السياسة الصناعية محور مهم في المواجهة بين أمريكا والصين

رنا فوروهار

خلال فترته الأولى رئيساً للولايات المتحدة، تحدث دونالد ترامب مراراً عن تعزيز التصنيع الأمريكي، إلا أنه لم يفعل إلا القليل لدعمه، فيما كانت السياسة الصناعية أولوية بالنسبة لجو بايدن. والتوقعات هي أن يمضي ترامب عدداً من أشهره الأولى في المكتب البيضاوي وهو يفكك الدعم الحكومي لصناعات مثل أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية.

لكنني أرى أن ترامب يمكن أن يجلب خلال فترته الرئاسية الثانية نمطاً خاصاً به من السياسة الصناعية سيركز على التقاطع بين الجانبين الأمني والتجاري. وسنحظى خلال أيام بأولى اللمحات عما ستكون عليه مثل هذه السياسة، وسيكون ذلك من خلال مشروع قانون «السفن لأمريكا» الذي يحظى بدعم الحزبين، ويشارك في رعايته ساسة، مثل مارك كيلي، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، ومايكل والتز، عضو مجلس النواب الجمهوري، الذي اختاره ترامب مستشاراً للأمن القومي.

وشأنه شأن الكثير من المائلين إلى اليسار والمؤيدين للعمال، يؤمن والتز، بشغف، بحاجة الولايات المتحدة إلى إعادة بناء صناعة السفن لديها ضمن جهودها الأوسع للتصدي للقوة الاقتصادية والأمنية الصينية. ومن النادر لمستشار بارز يستعد لشغل منصب في الإدارة التالية، وكان عضواً في مجلس النواب، أن يشارك في رعاية مشروع قانون قبيل مغادرة المجلس. ويشير ذلك إلى حقيقة أن العديد من الأشخاص المقرر أن ينضموا للإدارة الجديدة يعتقدون أن الحكومة يجب أن تدعم جهود إعادة بناء القاعدة الصناعية للولايات المتحدة. ويعد والتز من بين هؤلاء، ومعه ماركو روبيو، وزير الخارجية المقبل، وجاميسون غرير، الممثل التجاري الأمريكي المستقبلي، وبيتر نافارو، المستشار الاقتصادي.

وتمثل هذه قطيعة مع عهد رونالد ريجان، عندما تم تقليص الإعانات المقدمة لصناعة بناء السفن التجارية الأمريكية بشكل ضخم، استناداً إلى فكرة أن الإنفاق على الدفاع خلال الحرب الباردة كان سيدعم أحواض السفن. لكن الحرب الباردة انتهت، وانهارت الصناعة. وأخبرني مارك كيلي قائلاً: «حينما تخرجت في أكاديمية الولايات المتحدة التجارية البحرية عام 1986، كانت هناك 400 سفينة بحرية تبحر تحت العلم الأمريكي، أما اليوم، فتوجد 80 سفينة فقط. فيما لدى الصين، 5500 سفينة. وتعد هذه نقطة ضعف هائلة».

وحسب ما صرح به والتز في مناسبة حضرها كيلي أخيراً: «نتحدث كثيراً عن قدرة الصين على أن تمنع عنا الأشياء التي تنتجها ولم نعد نصنعها، مثل المستحضرات الدوائية أو المعادن النادرة، لكن بإمكانهم حقاً تعطيل اقتصادنا بالكامل بخنق أسطولنا التجاري، ثم تحويل أسطولها إلى سفن حربية أو أدوات يمكن استخدامها لبسط النفوذ الجيوسياسي. هذا غير مقبول على الإطلاق».

وأعرب والتز، علانية، عن قلقة من التهديد الصيني لتايوان وحلفاء آسيويين مثل اليابان والفلبين، وبث قلقه أيضاً من خطر وقوع أزمة في شبه الجزيرة الكورية. ليس ذلك فحسب، بل ربط بين الحاجة إلى بناء أسطول عسكري أقوى، وصناعة قوية في بناء السفن التجارية، فالسفن التجارية تنقل قرابة 90% من معدات المقاتلين في الحروب وإمداداتهم.

