بلاد عمان دخلت في الإسلام سلما بعد إسلام ابني الجُلندى

بلاد عمان دخلت في الإسلام سلما بعد إسلام ابني الجُلندى

ت + ت - الحجم الطبيعي

نتكلم اليوم عن بلاد عمان في التاريخ الاسلامي القديم وسأتطرق في حلقات قادمة إلي بعض صفحات تاريخها في القرون المتأخرة خاصة منذ بداية حكم اليعاربة إلى بداية حكم السيد فيصل بن تركي إن شاء الله تعالى .

يقول ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان النفيس الذي أنصح كل إخواني القراء أن يكون هذا الكتاب أحد مقتنياتهم:« عمان : بضم أوله إسم كورة ( بلاد) عربية على ساحل بحر اليمن والهند تشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع الا أن حرها يضرب بها المثل(الجزيرة العربية في الحر سواء ) ، يقال : أعمن وعمّن إذا أتى عمان وقال الممزق :

فأنْ يتهموا أنجدْ خلافا عليهمُ

وإن يعمنوا مستحقبي الحرب أعْرقِ

فلا أنا مولاهم ولا في صحيفةٍ

كفلتُ عليهم والكفالة تعتقِ

وقال ابن الاعرابي:العمُن المقيمون في مكان يقال : رجل عامن وعمون ومنه اشتق عمان، وقصبة عمان صحار، ويجوز صرف عمان في الاعراب ومنعها» وقد اختلفوا في سبب تسميتها بعمان فمن قائل أنها سميت بعمان بن ابراهيم الخليل وقيل غير ذلك ولا أرى هذه الاقوال الا ظنون ما أنزل الله بها من سلطان .

وقد ورد في فضل أهل عمان بعض الاحاديث النبوية منها الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي برزة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا الى حي من أحياءالعرب فسبوه وضربوه فجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله « لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك » .

كيف دخل الاسلام الى عمان

يقول ابن جابرالبلاذري صاحب كتاب فتوح البلدان في معرض حديثه عن فتح عمان:« قالوا: كان الاغلبين على عمان الازد، وكان بها من غيرهم بشر كثير في البوادي فلمَّا كانت سنة 8 من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا زيد الأنصاري أحد الخزرج وهو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر الكلبي قيس بن سكن بن زيد بن حرام، وقال بعض البصريين اسمه عمرو بن أخطب جد عروة بن ثابت بن عمرو بن أخطب وقال سعيد بن أوس الانصاري اسمه ثابت بن زيد وبعث عمرو بن العاصي السهمي الى عبد وجيفر ابني الجلندي بكتاب منه يدعوهما فيه الى الاسلام.

وقال إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد على الصلاة وأخذ الاسلام على الناس وتعليمهم القرآن والسنن، فلما قدم أبو زيد وعمرو عمان وجدا عبدا وجيفرا بصحار على ساحل البحر فاوصلا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فأسلما ودعوا العرب هناك الى الإسلام فأجابوا إليه، ورغبوا فيه، فلم يزل عمرو وأبو زيد بعمان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم ويقال إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك.

قالواولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت الازد وعليها لقيط بن مالك ذو التاج، وانحازت الى «دبا»وبعضهم يقول دما في دبا، فوجه أبوبكر «رضي الله عنه» إليهم حذيفة بن محصن البارقي من الازد وعكرمة بن أبي جهل بن هشام المخزومي فواقعا لقيطا ومن معه فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيا بعثا به إلى أبي بكر «رضي الله عنه» ثم إن الأزد راجعت الاسلام، وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر فسار اليهم عكرمة فظفر بهم وأصاب منهم مغنما، وقتل بشرا وجمع قوم من مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة جمعا فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وادوا الصدقة، وولى أبو بكر «رضي الله عنه» حذيفة بن محصن عمان فمات أبو بكر وهو عليها، وصرف عكرمة ووجه الى اليمن، ولم يزل عمان مستقيمة الامر يؤدي اهلها صدقات اموالها، ويؤخذ ممن بها من الذمة جزية رؤوسهم حتى كانت خلافة الرشيد فولاها عيسى بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فخرج اليها بأهل البصرة فجعلوا يفجرون بالنساء.

ويسلبونهم ويظهرون المعازف فبلغ ذلك أهل عمان وجلهم شراة فحاربوه ومنعوه من دخولها، ثم قدروا عليه فقتلوه وصلبوه وامتنعوا على السلطان فلم يعطوه طاعة وولوا أمرهم رجلاً منهم، وقد قال قوم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجه أبا زيد بكتابه الى عبد وجيفر ابني الجلندي الازديين في سنة 6، ووجه عمرا في سنة 8 بعد اسلامه بقليل، وكان اسلامه واسلام خالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبدي في صفر سنة 8، اقبل من الحبشة حتى اتى الى النبي صلى الله عليه وسلم وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي زيد خذ الصدقة من المسلمين، والجزية من المجوس.

