كان الوجه (البورتريه) وما زال، من أبرز الموضوعات التي عالجها فن التصوير الضوئي، وقبله الفن التشكيلي. فالوجه الإنساني هو المعبر والجسر والوسيلة الأنجع للوصول إلى جوانية صاحبه، وتالياً الوقوف على ما تموج به من هموم وآمال، حزن وفرح، أمل ويأس، حب وكره، انكفاء وانطلاق، والحالات الأخرى التي تنتاب الإنسان، وتنعكس على تضاريس وجهه الذي يشبه الكتاب المفتوح، فيه وعبره، يقرأ الآن الإنساني بكل تلاوينه المختلفة.

في كتاب الوجه، تأتي العيون كأهم فصل من فصوله، ولهذا لقيت الكثير من الاعتناء والتركيز والاهتمام، من قبل مزاولي الفنون البصرية المختلفة، لما لها من قدرة على عكس ما يعتمل داخل الإنسان من عواطف وأحاسيس سلبية وإيجابية.

وهذا ما قصده (هيغل) بقوله: (لو تساءلنا عن الجهاز الذي فيه تتبدى النفس من حيث هي نفس، لذهب بنا الفكر للحال إلى العين، إذ في العين تتركز النفس، فهي لا تبصر عن العين فحسب، بل من هذه الأخيرة يمكن أيضاً إبصارها. إن مهمة الفن هي العمل على أن يقوم الظاهر في مختلف نقاط سطحه، هو العين، مقر النفس وكاشفة الروح).

تفرد بفن الوجه عدد كثير من الفنانين التشكيليين، رسامين ومصورين ونحاتين، وكذلك الفنانون الضوئيون، حيث كرس هؤلاء، الجانب الأبرز والأهم من تجاربهم الفنية، لهذا الموضوع القديم ـ الجديد في الفنون البصرية المختلفة.

من هؤلاء الفنان الضوئي السوري (فرج شماس) الذي سبق له وأقام عدة معارض تخصصية في حقل الصورة الضوئية منها: معرض حمل عنوان (يا عيني عليك يا مصر) وآخر دعاه (كنائسنا ما تزال تصلي) كرسه لزيارة بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني إلى سوريا، أما آخر معارضه فقد كرسه لفن الوجه دعاه (نظرة) ضمنه سبعاً وعشرين صورة ضوئية وجهية وشخصية، لأطفال ونساء ورجال، نفذها بتقنية الأبيض والأسود التي تعتبر تقنية الهواة.

لم يكتف الفنان شماس بالاتكاء على مفردات الوجه في التعبير عن جوانية صاحبه، بل قام بدعم هذا الأمر، بجملة من المفردات البيئية كالعمارة، والخيم، والثياب، والآثار، بهدف تأكيد التعبير من جهة، ولربط الوجه بالمكان الذي جاء منه، من جهة ثانية.

يمتلك الفنان شماس رؤية نظيفة وعميقة تجاه موضوع عدسته، حيث يتحين الوضعية المناسبة شكلاً ومضموناً لتسجيلها في صورة ضوئية معبرة، غنية بعناصرها ومفرداتها، مدروسة في قطوعاتها وتوزيع الأضواء والظلال، والأبيض والأسود والرمادي فيها.

هذا التكامل والتناغم بين الحامل والمحمول، أو الشكل والفكرة، لا يتأتى إلا لفنان موهوب وخبير، امتلك ناصية أدوات تغييره، وعلى دراية كامل بما يريده من صوره، لذلك يقوم الفنان شماس بمراقبة سليمة وصحيحة لعناصر الصورة، ثم يقوم بدراستها بإمعان وعمق، وبعدها يدخل عليها بعدسته، في الوقت المناسب!!

د. محمود شاهين