ويسلط هذا الضوء على شيء تدركه الصين جيداً وكذلك العديد من الدول الآسيوية، فمن أجل صناعة منتج ما بوتيرة سريعة وبفعالية من حيث التكلفة، سواء أكان ذلك رقائق أم سفن، فأنت بحاجة إلى حجم طلب كبير. وفي حالة بناء السفن، فإن ذلك يتطلب إعانات جديدة ومؤشرات على الطلب من الحكومة لتشجيع الشركات على الاستثمار في الإنتاج الأمريكي. وسيتضمن التشريع الجديد بعض المحفزات، وبعض العقوبات أيضاً.

وكانت إدارة بايدن مهتمة للغاية بمسألة بناء السفن. وقدم كارلوس ديل تورو، وزير البحرية، قبل عام، في كلمة ألقاها بجامعة هارفارد، رؤية لنوع جديد من فن إدارة شؤون الدولة للبحرية، تشمل استراتيجية صناعية وتعاوناً مع الحلفاء والقطاع الخاص. وتوسع تورو في الحديث عن ذلك خلال الأسبوع الماضي في منتدى الدفاع بمعهد البحرية. وحسب قوله: «لم تتمكن أي قوة بحرية عظمى من الاستمرار من دون أن يكون لديها قوة بحرية تجارية كبيرة».

وحظيت هذه الرؤية بدعم هائل في نوفمبر الماضي عندما وقعت كندا وفنلندا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم لإنتاج كاسحات جليد قطبية معاً. وتوصلت هذه الدول إلى تلك الشراكة لمواجهة المخاوف الأمنية في القطب الشمالي، إضافة إلى تعزيز القدرات الإنتاجية الأمريكية وخلق وظائف بمرتبات جيدة. ودعم جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، الاتفاق، وكان قد قال في خريف هذا العام إن السفن بمثابة الرقائق الجديدة بالنسبة للاستراتيجية الصناعية.

وقد يظن المرء أن دعم بايدن لهذه الجهود سيجعل ترامب راغباً في هدم الأمر تلقائياً. لكن، في حقيقة الأمر، كان ترامب هو أول من طرح فكرة تعزيز أسطول الولايات المتحدة من كاسحات الجليد خلال السنوات العشر المقبلة. ورأى ترامب، من منظور أمني وتجاري، الأمر وكأنه طريقة لمواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا في القطب الشمالي، في ضوء ازدياد فرص التنقيب عن المعادن والشحن البحري مع ذوبان الجليد القطبي. وبطريقته الفريدة، كان يمكن لترامب أن يتساءل: «لم استغرقتم جميعاً كل هذا الوقت الطويل لتنفيذ سياستي الصناعية؟».

علاوة على ذلك، تحظى السياسة الصناعية المتعلقة ببناء السفن بدعم واسع النطاق في صفوف العمال، ما قد يعزز احتمالات مرور مشروع القانون بسلاسة في الكونجرس، بما أن كلا الحزبين يرغبان في تعزيز الدعم بين العمال.
وقال مايكل ويسيل، منسق القضية 301 المتصلة ببناء السفن، المرفوعة في إطار دعوى قضائية تجارية ضد الصين في وقت مبكر من العام: «إن هذا النوع من الاستراتيجيات الصناعية يصل بين العديد من النقاط بين الجمهوريين والديمقراطيين». ويشمل ذلك الرغبة في إعادة بناء التصنيع وتعزيز المهارات المهنية. 

وأضاف: «سيكون هذا اختباراً لما إن كانت إدارة ترامب جادة بشأن الاستراتيجية الصناعية». وسيعطي مؤشرات على من يقود الدفة داخل الإدارة الجديدة، أصحاب شعار «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى» أم وول ستريت.