شركات ابتكارية تجني الأرباح من فائض الطعام وتقلل الهدر

بروك ماسترز
بينما كنت أتجول في محلات البقالة المحلية، كان من المستحيل عدم ملاحظة وفرة الأغذية المعروضة والمُخصصة لاستهلاك خلال فترة الأعياد.

وتراوحت المنتجات المعروضة ما بين طيور ديك رومي ضخمة، وأصناف لا تحصى من الفطائر، وجبال من البصل والبطاطا الحلوة، ما يجعل المرور عبر الصفوف يكاد يكون مستحيلاً.

ومع ذلك، ستتخلص المتاجر من الكثير من هذه الأطعمة، حيث تشير التقديرات إلى أن المتاجر تهدر ما يقارب 143 مليون كيلوغرام، بقيمة ما يُعادل 556 مليون دولار، من الأغذية، في فترة عيد الشكر وحده.

ويُعدّ هذا جزءاً من مشكلة أكبر بكثير، إذ يتخلص العالم ويهدر نحو خُمس الأغذية التي ينتجها، ويسهم ذلك في انبعاثات الغازات بما يتراوح بين 8% و10%، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

لذلك، يمكن فعل الكثير، ويجب فعله، لإقناع الأفراد بشراء كميات أقل وأن يكونوا أكثر حكمة في مُشترياتهم. وتسهّل برامج مثل «سيتي هارفست» في نيويورك على المطاعم ومحال البقالة التبرع بالأغذية المتبقية إلى المحتاجين.

لكن لا يمكن أن يعتمد التقليل من الإهدار على الأعمال الخيرية وسلوك المستفيدين النهائيين. لذلك، تسعى شركات ناشئة للاستفادة من التطورات التكنولوجية في هذا المجال.

وتسلك بعض الشركات بالفعل طرقاً مربحة لمنع إهدار الغذاء أو تحويله إلى منتجات قد يرغب المستهلكون في شرائها.

وتطبع شركة سينوبتيكا الإيرلندية الناشئة مستشعرات رخيصة الثمن على عبوات اللحم المفروم للمساعدة في تحديد ما إن كانت اللحوم تواجه خطر الفساد، وبالتالي تقلل من إهدار الطعام.

ويُعبّأ اللحم النيء مع غاز الأوكسجين للحفاظ على طزاجته، لذا سيكون من السهل إعادة تعبئة اللحوم على الفور إذا ما تعرفت المستشعرات على وجود تسرّب في أثناء عملية التعبئة.

وفيما بعد، يمكن إخضاع العبوات التي تنخفض فيها نسبة الأكسجين إلى الخصومات للبيع السريع، وستتيح المستشعرات للباعة مواصلة تخزين الكمية المتبقية وهم مطمئنون لجودتها.

وستمر هذه المستشعرات بأول اختبار لها في الحياة العملية عندما يبدأ محل بقالة كبير على الإنترنت استخدامها في الربيع المقبل، بحسب بريندان رايس، المؤسس المشارك للمتجر. ومن المُتوقع أيضاً إبرام الشركة الإيرلندية اتفاقاً مع متجر تقليدي قريباً.

من جانبها، تراهن شركة باترفلاي إكويتي الاستثمارية على «إعادة التدوير للأفضل»، وهي عملية تحويل المنتجات الغذائية الثانوية إلى شيء فاتح للشهية.

وقبل عامين، استحوذت «باترفلاي إكويتي» على ما يُعرف حالياً باسم «أكتوس نيوتريشن»، وهي شركة تشتري مخلفات تصنيع الجبن وتحوّله إلى أغذية، بما في ذلك مسحوق بروتين ومنتجات غذائية أخرى.

وكانت شركات تصنيع الجبن الكبرى تفعل ذلك بالفعل وتقدم منتجاتها الغذائية الثانوية الخاصة طيلة أعوام. لكن الأمر المثير للاهتمام أن «أكتوس» تجمع مصل الحليب من معامل الحليب متوسطة الحجم والصغيرة التي لا يمكنها تحمل تكاليف معالجته، وكانت تضطر فيما سبق إلى معاملته وكأنه نفايات أو كانت تبيعه بثمن رخيص لشركات تصنيع أغذية الحيوانات.

والظروف ملائمة للشركة حالياً لتحقيق أرباح من تنامي الاهتمام بالمكملات البروتينية، الذي ازداد بفعل الطلب الإضافي من مستخدمي أدوية الببتيد الشبيه بالجلوكاجون - 1 «جي إل بي - 1» لإنقاص الوزن وعلاج السكري، مثل «أوزمبك». كما أن سوق التغذية الرياضية تنمو بنسبة 8% سنوياً، أي بوتيرة أسرع من سوق الجبن بأربع مرات.

وتمتلك «باترفلاي إكويتي» شركة أخرى، هي «تشوزن فودز»، التي تحاول فعل أمر مشابه مع ثمرات الأفوكادو. وكانت ثمرات الأفوكادو التالفة بصورة تجعلها غير قابلة للبيع أو المُستخدمة في صلصة الغواكامولي، إما تستخدم سماداً في الحقول أو يُتخَلّص منها.

أما الآن، فتستخدم «تشوزن فودز» هذه الثمرات وتعالجها لتصنيع زيت للطهي يحوز على شعبية متزايدة بسبب نقطة دخانه المرتفعة ومذاقه المحايد.

ويمد هذا الاستخدام المزارعين بدخل إضافي، ويساعد في زيادة قيمة كميات المياه الكبيرة المُستخدمة في زراعة ثمار الأفوكادو للاستهلاك المباشر. كما يؤدي هذا الاستخدام إلى خلق وظائف محلية.

وإذا وضعنا في الاعتبار أن تكلفة تصدير الزيت أقل كثيراً من تكلفة ثمار الأفوكادو، فقد بدأت الشركة الموردة لـ«تشوزن فودز» في الاستثمار بمصانع لمعالجة الزيت بالقرب من حقول زراعة الثمار.

وتتوقع الشركة الاستفادة كثيراً من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. فقد قاد وزيره الجديد للصحة، روبرت إف كينيدي جونيور، حملة شعواء ضد زيت الكانولا وزيوت أخرى مُستخلصة من البذور وهي منتجات تتنافس بقوة مع ما تنتجه «تشوزن فودز».

وقال آرون كيركبرايد، أحد المديرين الإداريين في «باترفلاي إكويتي»: «يشهد الطلب ارتفاعاً كبيراً»، وتابع: «يدرك المزيد والمزيد من الأفراد منافع هذا الزيت يوماً بعد يوم».

ومع ذلك، ليس بمقدور كافة الشركات الاعتماد على العوامل السياسية المواتية. لكن يتوجب على الشركات الراغبة في تحقيق الربح من الاستدامة فعل المزيد، وليس استمالة الجانب المثالي لدى المستهلكين.

وخَلُصَ مسح جديد بتكليف من «سوديكسو»، إلى انخفاض نسبة المستهلكين حول العالم الذين يتبنون وجهة نظر إيجابية بشأن المواد الغذائية المُستدامة بواقع 6 نقاط أساس إلى 38% هذا العام، وتقل هذه النسبة حالياً عن 30% في الاقتصادات الغربية، التي تضررت للغاية بفعل التضخم.

وبغض الطرف عن مكان عيشهم، فالأفراد عُرضة إلى الاهتمام بالأسعار بثلاث مرات مقارنة بالتأثير البيئي باعتباره محركاً لاختياراتهم الغذائية.