هو من يقود سفينة الشعر في موريتانيا عن طريق رئاسة رابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين، سماه بعض المثقفين «أب الشعراء»، جابه عشرات الأعاصير البحرية، لكن السفينة بقيت سليمة رغم العواصف. أحد رواد القصيدة الموريتانية الحديثة، وفارس من الرعيل الأول من كتاب السرد الفني ببلاد الملثمين.

حل ضيفا على السجن أيام الأحكام الاستبدادية، على خلفية أفكاره السياسية، لكنه إيغالا في التسامح، وتناسيا لجراحات الأمس، وبعدا عن الأنانيات التي استشرت في الساحة، يضرب الذكر صفحا عن تلك المرحلة، ويرفض خوض تفاصيلها التي من المؤكد أنها لم تغب عن ذاكرته.

«البيان» زارت محمد كابر هاشم رئيس رابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين وحاورته حول دور الرابطة وما تحقق، والنشاطات المستقبلية لها، تلك الرابطة التي تعتزم قريبا تجديد هياكلها، وفتح باب الانتساب أمام الدماء الشعرية الجديدة الواعدة، كما تطرق اللقاء لقضايا أخرى تتمحور حول مواضيع ذات صلة بالشأن الإبداعي في موريتانيا.

ـ كيف تقيمون واقع الأدب الموريتاني؟

ـ الأدب الموريتاني جزء من كل، واقع الأدب العربي برمته يكاد يكون متردياً، لجملة من العوامل من أكثرها محورية أن الثقافة العربية تأثرت وتأثر خدامها بتراجع في مجتمعات كان المتلقون فيها يمنحون الصدارة للمتميزين أدبيا وثقافيا وعلميا، وما لبث الوطن العربي أن جُزّي تحت أعلام متعددة ومنظومات قيمية أخرى، ليبقى الأدب العربي في وهدة من الاهتمام.

والحال أنه أحد مرتكزات الانتماء الذي حاربه المستعمرون والمستغربون، ولعلكم تتذكرون أن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل أمسك بالقرآن أمام برلمان بلاده، وقال «لن نفلح ما دام هذا بأيديهم»، الثقافة العربية بصفة عامة محاصرة محاربة، والقائمون عليها محاصرون.

ومن تجليات فقد سدنة الثقافة العربية التصدر في مجتمعاتهم ومحاربة البعد الانتمائي بتأليب اللغات والثقافات الأجنبية عليها أن المادة السادسة من الدستور الموريتاني تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلد، ورغم مرور أكثر من عقد ونصف العقد على إقرار الشعب لتلك المادة بأغلبية ساحقة، إلا أنها ما زالت حبرا على ورق، فالمعاملات الإدارية والإدارة بصفة عامة مفرنسة، ومن المعروف أن الإنسان لا يعمل إلا بالحوافز، فالنظرية الماركسية وهي إحدى أصلب النظريات انهارت، لأنها لم تخلق حوافز بل حاربت الحوافز، ومن هذا المنطلق كان واقع الأدب الموريتاني جزءاً من واقع الأدب العربي.

ـ ماذا عن إسهامات الرابطة في تحريك الساحة الأدبية؟

ـ تأسست الرابطة في 19 يناير 1976، وحددت وثائقها الأساسية مصادرها المالية في ثلاثة موارد هي مشاركات أعضاء الرابطة، والهبات غير المشروطة، ودعم الدولة. وعلى مدى ثلاثين سنة كان مصدرنا الوحيد هو إسهامات أعضاء الرابطة، الذين هم في الغالب مجموعة من المشردين العاطلين بالأساس، أو في أحسن الأحوال الذين لا يملكون إلا جهدهم.

ولم تساهم الدولة طيلة تلك السنوات بمئة أوقية فما تحت فما فوق في أي نشاط من نشاطات الرابطة، أما الهبات غير المشروطة فقد كنت من السباقين إلى الإيمان أن ليس في الوجود هبة غير مشروطة، وإن تظاهر أصحابها بذلك، وبناء عليه فقد رفضنا عددا كبيرا من العروض لبناء مقرات وإقامة أماس، وما إليه. ورغم شح الموارد طيلة تلك الأحقاب فقد عملنا جهد المقل، حيث أقمنا أماسي ومسابقات، وحكمنا المسابقات الأدبية.

