زارت «البيان» أول بيت يُطبق المفهوم الصحيح للاستدامة على مستوى قارة أوروبا. ويقع المنزل المستدام الرائد أوروبياً في بلدة «فيلدباخ»، التي تتبع «زيوريخ»، إحدى المقاطعات «الكانتونات» الـ26 التي تتكون منها سويسرا.
وجاءت الزيارة بدعوة من الجناح السويسري في «إكسبو 2020 دبي» لوفد إعلامي من منطقة الشرق الأوسط لعرض تجارب سويسرا في تحقيق الاستدامة في مختلف المجالات، ومنها التمويل واستهلاك المياه.
مفهوم الاقتصاد الدائري
وينتمي البيت المُستدام إلى مشروع يُسمّى «كريس-هاوس»، وهو اختصار لجُملة ألمانية تعني «بيت الكفاية وكفاءة المناخ والموارد». وكما يتضح من الاسم، يهدف مشروع «كريس-هاوس» إلى تسليط الضوء على إمكانية التطبيق العملي لمفهوم الاقتصاد الدائري، وفي أقل المساحات المُتاحة. ويتأتى ذلك من خلال إنشاء بيت مُستدام بالمعنى الحرفي للكلمة ويعتمد على التدوير في كافة عناصره، بدءاً من مواد البناء المُستخدمة في إنشائه وحتى مياه الصرف المُستخدمة داخله.
ويتكون «كريس-هاوس» من وحدة سكنية تتسع لشخصين مُزوّدة بمرفق للصرف الصحي وبيت زجاحي مجاور لحفظ النباتات. ويُطبق «كريس-هاوس» الاستدامة والتدوير فعلياً، ذلك أنه بُني على أساس زُنبركي مرن، من دون أي خرسانة مُسلحة، كما شُيّد من خامات طبيعية كالطمي والخشب، إلى جانب خامات مُستعملة ومُستدامة وتتسم بالقدرة على الاستمرارية والتحمل لفترات طويلة بما يناسب بيتاً يصلح للسُكنى.
فعلى سبيل المثال، نوافذ «كريس-هاوس» مصنوعة بالكامل من زُجاج مُستعمل أو شظايا زجاج قديم مُعاد تدويرها. كما يشمل تطبيق الاستدامة في المشروع أيضاً الجانب المُتعلق بالصرف الصحي، ذلك أن منظومة الصرف في حمام ومطبخ المنزل يعمل على إعادة تدوير المياه المُستخدمة في كل منهما، إذ تجري معالجتها باستخدام وحدات مُثبّتة في الجدار الخلفي للمنزل.
وتتولى هذه الوحدات فصل المواد العضوية عن مياه الصرف بعد معالجتها ثم ضخّها إلى الحديقة المزروعة في سطح المنزل لاستخدامها كسماد للزرع. كما يمكن الإشارة إلى أن البيت الزجاجي المُجاور مُزوّد بألواح شمسية مُتداخلة في تركيبه، حيث تتولى تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء لتزويد «كريس-هاوس» بالطاقة التي يحتاجها، فيما يجري تخزين الطاقة الفائضة في بطاريات مُعاد تدويرها.
تعزيز التعاون
ويتبع «كريس-هاوس» إدارياً جمعية غير ربحية تُسمّى «سينيرجي فيليدج»، وهي تهدف إلى تعزيز التعاون، والتبادل والإلهام الثقافي بين مُختلف الشعوب، فيما يتبع المشروع أكاديمياً وبحثياً «جامعة زيوريخ للعلوم التطبيقية»، والمعروفة اختصاراً باسم «زاو».
وتعود فكرة «كريس-هاوس» إلى الباحثة ديفي بوهلر، أستاذ مساعد بمجموعة أبحاث التقنية الاقتصادية لدى «زاو»، وهي أيضاً رئيسة جمعية «سينيرجي فيليدج» والمُشاركة في تأسيسها.
وتجدر الإشارة إلى أن بوهلر أنشأت مشروع «كريس-هاوس» بدعم بحثي وتوجيهي من جانب أستاذتها الجامعية د. رانكا يونج، رئيسة مركز الهندسة الاقتصادية لدى «زاو».
واستمعت «البيان» إلى شرح من ديفي بوهلر للهدف من «كريس-هاوس» وكيفية بنائه، وأيضاً طريقة مُعالجة مياه الصرف الصحي بداخله.
وقالت بوهلر: «بلغت كُلفة بناء «كريس-هاوس» حوالي 700 ألف فرنك سويسري. ونأمل في انخفاض هذه الكُلفة عند التوسع في تنفيذ المشروع والانتقال إلى آفاق أعلى، وهو ما يتأتى بالحصول على التمويل اللازم. ويتلقى المشروع تغذية عكسية إيجابية ومُشجعة من جانب الأطراف أصحاب المصالح والمهتمين بقضايا الاستدامة والاقتصاد الدائري».
وأضافت: «نقوم في الوقت الحالي بتأجير المنزل للإقامة بالليلة. وتتراوح قيمة الإيجار لليلة الواحدة بين مئة ومئة وخمسين فرنكا للفرد».
وقالت د. رانكا يونج: «يُعد «كريس-هاوس» مشروعاً رائداً في السُكنى المُستدامة على مستوى أوروبا، وربما يكون الأول من نوعه على مستوى العالم».
وأضافت: «يكتسب مفهوم السُكنى المُستدامة زخماً تدريجياً. وينال مشروعنا اهتماماً متزايداً على نحو تدريجي من جانب المُؤسسات المعنية».