(ومما جاء في اثبات أن صدقة أهل عمان لا تخرج من أراضيهم ) حدثني ابو الحسن المدائني عن المبارك بن فضالة قال كتب عمر بن عبد العزيز الى عدي بن أرطاة الفزاري عامله على البصرة:أما بعد فاني كنت كتبت الى عمرو بن عبد الله ابن يقسم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها ومن سقط إليها من أهل البادية ومن اضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل، فكتب الى انه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر فذكر انه قد باعه وحمل اليك ثمنه فاردد الى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع التي امرته بها، ويصرفه فيها ان شاء الله والسلام» .

وكان في عمان سوق مشهورة منذ الجاهلية حيث كان يقام سوق عكاظ وذي المجاز في الجزيرة ثم يقام بعد ذلك في دبا كما جاء في كتاب المحبر لإبن حبيب ، يقول صاحب معجم البلدان: «دبا: بفتح اوله، والقصر، والدبا: الجراد قبل ان يطير قال الاصمعي: سوق من أسواق العرب بعمان وهي غير دما، ودما ايضا من اسواق العرب، كلاهما عن الاصمعي، وبعمان مدينة قديمة مشهورة لها ذكر في ايام العرب واخبارها واشعارها، وكانت قديما قصبة عمان، ولعل هذه السوق المذكورة فتحها المسلمون في ايام ابي بكر الصديق، ضي الله عنه، عنوة سنة 11 من الهجرة واميرهم حذيفة بن محصن فقتل وسبى.

قال الواقدي: قدم وفد الازد من دبا مقرين بالاسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث عليهم مصدقا منهم يقال له حذيفة بن محصن البارقي ثم الازدي من اهل دبا، فكان يأخذ صدقات اغنيائهم ويردها الى فقرائهم، وبعث الى النبي، صلى الله عليه وسلم بفرائض لم يجد لها موضعا، فلما مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ارتدوا فدعاهم إلى النزوع فأبوا واسمعوه شتما لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، فكتب حذيفة بذلك إلى ابي بكر، رضي الله عنه، فكتب ابو بكر الى عكرمة بن أبي جهل وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، استعمله على صدقات عامر، فلما مات النبي، صلى الله عليه وسلم، انحاز عكرمة الى تبالة « ان سر فيمن قبلك من المسلمين » .

وكان رئيس اهل الردة لقيط بن مالك الازدي، فجهز لقيط اليهم جيشا فالتقوا فهزمهم الله وقتل منهم نحو مائة حتى دخلوا مدينة دبا فتحصنوا بها وحاصرهم المسلمون شهرا او نحوه ولم يكونوا استعدوا للحصار، فأرسلوا الى حذيفة يسألونه الصلح، فقال: لا اصالح الا على حكمي، فاضطروا الى النزول على حكمه، فقال: اخرجوا من مدينتكم عزلا لا سلاح معكم، فدخل المسلمون حصنهم، فقال: اني قد حكمت فيكم ان اقتل اشرافكم واسبي ذراريكم، فقتل من اشرافهم مائة رجل وسبى ذراريهم وقدم بسبيهم المدينة فاختلف المسلمون فيهم، وكان فيهم ابوصفرة ابو المهلب غلام لم يبلغ، فأراد ابو بكر، رضي الله عنه، قتل من بقي من المقاتلة، فقال عمر، رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله هم مسلمون انما شحوا بأموالهم والقوم يقولون ما رجعنا عن الاسلام، فلم يزالوا موقوفين حتى توفي ابو بكر فاطلقهم عمر، رضي الله عنه، فرجع بعضهم الى بلاده وخرج ابو المهلب حتى نزل البصرة واقام عكرمة بدبا عاملا لأبي بكر، رضي الله عنه» .

وفي كلام صاحب معجم البلدان بعض الاوهام راجع الى النقل لأنه لم يزر هذه المنطقة مع أنه جمع كتابه وهو مقيم في أصفهان وهي من أقرب المناطق على عمان ، حيث يقول : « وبعمان مدينة قديمة ...» والمعروف أن قصبة عمان هي صحار كما مر في كلامه عن عمان ، وقوله دما غير دبا المعروف أنهما واحد وبعض العرب يقلبون الباء الى ميم كقولهم مكرى في بكري .

وقوله فتحت عنوة سنة 11هـ لم يقل به أحد بل كان أهلها مسلمين الى أن ارتد بعضهم ثم رجعوا بعد قتالهم كما مر في كلام البلاذري .وقد اختلف الرواة في عدد القتلى في هذه المعارك وأظن أن الأعداد مبالغ فيها حتى قالوا أن عكرمة جاء بآلاف مؤلفة من السبي وهذا لا يصح، وما زال عمر يحاول فك أسرى دبا حتى ولي الخلافة ففك أسرهم وكان منهم أبوصفرة والد المهلب حيث انتقل الى البصرة بعد ذلك وهناك ولد المهلب الفارس المشهور .

Email