تيم هارفورد
في عام 1978، كانت فرقة تجريف تعمل لصالح هيئة المجاري المائية البريطانية تواجه مشكلة. كانوا يحاولون إزالة العوائق من قناة تشيسترفيلد حتى يتمكنوا من تثبيت جدار خرساني، لم تكن مهمة سهلة يمكن الانتهاء منها في يوم واحد.
لكن ما أربكهم حقاً هو سلسلة حديدية ثقيلة في قاع القناة. بعد محاولات عديدة، ربطوا السلسلة بجرافة. ونجحت الحيلة. وبسحبة قوية أزيلت السلسلة وقطعة الخشب التي كانت موجودة في نهايتها. أخذت الفرقة استراحة مستحقة لتناول الشاي.
قاطع استراحة الشاي بشكل فظ شرطي مستثار، كان يمر بالقناة الهادئة عادة عندما لم يستطع إلا أن يلاحظ دوامة كبيرة. وبحلول الوقت الذي عاد فيه الطاقم إلى مكان الحادث، كانت القناة قد اختفت. واحتج أحد العمال بقوله «لم نكن نعلم أن هناك سدادة».
وبإنصاف، كانت القناة تبلغ من العمر قرنين من الزمان، وكذلك السدادة. وقد دمرت أي سجلات ربما كانت موجودة في قصف لندن. العبرة من القصة: الذاكرة المؤسسية قيمة، وإذا بدأت منظمة في نسيان أمور مهمة (مثل وجود السدادة) فستحدث أشياء سيئة.
لكن الأمر ليس سهلاً. لقد اصطحبت مؤخراً في جولة على مجموعة صور مكتبة بودليان، وقد أدهشني مدى صعوبة عمل مرشدينا لاستعادة معلومات أساسية عن صورة وفنان، حتى في عمل لا يزيد عمرها على بضعة عقود. لن يكون هذا الأمر ملحوظاً للغاية، لولا أن السبب الوحيد لوجود مكتبة بودليان هو حفظ المعلومات بشكل متاح.
(كتب أمين مكتبة بودلي، ريتشارد أوفندن، كتاب «حرق الكتب: تاريخ التدمير المتعمد للمعرفة» وهو رئيس تحالف الحفظ الرقمي). لكن بودليان مكتبة، وليست متحفاً للصور، وبدون اهتمام مستمر، فإن النظام الطبيعي للأشياء ليس التذكر، بل النسيان.
وهذا يعني مشكلة. لنأخذ في الاعتبار فضيحة فولكس فاجن الكارثية، حيث صممت الشركة سياراتها لخداع اختبارات الانبعاثات من قبل الجهات التنظيمية. لا، ليس فضيحة عام 2015، التي كلفت الشركة سمعتها، ورئيسها التنفيذي، وأكثر من 30 مليار يورو كغرامات وتسويات ورسوم قانونية.
أعني فضيحة عام 1973، عندما اتهمت وكالة حماية البيئة الأمريكية فولكس فاجن بتصميم سياراتها لخداع اختبارات الانبعاثات من قبل الجهات التنظيمية. وتوصلت فولكس فاجن إلى تسوية خارج المحكمة، ويبدو أنها قضت العقود التالية في نسيان ما كان يجب أن يكون تجربة مؤدبة.
مثال أكثر مأساوية هو انفجارا مكوكي الفضاء القاتلان، تشالنجر عام 1986 وكولومبيا عام 2003. تبدو هذه الحوادث مختلفة جداً. كان أحدهما انفجاراً بعد الإقلاع بوقت قصير، وفي الآخر تفكك المكوك عند إعادة دخول الغلاف الجوي. لكن الأخطاء الأساسية التي جعلتها ممكنة تبدو متشابهة بشكل مخيف. أشار تقرير مجلس التحقيق في حادث كولومبيا إلى ظهور الأسئلة الأساسية نفسها: لماذا استمر كلا المكوكين في التحليق بمشاكل معروفة؟ ولماذا قرر مديرو ناسا أنه من الآمن الإطلاق رغم تحذيرات مهندسيهم؟ ولتهيئة المسرح لكولومبيا، كان على ناسا أولاً أن تنسى جميع دروس تشالنجر.
لكن في المؤسسات هناك ما هو أكثر من نسيان شيء واحد كبير. يمكن للمنظمات أيضاً أن تنسى ببساطة كيفية إنجاز الأمور.
عندما كنت صبياً، كنت مفتونا بطائرة لوكهيد ترايستار بسبب تصميمها غير المعتاد، حيث يوجد محرك واحد في الذيل. لا تراها كثيراً هذه الأيام، ولم تكن ترايستار ناجحة تجارياً.
لم أكن الشخص الوحيد الذي أثارت الطائرة اهتمامه، فعالمة النفس التنظيمي ليندا أرجوت كان لديها سبب مختلف لتدقيقها. معظم الطائرات تصبح أرخص بكثير في التصنيع بفضل الخبرة، إنها المثال النموذجي للتعلم بالممارسة. لكن ترايستار ظلت باهظة الثمن بشكل عنيد في التصنيع. أرادت أرجوت أن تعرف السبب، لأن هذا قلب فكرتها عن التعلم بالممارسة: ماذا عن النسيان بعدم الممارسة؟
في مقال عام 1990، خلصت أرجوت ودينيس إيبل إلى أن لوكهيد صنعت عدداً قليلاً جداً من الطائرات لدرجة أنها كانت تنسى أسرع مما كانت تتعلم. على وجه الخصوص، في عامي 1977 و1978 انخفض الإنتاج إلى 14 طائرة ترايستار فقط في المجموع، وبحلول أوائل الثمانينات كانت التكاليف أعلى مما كانت عليه في عام 1975.
قدر الاقتصادي لانيير بنكارد لاحقاً أن خبرة لوكهيد في توفير التكاليف تميل إلى التلاشي بسرعة مثيرة للقلق إذا لم يتم تحديثها بنشاط كل فترة، أو خلال ما يزيد قليلاً على عام واحد. ولا يمكننا التعميم كثيراً. الطائرات هي الطائرات، وكل حالة مختلفة. رغم ذلك، يمكن لأي شخص قدم إقرارات ضريبية أن يشهد بأن عاماً واحداً هو وقت كاف لنسيان كيفية القيام بأي عملية معقدة.
ويمكن أن يحدث النسيان لأسباب عديدة. فقد يغادر الناس. أو يتعرض الأرشيف المادي للعفن والنار والضياع. وتميل المحفوظات الرقمية إلى أن تصبح غير قابلة للقراءة مع تغير التكنولوجيا، في الواقع، المرجع الأخير في مقالة ويكيبيديا حول الذاكرة المؤسسية هو رابط معطل لموقع ويب مفقود تابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية.