبوه (سليم الأول) على جده بايزيد الثاني، فانطلت الحيلة على الخليفة الذي سافر من فوره إلى معسكر الجيش في بلاد فارس متظاهرا بقيادة الجيش بنفسه، واستدعى ابنه إلى خيمته وقتله فور دخوله إياها، وكان للسلطان سليمان ابن آخر يدعى جهانكير توفي أيضا بعد مقتل أخيه مصطفى بقليل من شدة الحزن.

أعماله:

قام سليمان القانوني بالعديد من أعمال التشييد، ففي عصره بنى مدينة السليمانية بالعراق العجمي على انقاض قرية قديمة، كما بنى جامع السليمانية الذي بناه المعماري سنان، والتكية السليمانية في دمشق، كما قام بحملة معمارية في القدس من ضمنها ترميم سور القدس الحالي،  عرف بسنّه قوانين لتنظيم شؤون الدولة عرفت باسم "قانون نامه سلطان سليمان" أي دستور السلطان سليمان، وظلت هذه القوانين تطبق حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وكان ذلك مصدر تلقيبه بالقانوني. ولقد سماه الفرنجه بسليمان العظيم. ويعرف أيضا بلقب سليمان المشرع.

وتوفي سليمان القانوني أثناء حصار مدينة سيكتوار عام 1566. وأصبحت الإمبراطورية العثمانية بعده بقوتها العسكرية وخيراتها الاقتصادية وتوسعاتها أقوى دولة في العالم.

وضعت فتوحات سليمان أهم المدن الإسلامية (مكة والمدينة والقدس ودمشق و بغداد) ومقاطعات البلقان (تصل الآن إلى كرواتيا والنمسا) وأغلب أراضي شمال أفريقيا تحت قبضة العثمانيين.

وبقيت الإمبراطورية قائمة بعد عدة قرون واليوم في أفق البسفور وفي عدة مدن تركية أو مقاطعات عثمانية سابقة لا تزال أعمال معمارية شاهدة على عظمة العصر الذهبي، أحد هذه الأعمال مسجد سليمان القانوني حيث دفن جسد سليمان في ملحق للمسجد.

وصورت الدراما التركية الشهيرة حريم السلطان التي تعرضها حاليا قناة دبي قصة حياة السلطان سليمان القانوني خلال فترة القرن السادس عشر وتستعرض الأحداث التي تجري في مقر حريم السلطان المعروف بالحرم السلطاني. ويسلط المسلسل الضوء على علاقة الحب التي جمعت السلطان وإحدى جواريه التي تصبح لاحقاً زوجته وذات نفوذ وتأثير كبير في حياته والدولة العثمانية بأكملها.