وفي سنة 2005 وبعد نضالات مريرة واتصالات شاقة جدا قررت الدولة اعتماد دعم سنوي للرابطة في ميزانيتها، وهو ما انعكس على نشاطات الرابطة، التي كانت أجهزتها قائمة، وكان ينقصها فقط قليل من الدعم، لتنفيذ مشاريعها التي كان يمنعها من الخروج إلى النور ضيق ذات اليد.

وهكذا عقدت الدورتان الأولى والثانية من مهرجان الأدب الموريتاني، على التوالي في عامي 2005 و2006، ونحضر الآن للدورة الثالثة، وقد كان ذلك المهرجان فرصة لاكتشاف ما يزيد على مئة وثمانين شاعرا أغلبهم لم يتجاوز العشرين ربيعا إلا بأعوام قلائل، يجيدون كتابة الشعر باقتدار، كما يجيدون الانحياز إلى الهم العام، وهي ظاهرة مهمة تستحق التقدير خصوصا في هذا العصر الذي تراجعت فيه الانتماءات، والذي يندر فيه أن تجد من يحمل وجع الأمة وهمها وتشظياتها.

كما وآلينا إصدار أعداد «الأديب» الفصلية للسنة الماضية، وسوف نصدر عن قريب بحول الله أعدادها لهذه السنة. كما أصدرنا خمسة دواوين لشعراء موريتانيين، وننوي إلحاق ديوانين آخرين بها، ونسعى إلى أن يكون لنا تقليد سنوي يتمثل في نشر من سبعة إلى عشرة دواوين، وننشط برنامجا أسبوعيا في الإذاعة الموريتانية يفتح المجال أمام إبداعات الشباب.

ـ ما العوائق التي واجهتكم في الرابطة؟

ـ كنا وقت تأسيس الرابطة مجموعة من الشباب خريجي المحاظر، وكانت الأبواب موصدة أمام غير المفرنسين، وحوصرت كهيئة ثقافية، وضيق عليها واستبعدت عن وعي، وفي بداية عام 1981 بدأت الملاحقات والسجون تستهدف مكتبها بدون استثناء، وللأمانة فلم تكن تلك المضايقات نتيجة لعمل ثقافي أو أدبي بحت، وكنت قد سردت جانبا من العوائق في معرض إجابتي عن السؤال المتعلق بإنجازات الرابطة.

ـ ماذا عن دورات تشكل الرابطة؟

ـ بدأت الرابطة فضاء للأدب والفن والموسيقى، وكانت تحمل طيلة عقدها الأول اسم الرابطة الموريتانية للآداب والفنون، وكان ينضوي تحت لوائها الشعراء والكتاب والفنانون التشكيليون ونواة السينمائيين الموريتانيين، وفي 25 مارس 1987 ونتيجة لتأسيس الإخوة الفنانين روابط خاصة بهم، تغير اسمها لتكون رابطة الأدباء الموريتانيين، وبعدها بعشر سنوات قررت الجمعية العامة فتح المجال أمام كتاب السرد للانتساب إليها، عن طريق إضافة عبارة «والكتاب» إلى الاسم، وهو الاسم الحالي.

ـ توصفون بأنكم من رواد السرد في البلد؟

ـ كان جميع أفراد الجيل المؤسس يكتبون القصة، على سبيل المثال الرئيس المؤسس الخليل النحوي، المرحوم فاضل أمين، ناجي محمد الإمام، محمد فال ولد عبد الرحمن، وإسماعيل ولد محمد يحظيه، وأغلب الوجوه القديمة، عندي مجموعة قصصية أزمعت نشرها ذات مرة بعد نشري ديوان «حديث النخيل»، لولا أن تذكرت أن الأدب تكفيه وشيجة واحدة.

ـ يلاحظ قارئ ديوانكم «حديث النخيل» أنكم مسكونون بالبكاء والترنم بأمجاد الأمة الغابرة؟

ـ (يجيب متهكما) وهل لدينا أمجاد جديدة؟

ـآخر نص تكتبونه؟

ـ نشيد مهرجان الشعر الدولي :

شنقيط مجد توالى

عبر القرون وطالا

والشعر ينبت فيها

بداهة وارتجالا

كانت لروض القوافي

مثابة ومجالا

وإن فيها لشعرا

عذبا وسحرا حلالا

ـ تعاني الساحة الوطنية من نقص في الأصوات الأنثوية الشاعرة؟

ـ يعود ذلك أساسا إلى المجتمع الذي لا يعتبر الشعر دورا مفضلا للمرأة، .

حوار: بشير ولد ببانه