منذ نشأته وجد الإماراتي نفسه أمام ساحلين ممتدين أحدهما شمالي والآخر شرقي، وبحر وافر الخيرات، نشأت على ضفافه حركة دؤوبة لتأمين مصادر العيش والاستفادة من كنوزه.

وبدأت حينها علاقة الإماراتي تمتد نحو أعماق البحر فظفر بأثمن اللآلئ في رحلات موسمية، واصطاد أسماكه في رحلات يومية، صيد السمك مهنة يجتمع على مزاولتها سكان السواحل الإماراتيين باختلاف مناطقهم، في سفن بنوها بسواعدهم ورحلوا على متنها في رحلات الصيد الطويلة. الأسماك كالثمار تماماً تزدهر في فصول معينة وتختفي في فصول أخرى، وتتفاعل معها تبعاً لحركة البحر والنجوم، يقول رئيس جمعية الإمارات للغوص: عند دخول الشتاء، يكون كل أنواع السمك «سمين» وغني بالفوائد الغذائية المختلفة، ويستمر توافر الأسماك إلى أن تغيب الثريا، في الخامس من مايو.

وبين الصيف والشتاء تختفي أنواع معينة من الأسماك وتظهر أخرى وذلك بهدف التوازن في تواجدها بين الصيف والشتاء، وتفقد أنواع معينة فوائدها شتاءً بسبب تخلصها من بيوضها المسماة «الحبل»، مثل القرفا والخبّاط والجش والحلوايوه، والعومه والهامور والسكل والقين واليريور. بينما تتخلص أسماك أخرى من بيضها في الصيف، مثل الشعري والصافي، وتصبح هزيلة وتفقد قيمتها الغذائية، ويُعد الشعري من أفضل أنواع الأسماك، لأنه يتغذى على المحار. والحلوايوه كذلك من الأسماك المشهورة محلياً والتي تكثر في فصل الشتاء وتمتاز بقيمتها الغذائية والسوقية العالية.

كما يتميز الشعري بتنوع طرق طهيه، إلى جانب الهامور الذي يمتاز بقيمته الغذائية العالية. ويؤكد المحيربي أن الشعري والهامور متوفران بكثرة في مياه الدولة، سيما في الأعماق المقاربة للجزر، مثل زركوه وأرزنه وصير بونعير التي تتمتع بوجود أغنى مصائد للأسماك بسبب تضاريسها وعمقها، مؤكداً «ولكن قلة من الصيادين يستطيعون الوصول إليها، لكونها تتطلب الخروج في رحلات طويلة، وقد استغنى العديد من الصيادين هذه الأيام عن هذه المصائد لبعدها.

قيمة غذائية

اشتهرت منطقة الخليج العربي بوفرة أسماكها وتنوعها، ولعل أشهرها الشعري والهامور والصافي والجش والتبان وولد الولد (صغار سمك القرش أو اليريور) والبياح بأنواعه المختلفة فمنه العربي والصفطي والبرداه والهديباه كما يذكرها معجم الألفاظ البحرية لجمعة بن ثالث، وتتواجد سمكة الشعري بكثرة قرب المرجان، وأيضاً في القيعان العشبية، وتتغذى على الرخويات والديدان البحرية والأعشاب البحرية، وهي أسماك لاحمة ونباتية، ويتميز الشعري بلونه الفضي وبروز في فمه، وقدرته على العيش في بيئات قاسية.

ويتم صيده بطرق مختلفة، منها القراقير والحدق، وهو من الأسماك المشهورة في الخليج العربي وله قيمة اقتصادية كبيرة، يحافظ على جودته لفترة طويلة.

أما الهامور فيكثر في البحار العميقة، والمنحدرات والمناطق الصخرية، وهو سمك كسول لا يحب الحركة وقد يتجاوز طوله المتر، ويقال إن سمكة الهامور لا تموت بسهولة، ولهذا يتم أحياناً ضربها على رأسها بعد صيدها. وللهامور مكانة خاصة لدى الصيادين الذين يستمتعون بصيدها ومنها البالول وهي سمكة الهامور متوسطة الحجم. وتتجمع أسماك الشعري والهامور إلى جانب مجموعة من الحيوانات البحرية عادة في كهوف صخرية صغيرة تسمى الميفرة، وذلك بهدف الاحتماء.

