الأجناس الأدبية

بالعودة إلى البدايات سنجد إن أفلاطون أشار إلى التجنيس الأدبي، لكنه لم يحدد مفهوماً واضحاً لمقولة الجنس، بينما أرسطو اعتبر الشعر محاكاة أو محاكاة المحاكاة، قسمه إلى أجناس كشعر الملاحم، والمأساة، والملهاة... واستبعد الشعر الغنائي ليدخله في جنس الموسيقى..

وإن كانت التقسيمات عند أرسطو مبنية على الحدس والجدل، إلا أن التي أتت بعدها لم تكن متطورة أكثر منها، وخاصة تلك التي قامت على تقسيم الأدب إلى حسي وروحي.

. ولعل المقصود بالجنس لم يتضح عالمياً إلا في الربع الأول من القرن العشرين مع ظهور الأصوليات العرقية المتجلية بالوطنية أو القومية أو العقيدية التي أسس لها الحزب النازي بقيادة هتلر، والفاشي بقيادة موسوليني..

أما عربياً فإن أول من استخدم مصطلح الجنس للمقولات الأدبية هو الجاحظ حين قال (الشعر صناعة وضرب من الصياغة وجنس من التصوير) ولم ترد الأجناس الأدبية بحدودها الاصطلاحية المعاصرة في أدبيات العصر الجاهلي.

ولم يشهد الأدب العربي حتى أواسط القرن التاسع عشر ظهور أجناس أساسية سردية متطورة كالرواية، والقصة القصيرة، والأقصوصة، ولا مسرحية بأجناسها الفرعية كافة..

وإن كان التراث الشعبي قد سجل نشوء بعض الظواهر المسرحية كالأراجوز وخيال الظل، إلا أنه لم يسجل ظهور أدب مسرحي في شكله المتطور الذي عرفته الثقافات والآداب الأوروبية... وعلى صعيد الأجناس القصصية أو السردية فقد شهد الأدب العربي القديم ظهور فن المقامة.

وهو شكل جنيني من أشكال القصة القصيرة، ومن ظواهر الأدب السردي التي ظهرت عند العرب في وقت مبكر قصص الحيوان والملاحم الشعبية والحكايات الشعبية وقصص ألف ليلة وليلة.. وبشكل عام ميز علماء الأدب بين ثلاثة أجناس أدبية أساسية هي: الأدب الملحمي أو السردي، والأدب الدرامي أو المسرحي، والشعر الغنائي.

وقسّموا كلاً من هذه الأجناس الأساسية إلى أجناس أدبية فرعية، ومنها الشعر وفقاً لشكله الفني أو أغراضه، كشعر الغزل والهجاء والمدح والقصة الشعرية ... لكن إشكالية التجنيس توقفت عند ما يسمى بقصيدة النثر.

واعتبرها البعض إنها تمثل حالة مروق لا تشاكل الشعر، ولا تشاكل النثر، وزعم البعض إنها جنس منفعل بنفسه مثل زهرة الجوري، فيها صفات الذكر والأنثى معاً!!

ويقال إن الشاعر العراقي حسين مردان، رحمه الله ، تنبه مطلع الخمسينات إلى هذه الإشكالية الصعبة فأطلق على قصائده النثرية (النثر الفني المركز) وأطلق بعض الشعراء الحداثيين (نصوص) على قصائدهم النثرية و(قصائد) على قصائد التفعيلة... ولكن أين تكمن الاشكالية؟

إذا كانت قصيدة النثر لم تأخذ من القصة القصيرة حبكتها، ولم تأخذ من الشعر أوزانه وقوافيه وحتى موسيقاه الداخلية، فمن أين تكتسب تسميتها؟

لعل في قول الشاعر مردان شيء من الاجابة ، وفي شعر محمد الماغوط (رحمه الله) حالة لم تتكرر بعد ، فالنثر حين يكون مركزا ومكثفا، تشكل كل كلمة فيه مع الأخرى توالداً للدلالات والإيحاءات والمعاني، وإثارة للأسئلة الطازجة..

قد يأخذ من الشعر «الرؤيا» ومن القصة القصيرة جداً الوخزة، ويكتسب تسميته وربما يحدد جنسه أيضاً..ولكن يظل السؤال : لماذا لا تسقط تلك الإشكالية على ذاك الجنس الآخر المنسي الذي يعرف بـ «السيناريو» ؟

ألا تحتوي النصوص المعدة للأعمال السينمائية أو التلفزيونية على القصة والمسرح والشعر وحتى الرواية.. لماذا لا يُثار الجدل حول انتمائها أو تجنيسها؟ ألا توجد نصوص «سيناريوهات» قائمة بذاتها ولها لغتها ومنطقها وبنيتها التي تمنحها تسميتها وتفردها ؟

وإن كان الشيء بالشيء يذكر ، لماذا لا يمكن لأغلب الروائيين الكبار كتابة السيناريو حتى لأعمالهم ؟ هل لهذا الجنس خصوصية ما أو تقنية أو حرفية ما ؟

هل يحتاج كاتب السيناريو إلى نفس طويل يمكنه من استيعاب كل التفاصيل، أو ذاكرة مختلفة تختزن الحوارات المتعاقبة ؟ أم فعلا عليه أن يتحلى - إن صح التعبير - بحيز من السخافة كي يستوعب اليوميات والمشاهد المملة؟؟

mah7z@hotmail.com

الأكثر مشاركة