خلال القرن السابع عشر، برزت في فرنسا شخصية أرماند جان دو بلاسيس دي ريشليو "Armand Jean du Plessis de Richelieu" المعروف أكثر لدى الفرنسيين باسم الكاردينال دي ريشليو "cardinal de Richelieu"، حين تقلّد المذكور خلال فترة حكم لويس الثالث عشر "Louis XIII" التي امتدت ما بين عامي 1610 و1643، مناصب سيادية عدّة، فشغل بداية من العام 1616 منصب وزير خارجية فرنسا قبل أن ينال رتبة كاردينال بحلول العام 1622.

وبعد عامين فقط، تقّلد ريشليو منصب وزير الدولة، أثناء فترة حكم لويس الثالث عشر، وهو المنصب الذي يعادل اليوم منصب رئيس الوزراء، وفقا للعربية نت.

وزير مكروه احتفل الناس بوفاته
وشغل الكاردينال دو ريشليو هذا المنصب على مدار 18 عاما اتخذ خلالها جملة من القرارات التي جعلته مكروها بين عامة الشعب الفرنسي.

فإضافة لتأسيسه للأكاديمية الفرنسية عام 1635، مارس ريشليو سياسة زادت من سلطة الملك بالبلاد وقيّدت نفوذ النبلاء وكرّست مبدأ المركزية، كما اتجه الأخير أيضا لاضطهاد البروتستانت بفرنسا وقمع ثورات الفلاحين الرافضين لسياسة الضرائب المرتفعة.

على الصعيد الخارجي، دعم ريشليو سياسة العداء بين الفرنسيين وسلالة هابسبورغ بالنمسا وإسبانيا، كما طالب بضرورة زيادة نفوذ فرنسا بأوروبا في خضم حرب الثلاثين عاما.

وخلال السنوات الأخيرة من حياته، عانى الكاردينال ريشليو من معضلات صحية عديدة، تراوحت بين السل والصداع النصفي والحمى والتهاب العظام.

وبعد كفاح مرير ضد هذا الكم الهائل من الأمراض، فارق ريشليو الحياة يوم 4 ديسمبر 1642 عن عمر يناهز 57 عاما.

عاقبوا الجثة!
بناء على ذلك، عمد المسؤولون الفرنسيون لتحنيط، حسب التقنيات الطبية لتلك الفترة، جثة الكاردينال ريشليو واتجهوا لدفنها عقب جنازة رسمية بكنيسة السوربون (Sorbonne) بباريس.

في الأثناء، كسب ريشليو سمعة سيئة وتحوّل لشخصية مكروهة لدى كثير من الفرنسيين بسبب سياسته على مدار 18 عاما.

ومع إعلان مماته احتفل كثيرون بذلك وابتهجوا عن طريق النزول للشوارع وإطلاق الألعاب النارية.

قصة الرأس
وعلى الرغم من وفاته، لم ينعم الكاردينال ريشليو بالراحة، فبعد مضي نحو 150 عاما تكررت هذه الاحتفالات التي ابتهجت بموته مرة ثانية واتخذت منحى آخر أكثر غرابة.

فعقب نجاح الثورة الفرنسية وإعلان الجمهورية، اجتاحت جموع الفرنسيين الغاضبين يوم 5 ديسمبر 1793 كنيسة السوربون لتخريب كل ما من شأنه أن يرمز للنظام السابق. وتزامنا مع ذلك، وضع الباريسيون أيديهم على قبر ريشليو الذي حافظ على سمعة سيئة على الرغم من مضي سنوات عديدة عن وفاته.

إلى ذلك، حطّم الفرنسيون الغاضبون القبر واستخرجوا الجثة المحنطة لريشليو فعمدوا لقطع رأسها وتقاذفوها فيما بينهم كالكرة، بينما لجأ البعض الآخر لإلقاء ما تبقى من الجثة بنهر السين.

ومع نهاية هذا الاحتفال الغريب ليوم 5 ديسمبر 1793، وقعت راس ريشليو بين يدي أحد تجار باريس. وقد احتفظ هذا التاجر بالرأس لوهلة من الزمن قبل أن يقدمها كهدية لأحد رجال الكنيسة بفرنسا.

فيما تنقلت رأس ريشليو طيلة العقود التالية، بين العديد من الأشخاص، وعرضت على عدد من أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية وقدمت لأحد الرسامين، الذي اهتم برسم لوحة تقريبية لوجه ريشليو انطلاقا منها.

وبحلول العام 1866، عادت هذه الرأس مجددا نحو السوربون، عقب تدخل من نابليون الثالث، ضمن مراسم جنائزية حضرها وزير التربية والتعليم فيكتور دوروي "Victor Duruy" لتستقر مجددا بالمكان الذي دفنت به قبل أكثر من قرنين.

وسمحت بعض عمليات الترميم بكنيسة السوربون بإعادة استخراج الرأس مجددا أواخر القرن التاسع عشر لتلتقط له بعض الصور قبل إعادته مجددا لمكانه.