وبعد صيد الأسماك يتم وضعها في سلة تسمى جيسه أو صيرم، مصنوعة من الأسلاك الحديدية، تفرز بعدها الأسماك وتعرض للبيع، وهي بحسب جمعة بن ثالث الباحث الإماراتي - عضو في جمعية الإمارات للغوص- وحدة لقياس الأسماك متوسطة الحجم.

وعمد الأهالي قديماً إلى حفظ الأسماك بطرق مختلفة مثل التجفيف والتمليح، وأشهر تلك الأنواع الجاشع، ويوضح جمعة بن ثالث أنه نوع من الأسماك الصغيرة جداً يتم تجفيفها بعد الصيد وطحنها على شكل مسحوق يُسمى «سحناه».

بالإضافة إلى سمك التبان أو الخباط الذي يتم حفظه عن طريق إضافة كميات كبيرة من الملح، وينتج ما يسمى المالح، إلى جانب نوع ثالث يُسمى الجسيف، وهو سمك يفتح بطنه ويتم تنظيفه ثم تمليحه ويُجفف تحت أشعة الشمس ليجف ماؤه، ونوع آخر يُسمى المدفا وهو سمك النيسر أو البدح يتم ملحه وتجفيفه، ويتم صيد سمك النيسر بشباك خاصة تُسمى الياروف.

تنوعت أدوات الصيد المستخدمة تبعاً لأنواع الأسماك وأماكن تواجدها، وأشهر تلك الأدوات المستخدمة في الإمارات ودول الخليج العربي القرقور، مصيدة للأسماك، شبك معدني بيضاوي الشكل له فتحتان إحداهما على شكل قمع جانبي رأسه حاد إلى الداخل، والأخرى فتحة لها قطعة مستديرة من نوع مادة القرقور لسدها.

ويصنع من الأسلاك وله عيون على شكل الشبكة يوضع بداخله طعم ويلقى في البحر فتدخل الأسماك من الفتحة التي على شكل القمع ثم لا تهتدي للخروج وعند سحبه تفتح الفتحة المستديرة لأخذ ما به من السمك.

ويُسمى الحجم الكبير من قراقير الصيد «الدوباية». أما الليخ، فهو أداة أخرى لصيد أنواع مثل الزبيدي والليخ عبارة عن شبك تتسع فتحاته بمساحة 10 سم مربع تقريباً، ويستخدم نوع آخر فتحاته أضيق لصيد الصبور والجواف، إلى جانب القرقور، استخدمت السنارة لصيد أنواع أخرى من الأسماك، وسميت «ميدار» ولها عدة أحجام.

وتتنوع طرق صيد السمك، ومنها الضغوة، ويشير بن ثالث إلى أنها هي طريقة صيد أسماك السردين «العومة» بشباك تُسمى اليل، وهي حبال يجرها مجموعة من الرجال من كل الجوانب معتمدين على سواعدهم ويوجد في مؤخرة اليل كيس كبير تجتمع فيه الأسماك بعد محاصرتها من الجانبين.

إلى جانب الضغوة هناك السالية، وهي شبكة مستديرة يحيط بها حبل يمسكها الصياد بيده ويلقيها في البحر وهو على الساحل، حيث تنتفخ تدريجياً وتستخدم لصيد صغار السمك مثل المتوت والميد والعومة.

أنواع السفن

يقول المحيربي استخدم الصيادون في الإمارات أنواعاً متعددة من قوارب الصيد ذات الأحجام المختلفة ومنها الشاحوف والشاشة والهوري والشوعي والقوارب الصغيرة التي صنعت معظمها من الأخشاب، إلى جانب صيد الأسماك واستُخدم الهوري لنقل السلع الخفيفة إلى مسافات قصيرة.

وهو قارب صغير منحوت من جذوع الشجر يتراوح طوله من 10 إلى 20 قدماً، أما الشوعي من السفن التي تستخدم لصيد الأسماك وغلب استعمالها في الغوص، والسفر إلى بعض الموانئ الخليجية، ومن أنواع السفن الصغيرة «البيلي» التي كانت تستخدم للصيد بالقرب من الشواطئ وفي الأخوار.

دبي - أمل الفلاسي