بكل بساطة الولايات المتحدة لم تعد تحتل تلك المكانة الكبيرة التي تعتقدها في التجارة العالمية
آلان بيتي
بالنسبة لك أو لي، قد يبدو اللقب الذي أطلقه دونالد ترامب على نفسه «رجل التعريفات» وكأنه بطل خارق عاجز بشكل مأساوي اتصل به المبدعون في «مارفيل كوميكس» لإخراجه من سبات طويل، لكنه بالنسبة له فإن الأمر يجسد الإسقاط العالمي للرجولة الأمريكية.
في نظر ترامب، تعتبر الضرائب على الواردات بمثابة حجر الفلاسفة الذي يحول المعادن الرخيصة إلى ذهب. فهي ستجبر الشركاء التجاريين على الانصياع للمسار الأمريكي، علاوة على إغلاق العجز (الثنائي والإجمالي) من خلال منع دخول الواردات الرخيصة لتغرق الأسواق، ناهيك عن زيادة الإيرادات، وخلق فرص العمل، وإحياء التصنيع، وجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى بشكل عام، كل ذلك دفعة واحدة.
لذلك، فقد أعلن منذ أيام قليلة أنه سيعيد تعيين مهووس آخر بالتعريفات الجمركية وهو بيتر نافارو، الذي خدم في إدارته الأولى، في منصب تجاري كبير في البيت الأبيض.
وحتى قبل توليه منصبه، خرج ترامب بتهديداته مرتين: ضد المكسيك وكندا.. أنهما إذا لم تتعاملا مع الهجرة وتجارة الفنتانيل، وضد دول البريكس بسبب حملتها (غير الموجودة) من أجل عملة تحل محل العملة الموحدة.. الدولار الأمريكي.
إنه من المؤكد أن التعريفات الجمركية قادرة على خلق مشهد سياسي يبدو جيداً، فبعد تهديدات ترامب، سارع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على متن طائرة متجهاً إلى فلوريدا ومبتسماً بابتسامات عريضة على النكات التي تتحدث عن أن كندا أصبحت الولاية الأمريكية رقم 51.
ولكن في الواقع، حتى لو نحينا جانباً حقيقة أن التعريفات الجمركية تؤثر فقط على السلع وليس الخدمات، فالولايات المتحدة لاعب أصغر مما توحي به الصورة التي تقدم نفسها بها. لذلك، إذا كان ترامب يفضل الرسوم الجمركية بالفعل على التدابير الأخرى مثل ضوابط التصدير على التكنولوجيا والعقوبات المالية، فسوف يجدها وسيلة خرقاء وغير فعالة في كثير من الأحيان لتأكيد القوة الأمريكية.
وبكل بساطة، لم تعد الولايات المتحدة تحتل تلك المكانة الكبيرة في التجارة العالمية الآن، فقد أدى الصعود القوي للمستهلكين الآسيويين إلى دفع حصة الولايات المتحدة من واردات السلع العالمية إلى الانخفاض العام الماضي إلى 15.9 في المائة فقط، أي أقل من أوروبا (الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معاً) وأعلى بفارق 3 نقاط مئوية فقط عن الصين.
قد تكون الصورة الذهنية الشائعة للعولمة هي تلك المرتبطة بسفن الحاويات المحملة بالإلكترونيات التي تعبر المحيط الهادئ من شنغهاي إلى لوس أنجليس، لكن سايمون إيفينيت، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال IMD في سويسرا، والذي أسس مبادرة أبحاث تنبيهات التجارة العالمية، يقول إن تجارة السلع بين الولايات المتحدة والصين لا تمثل سوى حوالي 5 في المائة من الإجمالي العالمي. فيما تقوم التجارة هذه الأيام على رحلات إقليمية قصيرة داخل محيط جنوب شرق آسيا.
