تنظيم العملات المشفّرة يحتاج إلى إعادة تفكير مدروسة

كريستوفر بيركنز

بالنسبة لصناعة العملات المشفرة، كانت الانتخابات الأمريكية 2024 نقطة تحول مهمة على طريقها نحو الشرعية كفئة أصول قابلة للاستثمار. ومع وجود أكثر من 290 عضواً مؤيداً للعملات المشفرة في الكونغرس، ورئيس منتخب أعلن أن الولايات المتحدة ستكون عاصمة العملات المشفرة على هذا الكوكب، وجدت صناعة العملات المشفرة نفسها أخيراً مدعومة من قبل الحكومة بدلاً من محاربتها.

ويمكن أن يساعد هذا التغيير الولايات المتحدة في تعزيز مكانتها كقائدة عالمية في التكنولوجيا والابتكار مع تشكيل الإنترنت الجديد المدعوم بسلسلة الكتل والذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، لكن التقدم لن يكون ممكناً إلا إذا ترجمت الحماسة التي أعقبت الانتخابات إلى سياسة مدروسة. وبادئ ذي بدء، يجب على الجهات التنظيمية تغيير نهجها على الفور تجاه الأسواق التي تنظمها.

وخلال عملية التنظيم التي تبنتها إدارة بايدن، أعطت الوكالات التي واجهت فئة أصول جديدة لا تتناسب بشكل جيد مع اللوائح التي مضى عليها عقود من الزمان الأولوية لتوسيع نطاقها القضائي. ويجب أن يظل المبدأ الأساسي بمنع الجهات السيئة من إلحاق الضرر هدفاً أساسياً، لكن إجراءات الإنفاذ والدعاوى القضائية في عهد بايدن أطاحت بالحدود التنظيمية، واستنزفت موارد الوكالة (وأموال دافعي الضرائب)، وكلفت الشركات الأمريكية أكثر من 400 مليون دولار، وفقاً لتقديرات الصناعة.

وبينما انشغل المنظمون في المشاجرات، ارتكب المحتالون بعضاً من أكبر عمليات الاحتيال الإجرامية في تاريخ الولايات المتحدة، التي وقعت تحت أنوفهم مباشرة، في حين لا يحتاج مراقبو السوق إلى قوانين أو لوائح جديدة لوقف الجهات السيئة. إنها مسألة تركيز وأولويات. ولتحقيق إمكاناتها الكاملة، تحتاج صناعة التشفير إلى سياسات جديدة تفهم الفروق الدقيقة للتكنولوجيا المبنية على سلاسل الكتل اللامركزية.

إن مبدأ شاملاً واحداً لا بد أن يسود، ففي حين ينبغي تنظيم الشركات والمؤسسات وأنشطتها، فإن التكنولوجيا نفسها ينبغي أن تجد المزيد من المرونة. والقياس على ذلك هو الإنترنت كما هي عليه اليوم، فليس من غير القانوني إنشاء موقع ويب أو تطبيق، ولا ينبغي أن يكون كذلك، لكن كيفية استخدام هذه الخدمة هي التي يحكمها القانون.

وكما أشارت القاضية كاثرين بولك فايلا في رفضها لدعوى قضائية ضد بورصة تداول العملات المشفرة يوني سواب، فإن القيام بخلاف ذلك يشبه محاولة تحميل تطبيق مدفوعات مثل فينمو المسؤولية عن صفقة مخدرات استخدمت المنصة لتسهيل تحويل الأموال. وينبغي أيضاً أن تكون السياسات الواضحة والشفافة والمتوقعة، التي ينبغي أن تشمل مبادئ مهمة مثل حماية أصول العملاء والإفصاحات، مدفوعة بالتشريعات، وليس بالأهواء التنظيمية.

إن الوضوح في هذا المجال سيطلق العنان لفئة جديدة من المؤسسات، ويجذب جيلاً من رواد الأعمال الشجعان، الذين يمثلون شريان الحياة لمستقبلنا الاقتصادي، والذين لن يتحملوا بعد الآن أعباء المخاطر القانونية والمسؤوليات الشخصية المترتبة على صناعة كانت غير مؤكدة إلى حد كبير.

والواقع أن دعم السياسات العامة كان ضرورياً منذ فترة طويلة، فقد خرجت عملة البيتكوين، العملة المشفرة الأصلية، التي بلغت مستويات مرتفعة جديدة تجاوزت 100 ألف دولار، من رماد الأزمة المالية العالمية. وقد عانت صناعة التشفير، على مدى تاريخها الذي امتد لعقد ونصف من الزمان، من سلسلة من الطفرات والتراجعات.

ولكن على طول الطريق، نضجت التكنولوجيا مع ولادة «العقود الذكية» التي فتحت الباب أمام تطبيقات جديدة تعمل بالعملات المشفرة، بما في ذلك التمويل اللامركزي (DeFi)، والألعاب، ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى شبكة الجيل الخامس اللاسلكية.

واليوم تلعب نحو 200 مليار دولار من العملات المستقرة المرتبطة بالدولار بالفعل دوراً مثيراً في توسيع نطاق الدولار باعتباره عملة احتياط عالمية. يعد مصدرو العملات المستقرة بالفعل من بين أكبر 20 مالكاً لسندات الخزانة في العالم.

إن التطبيع الجديد وإزالة المخاطر يمهد الطريق للتبني السريع، لكن هذا لا يمكن أن يأتي في وقت قريب بما فيه الكفاية. وفي الأسواق المالية التقليدية، تكافح البنية التحتية القديمة للتعامل مع عبء النشاط على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ومع ذلك ففي أسواق التشفير تعمل سلاسل الكتل العامة على تشغيل الأسواق على مدار الساعة بسهولة. وفي وقت حيث لا يزال سكان العالم يعانون الأمرين من التفاوت الاقتصادي، فإن إمكانية الوصول الشامل إلى التمويل اللامركزي تفتح الباب أمام نظام أكثر عدالة.

كما سيجلب التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي الفرص. ويمكن للانفتاح والشفافية والحجم الذي تحقق من خلال دمج التشفير والذكاء الاصطناعي أن يمهد الطريق أمام الابتكار المسؤول.

وأحد الأمثلة على ذلك هو تطبيق «ورلد» World الذي تستثمر فيه «كوين فند» يتيح للمستخدمين إثبات أنهم بشر بالفعل بطريقة مجهولة وآمنة. واليوم تتجاوز المخاطر الاقتصادية والسمعة المترتبة على عدم وجود استراتيجية للأصول الرقمية الآن تلك المترتبة على تبنيها. وبدعم مدروس من صناع السياسات، يمكن بناء النظام الذي نستحقه حقاً.