مثل كل البلدان التي تحاول فنونها السينمائية والتلفزيونية، ربط الناس خاصة النشء والشباب بالتاريخ والتراث وأخلاقيات البلدة القديمة، قبل أن تدهمها نار الحضارة والانفتاح وصراع المال الذي يجتاح بلدان العالم كافة، تجيء أحداث المسلسل السعودي «المقطار» الذي بدأ تصويره في ضواحي العاصمة الرياض، في حلقات منفصلة متصلة بخط درامي كوميدي وشخصيات ثابتة تتناول كل يوم موضوعاً اجتماعياً، وهو من أعمال شركة «الصدف للإنتاج الصوتي».

وقبل انطلاق تصوير المسلسل عقدت شركة الصدف للإنتاج الصوتي والمرئي في مكتبها بمدينة الرياض ورشة عمل شارك فيها عدد من الكتاب المتميزين في هذا المجال، الأمر الذي سيعطي نتائج إيجابية على الأعمال الكوميدية خلال الفترة القليلة المقبلة، وقد ترأس مؤلف «المقطار» سعد المدهش مجموعة من ورش العمل الأخيرة لمناقشة سير عمل المسلسل والذي يجمع بين الكوميديا الاجتماعية والتقاليد التراثية، وشارك في ورش العمل كل من عبدالله صايل ومحسن الشهري وعبدالكريم الفالح ووليد المهنا، وتبلور منها عدد من الأفكار لهذا العمل، والذي استطاع بكل اقتدار المدهش أن يمزج فيها بين الكوميديا والتراث.

حول هذا المسلسل الذي يقع في ثلاثين حلقة، يقول سعد المدهش: «حرصنا في «المقطار» على تزويد النشء والشباب بأخلاقيات العيش في بيوت الرياض خلال سنوات ستينات القرن الماضي، من خلال حلقات منفصلة ومترابطة في الوقت ذاته بخط درامي كوميدي وشخصيات ثابتة، تتناول كل يوم موضوعاً اجتماعياً رئيسياً مع إضافة مواضيع اجتماعية ثانوية لتكون الفائدة أعم وأشمل، وراعينا أن تكون لهجة المسلسل قريبة جداً من ذلك الزمن، بحيث تكون مفهومة للمتلقي».

ويوضح مؤلف العمل أن دافعه الرئيسي للعودة لحقبة زمنية سابقة في هذا العمل هو الحاجة لنشر تراثنا المحمل بعبق ونفحات الماضي الجميل في حاضرنا الأجمل. ويقول في هذا الصدد: «إن حاجتنا إلى نشر التراث الثقافي والاجتماعي هي ضرورة ملحّة علينا كمثقفين وفنانين خصوصاً في هذا العصر، زمن الفضائيات والثورة الإعلامية، فما نعيشه في عصرنا الحاضر وفي وطننا الغالي من تقدم ورقي، قد سبقه عصر الآباء والأجداد، الذين حفروا قواعد هذا الوطن على أسس من التآخي والتعاون والإيثار والتضحية.

فلابد من أن يشاركنا المشاهد هنا وهناك ليستمتع برؤية هذه الصور المضيئة لمجتمعنا قديماً حتى نستطيع أن نرى أنفسنا في هذا الزمن، وعندما ننظر إلى الدول المتقدمة هذه الأيام، نرى أنها حافظت على تراثها مع سيرها قدماً في مضمار الحضارة الحديثة والأخذ بكل معطياتها، لذا حاولنا في هذا المسلسل الاجتماعي إبراز الصفحات المشرقة في مسيرة الآباء والأجداد».

ويقدم المسلسل رؤية تقترب من أرض الواقع، خلال حقبة زمنية سابقة تجسد في أحداثها فترة الستينات الميلادية، كأول عمل درامي سعودي يقدم حياة الناس في تلك الفترة، من خلال رسم ملامح صورة واضحة المعالم للحياة الاجتماعية لمنطقة الرياض والتركيبة السكانية فيها آنذاك، وطبيعة العلاقات الوطيدة بين الأسر والجيران التي ترتكز بين أفرادها على أسس المحبة والأمانة والتآلف والتآخي، مع تقديم معالجة درامية من زوايا مختلفة عدة، يتجلى فيها بشكل مميز الطرح الكوميدي الممتع.

ويشارك إلى جانب مخرج العمل الكويتي حسين أبل الذي أخرج في شهر رمضان الماضي مسلسل «عقاب» عدد كبير من الفنيين والتقنيين منهم المخرج المنفذ محمد طوالة ومدير التصوير جوان حلبو ومدير الإضاءة خالد طالب والصوت محمد المقيطي ومدير إدارة إنتاج الرياض محمد الجندي ومتابعة من مدير المشاريع في الرياض خالد الشهري.

ووفر القائمون على العمل كل الإكسسوارات والأزياء المناسبة لتلك الفترة والتي يرتديها الطاقم التمثيلي الذي يزخر بالعديد من نجوم الدراما المحلية والخليجية ومنهم هيفاء حسين ولمياء طارق وعبدالله السناني وحمد المزيني وعلي المدفع وغيرهم.

ويؤدي الفنان يوسف الجراح دوراً جديداً في المسلسل، يجسد من خلاله دور رجل أعمال يحاول بأمواله الفوز بقلب أجمل فتاة في القرية «سارة»، ويجد نفسه في مواجهة «نويصر» الذي ينافسه على حبها، رغم إنه لا يتمتع بالإمكانيات المادية التي تتوفر لدى الرجل الثري، ولكنه يمتلك حب كل أهل القرية بسبب طيبته وحسن خلقه..على هذا النحو تدور الكثير من الأحداث والمواقف التي تزخر فيها قصة العمل، الذي يعتمد فيه الكاتب سعد المدهش أسلوباً مختلفاً عن الكثير من المسلسلات الاجتماعية التي شاهدها جمهوره من قبل.

وفي المقابل، يلعب الفنان حبيب الحبيب شخصية «نويصر» كنموذج للإنسان القروي البسيط في قرية مسالمة تصبح على ضحكات بريئة، وتمسي على ابتسامة تصنعها حياة أهل هذه القرية الطيبة، هذه الضحكات لا يكدرها إلا أفعال جشعة وخبيثة من شخص آخر يكره «نويصر» كرهاً شديداً ويدبر له المكائد والمشكلات بسبب الحسد لأن أهل القرية يحبون نويصر لطيبته وخفة دمه وأيضاً كردة فعل عندما رفضت سارة الزواج منه وفضلت نويصر عليه.

حيث تعتبر سارة تلك الفتاة الجميلة التي يضرب بها المثل في الجمال والذكاء في هذه القرية، وتدور أحداث القصة على هذا المنوال، حيث تحمل الكثير من الإرهاصات الفنية الدرامية المتميزة والتي تعيد المشاهد فيها إلى فترة ماضية، ولكن ليست بعيدة عنا.