وباستثناء عدد قليل من الاقتصادات المتكاملة إلى حد كبير مع الولايات المتحدة مثل المكسيك وكندا، فإن أغلب البلدان التي من المرجح أن تواجه التعريفات الجمركية الأمريكية القسرية يمكن أن تجد بدائل لها كأسواق نهائية.. صحيح مع بعض المعاناة ولكن من دون أن تحدث أية كوارث. ويقدر إيفينيت أنه حتى لو باتت سوق الولايات المتحدة مغلقة تماماً أمام شريك تجاري معين، بحلول عام 2030 فإن أكثر من 100 شريك، بما في ذلك أستراليا والصين والبرازيل والمملكة العربية السعودية والهند وألمانيا، يمكنها أن تستعيد صادراتها المفقودة عبر وجهات أخرى.
وقد تقرر الدول إفساح المجال لمطالب ترامب بدلاً من الإضرار بالقطاعات الحساسة سياسياً مثل قطاع السيارات في ألمانيا. لكن الأدلة تشير إلى أن هذه الدول إذا حافظت على أعصابها، فيمكنها بالتأكيد تجاوز الجزء الأسوأ من الصدمة.
لقد أظهر نظام التجارة العالمي مرونة ومرونة غير عادية بعد أن فرض ترامب تعريفات جمركية على البضائع الصينية خلال فترة ولايته الأولى. وبعيداً عن الثغرات التي تفاوضت عليها الشركات الأمريكية مثل شركة أبل، أثبتت شبكات الإنتاج والتوزيع قدرتها على تجاوز القيود المفروضة على الصادرات.
وقد تقلص العجز التجاري الأمريكي مع الصين، والذي يتهمه ترامب بإغراق السوق الأمريكية بسلع رخيصة، بعد فرض الرسوم الجمركية. ومع ذلك، ارتفع إجمالي العجز التجاري للولايات المتحدة وارتفعت وارداتها مما يسميه صندوق النقد الدولي «الدول الرابطة» مثل فيتنام والمكسيك. لذلك، قد يلاحق ترامب تلك البلدان بفرض التعريفات الجمركية عليها هي الأخرى، لكن في هذه الحالة، إما أن تجد الواردات وسيلة ما للالتفاف أو يتم خنقها تماماً، مما قد يؤدي إلى صدمة تضخمية هائلة و/أو ركود وكساد لإجبار الإنتاج والاستهلاك المحليين على التكيف.
لقد اعتادت الولايات المتحدة على استخدام العقوبات المالية، وبدرجة أقل ضوابط التصدير على التكنولوجيا لتقييد وإجبار الدول الأخرى لكنها ليست مهيأة حقاً لإدارة سلوك شركائها التجاريين بشكل دقيق في ظل التعريفات. وبطبيعة الحال، كلما حاول ترامب إعادة الإنتاج إلى الوطن، كلما أصبحت الولايات المتحدة أقل موثوقية كسوق للواردات، وكلما زادت تجارة بقية العالم من دونها. وتقوم الولايات المتحدة بالفعل بإخراج نفسها من السوق العالمية للسيارات الكهربائية فعلياً من خلال فرض رسوم جمركية باهظة بنسبة 100% على السيارات الكهربائية الصينية.
وتعرف بكين نفسها تداعيات منع صادرات الدول الأخرى، وذلك بعدما حاولت وفشلت في إجبار أستراليا وليتوانيا على تغيير مواقفهما السياسية من خلال تقييد التجارة. وفي الواقع، كانت الصين مقيدة نسبياً بشأن الرد على الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة من جانب إدارتي ترامب وبايدن، لإدراكها للأضرار التي تلحق باقتصادها نتيجة للحرب التجارية المتصاعدة. برغم ذلك، أعلنت بكين عن حظر تصدير بعض المعادن المهمة، بما في ذلك الجرمانيوم والجاليوم، رداً على القيود الأمريكية على تكنولوجيا أشباه الموصلات، مع ملاحظة أن مثل هذه القيود لم تكن معوقة تماماً عندما جربتها الصين على الاتحاد الأوروبي في الماضي.
اختصاراً، فإنه إذا بدأ رجل التعريفات الجمركية العمل ضد عدوه اللدود الصيني، فإن انتصاره ليس مضموناً على الإطلاق، فربما تتمتع التعريفات الجمركية بجاذبية بديهية، لكن الأدلة تشير إلى أنها أداة قوة أضعف كثيراً مما يفترض ترامب.